يكتبها فرحات عثمان
تواصل السلط اللغو في ميدان المساواة بين المرأة والرجل، إذ طالعنا الرائد الرسمي أخيرا بخبر إحداث مجلس استشاري للمساواة بين المرأة والرجل بمقتضى أمر حكومي عدد 626 بتاريخ 25 ماي 2016، تحت مسمّى «مجلس النظراء للمساواة وتكافؤ الفرص بين المرأة والرجل».
إستحمار التونسي للتنصّل من المسؤولية
مهمّة هذا المجلس التابع لرئاسة الحكومة، والذي يُختصر اسمه بعبارة مجلس النظراء للمساواة، في العمل «على إدماج مقاربة النوع الاجتماعي في التخطيط والبرمجة والتقييم والميزانية للقضاء على جميع أشكال التمييز بين المرأة والرجل وتحقيق المساواة بينهما في الحقوق والواجبات».
من مهام المجلس الجديد إعداد الخطة الوطنية لتلك المقاربة وتداعياتها ورصد الصعوبات التي تواجهها مع إعداد التقارير الدورية السنوية حول تنفيذ الخطة وإعداد برنامج وطني للتكوين في مجال النوع الاجتماعي وإبداء الرأي في مشاريع النصوص القانونية المتعلقة بحقوق المرأة.
هذه إذن إجابة السلط لمطلب المساواة بين المرأة والرجل، وهي تتمثّل في بعث ما من شأنه تمييع القضية وخنقها عوض التعهّد بما من شأنه وحده تفعيل المساواة حقا على أرض الواقع. فذلك طبعا لا يكون إلا بتحقيق المساواة في الميدان الذي من شأنه إحداث الثورة العقلية اللازمة والنقلة النوعية الضرورية، ألا وهو ميدان الإرث.
لا شك أن مثل هذا التنصّل الصارخ من المسؤولية لجد خطير إذ أتى بعد عرض مشروعٍ لتحقيق المساواة في الميراث بمجلس نواب الشعب كان من الأجدر العناية به والتسريع في مناقشته وتمريره عوض العمل على دفنه حيا وتلهية الرأي العام بمثل هذا المجلس الذي لا فائدة منه تُرجى.
نعم، إن عملية عرض المشروع المُقدّم أمام البرلمان كانت وراءها نوايا سياسية، أو حتّى سياسوية؛ لكن هذا لم يكن يمنع استغلال الفرصة لتجريد القضية من تلك النوايا الخبيثة أو عرض مشروع آخر من طرف الحكومة. مع العلم أن هناك مشروعا تم اقتراحه على السلط من لدن بعض النشطاء، لكن وقع تجاهله.
كل هذا يبيّن أن النية غير صادقة على مستوى السلطة في تفعيل المبدأ الدستوري القاضي بتحقيق المساواة التامة بين المرأة والرجل. لذا، نراها تلجأ لمثل هذه الحيلة غير البريئة المتمثّلة في خلق مؤسسة لا تسمن من جوع ولا تشفي الغليل من العطش إلى العدل؛ إذ لا فائدة تُرجى منها إلا قتل القضية. فهلا وقع اقتصاد التكاليف الباهضة التي سيكبّدها المجلس المُحدث؟ أليس الأجدر استعمال تلك المصاريف في أغراض تنفع البلاد عوض إهدارها بطريق المراوغة هذه التي لم تعد تنطلي على أحد؟
جوهر قضية المساواة في الإرث
إن جوهر قضية المساواة في الإرث بين الرجل والمرأة واضح؛ فهو يتمثّل في عدم الرغبة أو الجرأة على رفض ما يُقدّم على أنه من القطعيات في الإسلام، أي أنه للذكر مثل حظ الأنثيين. وهذا يطرح طبعا السؤال عن ماهية نظرتنا للدين وكيف نقرأ أحكامه وطريقتنا في تأويلها.
ليس الأمر، كما يقول البعض مما يريد التنصّل من المسؤولية، في تعدد مشاغل البلاد الهامة، كالفقر ومشاكل التعليم والصحة والحقوق والحريات؛ إضافة للأزمة السياسية الخانقة الي تجعل نظرية دولة القانون مهزلة ولعبة للغرّيرين.
حقيقة كل تلك المشاكل، بدون أدنى شك؛ إلا أن هذا لا يمنع أن الوسيلة للخروج من الوضع المزري الذي تعيشه البلاد تبقى الشجاعة في أخذ القرارات المسؤولة والجريئة التي من شأنها رفع العراقيل في المخيال الشعبي للمساعدة على تجاوز تلك المشاكل بإيجاد الحلول لها.
هذه الكوابل في العقليات ثقيلة في اللاوعي، تحجّر الفكر وتفسد الذهن؛ وهي في معظمها دينية أو أصلها ديني، إن لم تكن كلها؛ خاصة في كيفية تصريف الأحكام كما ورثناها عن السلف وجمّدها التشريع الإسلامي الذي نعمل به رغم أن الدهر أكل عليه وشرب.
ففقهنا، الذي استلهمنا منه قوانيننا الوضعية، لهو هذا الفهم المتحجّر للشريعة الإسلامية الذي كان صائبا ومفيدا في عصره وله، إلا أنه غدا اليوم متهافتا، متنافيا مع مقتضيات الزمن الحاضر. لذا، لا بد من تحيينه على الأقل، إن لم يكن ابتداع الفقه الجديد المتجدد المتناسب مع عصرنا. وما يمنع ذلك ما دام الأصل متوفرا، وهو القرآن وسنة الرسول الصحيحة؛ وبما أن الآلية لذلك موجودة، ألا وهي الإجتهاد المستدام؟
في هذا الميدان المتحتم للإجتهاد في الدين، لا شك أن المساواة في الميراث من القضايا التي تفرض نفسها قبل غيرها، ولها كل الحظوظ لأن تتم باسم الدين لا ضده إذا قرأناه قراءة صحيحة. فليس من حق الفقيه تجميد فهم المقاصد الشرعية حسب عقله وفهم عصره، ظالما بذلك الأجيال بعده كأنه وحده يفقه الدين حق فقهه.
فهل هناك فهم نهائي لتعاليم الإسلام؟ ألم يبيّن الله بنفسه بواسطة آلية النسخ أن تعاليمه حكيمة في تدرّجها وتماهيها مع مقتضيات الزمن لأنها في خدمة الناس، لا لخدمة الله الغني عن عباده؟ وهل للفقيه أن يدّعي معرفة حكمة الله ليكون أحكم وأعلم منه؟ هذا ليس من الإسلام !
القطعيات التي لا مجال لتغييرها
الغريب أنه هناك من غير أهل التزمت من لا يمانع في تحقيق المساواة بين الجنسين في الإرث، إلا أنه يقول بعدم رؤية أي فائدة للدعوة إليها لأنه لا حظوظ لها في النجاح، علاوة على المشاغل الأهم التي عددها كثير متنوع كما بيّنا.
في رأي هؤلاء، المشاكل الاقتصادية والسياسية والاجتماعية أولى من قضية الميراث ولها الحظوظ الأوفر لإفادة البلاد وشعبها من موضوع المساواة بين الجنسين؛ وهم في هذا يرددون دعوى المتزمتين كأنها حقيقة إلاهية، أي أنه من المسلمات عدم إمكانية مناقشة النص القرآني الثابت الدلالة، أي قول الله : «وللذكر مثل حظ الأنثيين».
إن مثل هذا التفكير الغريب، باسم واقعية مغلوطة، يساند لا محالة الفكر المتزمت، بل هو منه وله الرديف الذي يعتمد عليه التفسير الديني المتزمت للتقوّي في رفض تطوير قراءة النص الديني المحتوم. فأي فرق بينه والقول أن آية الميراث من الثابت الدلالة لا مجال للنقاش فيها أو حتى الكلام، ولو كان من باب الجدال المفيد والمناقشة المثرية؟ بل، أليس الكلام في المواضيع الأخرى المزعوم قدرتنا على تغييرها هو الذي لا يجدي، إذ هي أيضا حقا من المسلمات القطعيات، ولكنّها مدنية لا دينية؟
أليست تلك المشاكل مما ثبتت دلالته أنها رواسب لحالة سياسية منتهجة بالبلاد منذ أمد بعيد لا راد لها اليوم، نظرا لأن الوضع العالمي والضغط الرأسمالي يفرضها على بلدنا أحببنا أم كرهنا؟ أليس التفكير في ديننا والعمل على تغيير فهمنا المتحجر له هو الممكن اليوم في ما عُد جزافا من المسلمات والقطعيات التي تهمنا ولا أحد غيرنا، ولنا القدرة التامة على تغييرها، لا تلك المسلمات والقطعيات السياسية والاقتصادية والمالية التي لا قدرة حقا لنا على المساس بها لأنها تخص النظام العالمي وإن كان ظالما؟
لقد حان حقا الزمن لنقاش ما سُمّي غلطا بالمسلّمات الدينية الخاطئة والثوابت غير الصحيحة ورفعها من ديننا لما في ذلك من الدور الحاسم لتغيير الأمور بالبلاد خلافا للاعتقاد الساري بين أهل الحل والعقد من الساسة أنه لا يجب المساس بالمقدسات لتفادي إثارة أحاسيس الشعب.
ذلك أنه يكفي بيان حقييقة هذا الأمر، وبالخصوص أن المساواة ليست من المقدسات، ليقبل بها هذا الشعب الذي ليست طبيعتة المحافظة بتاتا؛ فهذه الصفة لا تميّز شعبنا، بل هي ميزة من لا يريد من النخب تغيير الأوضاع، أي كل من ينتفع بالنظام الجائر الحالي، سواء كان بالداخل أو الخارج.
ضرورة تغيير المتخيل واللاوعي لتغيير الأمور
لقد ثبت علميا أن المساس بأهم المسائل التي تختفي وراء هالة القدسية لتحجير العقليات والوضعيات وتغييرها يهوّن حتما المساس بغيرها من أمور السياسة والاقتصاد. فلا تغيير اليوم إلا بالمس بهذه الحجور أو التابوهات الدينية قبل غيرها لأن النجاح فيها يعني النجاح في ما أقلها أهمية لانعدام هالة القدسية له.
نعم، لعل هذا يبدو لأول وهلة من باب العبث، لكن ليس كل العبث إضاعة للوقت، إذ منه ما يمكّن من إنضاج ذهن الطفل عندما يكون اللهو الممنهج البيداغوجي الذي لم يعد أحد يشك في علميته ونجاعته حتى لكبار السن ! فلعل الحديث في مساواة الجنسين في الإرث لا يحدث في الحال الهزة المرجوة، إلا أنه يفتح ولا شك باب النقاش ويعيد ضرورة الاجتهاد للأذهان؛ فهل يثور البركان بين عشية وضحاها دون انفعالات باطنية تأخذ كل وقتها؟
المهم هنا هو القول والعمل على التدليل أنه لا مجال لعدم المساواة في الإسلام، بما في ذلك الإرث، لأنه دين العدل. فلا ثبوت لأي مقولة منهجية في الوعي البشري، خاصة مع التراكمات الخاطئة على مر الأزمن، إذا لم يرتكز على قبولها في اللاوعي.
هذا خاصة مع علمنا أن الاعتقاد اليوم عند العامة يكبر تدريجيا في أن وضع عدم المساواة الحالي ليس إلا من باب الحيلة لا من باب العدل الإسلامي. فقد توطدت القناعة عند العامة بضرورة التسوية بين البنين والبنات في الإرث وأنه لا مجال اليوم لتمييز الذكر على الأنثى. إلا أنه بقي الخوض رسميا في الموضوع، خاصة من طرف الفقهاء، والمرور للمدافعة عن هذا الطرح ونبذ ما أخطأ فيه الفقهاء.
فحتى المتزمترن أصبحوا في موقع تسلل في هذه القضية؛ ولعل قلة حيلتهم في الرد على المبدأ القطعي في المساواة تتجلى في تعلة بعضهم أن المرأة لا ترث ضرورة أقل من الرجل؛ مع العلم أن مثل هذه حالات قليلة وشاذة؛ والشاذ يحفظ ولا يُقاس عليه.
وبعد، ما دام الفقه هو التفقه، أي فهم الدين ومقاصده، وهو في زمن الشافعي يعتمد بالأساس على أصول العربية، فقد آن الأوان بالكلام في خطأ الفقهاء المتمثّل في تصريف وصية من الله إلى حكم قطعي، إذ الحرام والحلال يقتضيان الأمر الصريح لا الاكتفاء بالظن؛ فلا حكم بالظنة في الإسلام.
ثم هوذا الحديث يتجرأ لمنع الوصية للوارث، فيبطل بما هو أدني، أي السنة، ما هو أعلى، أي الفرقان؛ فكيف يكون كلام الله الأعلى؟ بالطبع، لأحاديث الرسول الدور الهام في تفسير القرآن، ولكنها لا تعطّل أحكامه ولا تنفي خاصة مقاصده، وقد أصبحت منذ عهد الشاطبي المرجع الأساسي عوض العربية وبديعها.
إذن، حتى يتم تغيير المتخيل الشعبي واللاوعي الجماعي في الاتجاه الصحيح، يتحتّم أخذ القرار اللازم الذي يفرضه العقل الراجح والمنطق السليم والفهم الصحيح للدين انطلاقا من اجتهاد يأخذ بمقاصد الشريعة الإسلامية السمحة. ويكون هذا بالطبع بتحقيق المساواة في الإرث كمقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية.
حتميّة الاجتهاد حسب مقاصد الشريعة
الكل يعلم أن الإسلام دين ودنيا، والاجتهاد فيه واجب في أمور الدنيا؛ والميراث منها. وقد اجتهد السلف في العديد من الشؤون الدنياوية ولم يلتزم بحرف النص بل اعتمد على مقاصد الشريعة.
فهل ينفي من يقول باستحالة العدل في الإرث لأن النص قطعي الدلالة، كما تجرأ وقالها المفتي بعد العديد من المتزمين، أن العديد غيرها من المسائل ومن الثوابت والقطعيات تم نقاشها وطرحها؟ لنكتفي هنا بواحدة من هذه الثوابت وهي «والسارق والسار فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا»! كيف لا نقطع اليوم أيدي السارق والسارقة والنص ثابت الدلالة؟ أليس الميراث مثل هذا النص من القطعيات، تلك التي قيل أنه لا مجال للإجتهاد فيها؟
إن من يرفض الاجتهاد اليوم، وهو لب لباب الدين، ليفعله باسمه الخاص ولمنفعته الذاتية، أو لمنفعة رب نعمته، لا باسم الدين ولمنفعة العباد. فالإسلام ثورة مستدامة ولا يمكن له أن يكون كذلك إلا بدوام الاجتهاد حسب مقاصد الشريعة، لا الحرف والنص. إننا إن نفينا الاجتهاد من الإسلام عجّلنا بغربته، لأن الإسلام اجتهاد أولا وقبل كل شيء ولا بد له من التطور في مجال المعاملات، حيث لا قطعيات في مسائل الدنيا، بل هي في العقيدة فحسب.
وموضوع الإرث ليس من العقيدة، بل هو من أمور البشر التي تركها الله ورسوله لعباده يرون فيها برأيهم حسب اجتهادهم؛ لذلك وجب الحديث في المساواة بين الرجل والمرأة، بل وإقرارها بدون تأخير. ذلك لأن الحال التي عليها ديننا من دعدشة تقتضي الإسراع برفع كل ما يشين الدين في سماحته وكونيته؛ فهو الدين الإناسي الذي جاء بثورة علمية عالمية. وهذا لا بد أن يكون اليوم في تحقيق المساواة بين الجنسين لأنها من أسس العيش المشترك وإلا لا نتعاطى الدين إلا للتجارة به، بل وللعبث.
فإن كان للعبث زمن يكون فيه الدور الخلاق الضروري للنشوء والارتقاء، كما هو الحال عند الأطفال، محال أي يبقى خلاّقا عند من لا يفكر للإفادة ولا يمتهن السياسة لخدمة الوطن، إذ هو عندها عبث من يفكر للهدم رافضا كل أمل في الاجتهاد الذي حث عليه الله، بل أمر به. ولا مناص اليوم من ذلك لما وصلت إليه الحال عندنا من انهزام كلي للعقل المفكر وفساد للدين بفعل أهله قبل أعدائه.
المساواة في الإرث من قطعيات مقاصد الشريعة
قلنا أن الإسلام دين العدل وأن تأويله لا يكون إلا حسب مقاصده؛ ولا شك أن من مقاصد الشريعة العدل بين المؤمنين، لا فرق في ذلك بين ذكر وأنثى إلا بالتقوى.
هذه هو المبدأ الشرعي الذي يجب الاعتماد عليه من هنا فصاعدا لاحترام الدين في روحه وفي نصه الذي جاء متدرجا؛ وهو يقتضي اليوم من المؤمن الحريص على دينه استيفاء ما أقره الله من احترام للمرأة إعلاء لقدرها.
فكيف يكون الإسلام دين العدل إذا لم يعدل في الإرث؟ وكيف الترديد بأنه أعلى ولا شك من قيمة المرأة أي إعلاء عندما نمتهنها أي امتهان باسمه؟ ثم كيف نؤمن أن تعاليمه سمحة لتدرجها الزمني حتى تتأقلم مع ظروف البشر في تطوّرها لما فيها من أزلية فلا نطبّق هذا المبدأ في الجانب المدني للدين؟ وأخيرا، كيف نأخذ بحث الدين على استعمال العقل بعدم القول والفعل أن تأويل القرآن لا يتم حسب الحرف بل روح النص ومقاصد الشريعة؟
كل هذا يحملنا حتما على التأكيد أن المساواة في توزيع الإرث هي مقصد من المقاصد الشرعية، ومقصد قطعي لا مراء فيه. أما الدعوى للتمسك بما كان أول خطوة نحو تحقيق هذا المقصد السنيّ، فلم يكن إلا ردة فعل من الفقهاء الذكور المتمسكين بأوساخ الدنيا باختلاقهم في الدين ما ليس فيه من القطعي.
لذا، عوض بعث المؤسسات الجديدة بتونس، التي لا فائدة منها تُذكر على أرض الواقع ما دام التساوي منعدما بها، من الأفضل والأحكم الاعتراف للمرأة بحقوقها متساوية في ذلك مع الرجل، بدءا بمجال الإرث. وإنه من الأنجع الحرص على أن تتناغم قوانينا مع مقاصد شريعتا ومع مقتضيات الدستور والتعهّدات الدولية المصادق عليها من طرف بلدنا الداعية للقضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة.
فلا مرية أن المسحة الطاغية إلى اليوم على فقهنا تتجاهل في ميدان الميراث مقاصد الشريعة في المساواة التامة بدون تمييز بين الذكر والأنثى في كل شيء. حان الوقت إذن للاعتراف بأن النص القرآني الحالي كان خطوة أولى وثورية بالنسبة لعصره جاءت بفتح عظيم للمرأة، بدون أدنى شك، أراده الله أن يتم على مراحل كما هي القاعدة في الوحي والتشريع الإسلاميين. لهذا الغرض، وفي نطاق دعوته لاستعمال العقل في أمور الدنيا، ترك للمؤمنين مسؤولية إتمام هذا التوجه بعد أن بيّن المبدأ، بكل وضوح، وهو العدل والإنصاف، والمسار إليه، أي تمام المساواة في الأنصبة.
إن من يعتقد من فقهاء الرسم أن النص الذي ورد في القرآن مما لا يجوز تجاوزه ليفحش في الغلط في حق الإسلام، لأنه لا يحترم بتاتا روح هذا النص ومقاصد الشريعة التي نوت العدل والإنصاف في حق المرأة معترفة بقيمتها ومساواتها الكاملة للرجل في مناسبات عدة وفي زمن ومجتمع ذكوري محض. فإن كان العدل في زمن مضى إعطاء المرأة نصف نصيب الرجل، ولم يكن لها أي قيمة، فمن باب أولى أن يكون اليوم نفس النصيب نظرا للقيمة التي أصبحت لها.
بالتالي، لنقلها صراحة ولنفعّلها قانونا: لم يعد اليوم احترام الإسلام والأخذ الصحيح بتعاليمه إلا في إقرار المساواة التامة في الإرث بين الجنسين؛ هذا من المتحتم المتأكد لما في الحالة الراهنة ببلاد الإسلام من تشويه فظيع لما جاء به دين الحنيفية المسلمة من عدل ومساواة بين كل الناس دون أي تمييز.
شارك رأيك