بقلم فرحات عثمان
أعلن حزب النهضة في مؤتمره العاشر عن نويا حسنة في الفصل بين الدين والسياسة، هذا الفصل المتحتم في الإسلام والذي كان على الحزب الإسلامي التونسي الأخذ به منذ البداية.
ذلك لأن ديننا يفصل بدون أدنى شك بين المجال الخاص المخصص للدين وفيه العلاقة مباشرة بين الله وعبده، وبين المجال العام الذي لا دخل للدين فيه بتاتا. هذا هو الإسلام لا ما فهمته النهضة وعملت به من خلط ولخبطة. فعسى أن يكون في فهمها المتأخر خيرا لها وللبلاد عامة.
رمضان أو العبادة الحقة :
إلا أن الأهم في هذا الميدان كغيره لهو حسن النية وصدق السريرة، وقد عوّدنا الحزب الإسلامي، كباقي الأحزاب، بالخداع السياسي والنفاق الأخلاقي.
وهاهو رمضان على الأبواب، هذا الشهر الفضيل الذي كثرت فيه إلى اليوم مظاهر الزيف في الدين القيم! ففي رمضان تتوقف نهارا الحركة الاقتصادية، خاصة نشاط المقاهي والمطاعم، بتعلة أن الصوم يمنع الأكل والشرب، بينما الإسلام يمنع أولا وقبل كل شيء التظاهر المخاتل فيفرض الصوم أولا على كل فساد وإفساد. فهل أفحش من فساد صوم كله نفاق لانعدام الرغبة فيه أو للتظاهر به ؟ هل الإسلام في المراءاة؟
إن الصوم الحقيقي هو مجاهدة النفس في صوم يكون لله وحده؛ وذلك لا يصح إلا عندما يتوفر الخيار للصوم أو عدمه للناس فيصومون أو لا يصومون بكل حرية وعن قناعة بضرورة الصوم وفائدته لا عن خوف ورهبة.
رمضان شهر الحريات :
لذا، لا بد أن تكف هذه السنة السلط عن منع المقاهي والمطاعم فتتركها حرّة في فتح أبوابها نهارا إن شاءت ولا تتعرض شرطتها لمن لا يرغب في الصوم، لأن هذا حقه، ولأن دولتنا مدنية، ولأن الدين الإسلامي حريات.
هذا، ولا بد أيضا من الكف عن منع المحلات التجارية من بيع الخمور لأن حرية التجارة مضمونة في الإسلام، مع العلم أنه ما منع قط شرب الخمرة بل حرّم فقط السكر، أي المبالغة في شرب الخمر لحد فقدان العقل.
فهل تطبّق النهضة تعاليم الإسلام هذه السنة عملا بما أعلنت عنه من خيار الإسلام الديمقراطي في مؤتمرها الأخير؟ إنه بحق الاختبار الأول في صدق نواياها، وسنرى مدى جدّيتها في القول بمدنية الحزب.
إن المدينة اليوم هي في أن يكون أول رمضان للنهضة شهر العبادة الحقة؛ وهي طبعا في احترام حريات الجميع : حرية من يصوم فيصوم لله وحده ولا يفعل ذلك للتظاهر فيعتدي على حرية غيره ممن لا يصور؛ وحرية من لا يصوم، فلا يصوم وله الحق الكامل في أن يفعل ذلك علانية، لا خفية، لأن دينه لا يشجع على الخداع والنفاق.
هل يكون إذن شهر الصيام هذه السنة رمضان حسن النية لا رمضان النفاق الذي اعتدناه بتونس، خاصة منذ صعود النهضة للحكم؟ هذا ما سنتبيّنه في أول اختبار لحزب النهضة بعد مؤتمرها العاشر. ففي الشارع الرمضاني الخبر اليقين عن صدق أو كذب النهضة !
شارك رأيك