بقلم فرحات عثمان
تنعقد هذه الأيام بتونس مشاورات بين بلدنا و الإتحاد الأوروبي في نطاق الشراكة بينهما. ولعله من نافلة القول الإشارة إلى أن هذه الشراكة ما أتت يوما لتونس بما أملت فيه.
مع هذا، نرى الديبلوماسية التونسية، نظرا لموازين القوى، لا تمانع في ما يحثه عليها الإتحاد الأوروبي اليوم من ضرورة عقد اتفاقية للتبادل الحر يدّعيه متكاملا ومعمّقا يُسمّيها ألكا ALECA.
ورغم هذا المسمّى الطنّان، ليست الإتفاقية لا معمقة ولا متكاملة، إذ هي تكتفي بفتح السوق التونسية في الميدان التجاري، حارصة على حرية التنقل للبضائع، دون القبول بها لصالح من يخلقها، أي البشر؛ بينما بحرية تنقل البشر فقط يمكن للإتفاقية أن تكون فعلا وبحق متكاملة ومعمّقة. لهذا لا بد من المطالبة بالمرور إلى ألككا ALECCA
لا تبادل حر بدون حرية التنقل
فإن لم يكن في قدرة بلدنا الممانعة على ما يندرج في خانة التوجه العام لزيادة تداخل الاقتصاد التونسي مع المنظومة الأوروبية، ولا مناص من ذلك، فمن المتحّتم عليه أن يطالب بما يقتضيه المنطق في نفس هذا المجال، أي فتح الحدود أمام التونسيين. وهذا من الممكن رغم المظاهر الخدّاعة.
فليس ذلك بتاتا من الخور، بل هو مما يندرج في نطاق الإتفاقية كما يسوّق لها الإتحاد الأوروبي الذي يستعمل، من بين الحجج التي يقدّمها لإقناع تونس، ضرورة زيادة دمج الإقتصاد التونسي في الاقتصاد الأوروبي لتسهيل وضمان إنضمام تونس مستقبلا إلى الاتحاد الأوربي.
لهذا، بإمكان الديبلوماسية التونسية، بل من حقّها، أن تطالب بأن يتمّ ما تقترحه أوربا من الآن بفتح الحدود أمام مواطنيها، خاصة وأن هذا من شأنه أن يتم بواسطة أداة التأشيرة الحالية في كل مواصفاتها الأمنية، إذ الفارق الوحيد أنها تُصبح تأشيرة مرور تسلّم للتونسيين مجانا ولمدّة سنة على الأقل.
بذلك تُضمن حرية التنقل للمواطنين التونسيين مع تسوية الوضعية الحالية المخالفة للسيادة التونسية والقانون الدولي، بما أنه ليس لسلطة أجنبية رفع بصمات التونسيين دون مقابل. فهكذا تكون حرية التنقل المقابل المعقول؛ وذلك ممكن لأن تأشيرة المرور المقترحة معروفة ومستعملة اليوم، إلا أنها لا تُسلّم إلا بصفة محدودة واستثنائية.
مع العلم أن حجم الجالية التونسية الضئيل بالأرض الأوروبية وقلة مشاكلها النوعية من شأنه المساعدة على إنجاح هذه التجربة التي يفرضها الوضع الأمني اليوم بالحر المتوسّط حتى يقع لاحقا تعميمها كأنجع سلاح ضد الهجرة غير الشرعية التي وصلت حدا من الخطورة ومن انتهاك للحريات والأخلاق لم يعد بالإمكان تجاهله.
علما أيضا أن غلق الحدد هو السبب الرئيس في خلق ظاهرة المهاجرين غير الشرعيين، بينما حرية التنقل بواسطة تأشيرة المرور من تداعياتها المنتظرة محو هذه الظاهرة والقضاء عليها تماما.
حرية التنقّل لدعم الانتقال الديمقراطي
إن المرور إلى منظومة التنقل الحر في البحر المتوسط لا مناص منها وقد كنت طالبت بها منذ الانقلاب الشعبي بتونس إذ هي الدليل الأسنى على احترام كرامة التونسي ونضجه، علاوة على دعم التنقل الديمقراطي في البلد بتوفير المجال الضروري للشباب التونسي للعيش الكريم والابتعاد بهم عن مسالك الإرهاب.
نعم، من المنتظر بل من الثابت أن يُجابه مثل هذا المطلب من طرف الديبلوماسية التونسية بالرفض المبدئي الأوروبي بدعوى الوضع على أراضيها الذي يجعل من حرية التقل أحد التابوهات في السياسة الخارجية.
وطبعا لن يكون ذلك مقنعا، إذ أن التأشيرة تبقى على حالها، بل وتصبح معقلنة لتغدو الوسيلة الفضلى في المستقبل لمقاوة الهجرة غير الشرعية. ثم نحن رأينا أخيرا تناقض الإتحاد الأوربي مع تركيا إذ لم تعد التأشيرة تابو بتاتا؛ فكيف يُرفع لصالح تركيا ويُرفض لتونس رغم كل ما يحدث بها؟
أما العذر الآخر المنتظر من طرف الاتحاد الأوربوي فهو عدم القدرة على منح تونس ما بتوجّب عليها منحه للمغرب في نفس الوقت. وهذا طبعا غير مقنع ولا منطقي، بل بالإمكان أن تعدّه السلط التونسية من باب الإهانة لثورة الشعب ونضجه، خاصة وأن الديبلوماسية الأوروبية لا تفتأ في الإطناب بالإستثناء التونسي والكلام عن عزمها على دعم الانتقال الديمقراطي بها.
فحرّية التنقّل لمواطنيها من شأنها تمكين تونس من إنجاح تجربتها بتحقيق أحد استحقاقات الشعب وذلك بالحصول على وضع إستثنائي في علاقاتها مع أوروبا.
وهذا من المتحتّم إلا إذا كان كلام أوربا من باب الاستخفاف بالتونسيين واستبلاههم! فما تحقّق ببلدهم لم يتحقق إلا بها، ولا في غيرها من البلاد العربية، ودعمه يقتضي كل التضحيات لأجل إنجاح تجربة فيها الخير العميم للجميع بالبحر الأبيض المتوسّط.
شارك رأيك