بقلم فرحات عثمان
إنه لمن تباشير غربة قريبة للإسلام في هذه الديار، بعد أن غوى بالشرق المتهافت، أن نسمح لأنفسنا بالنفاق كما نفعل اليوم !
فمن ناحية نتكلم عن سماحة الدين وما فيه من تعاليم إناسية، ومن ناحية أخرى، عندما يتعلق الأمر بالإتيان بالدليل القاطع على ذلك، نرفع القناع عن وجه كالح لإسلام لا يعدل بين الجنسين ولا يقبل بالآخر المختلف.
دعدشة إسلامنا السمح المتسامح
فبعد أن دعى البعض من أهل التزمت إلى قتل الأبرياء المثليين وصمت المفتي ولم يندد بجرمهم، كما تجاهلت السلط تلك الدعوة الإجراميه باسم الدين فلم تقل شيئا، لا هي عاقبت صاحب هذا القول الشنيع ولا هي نددت به، هي ذي تتغافل عن كلام المفتي الذي يعيد الكرة، مؤكدا أن الإسلام لا يطبّق مبدأ المساواة بين الجنسين في الميراث !
إننا بمثل هذا النفاق في الدين نشجع على دعدشة ديننا ونسعى لخرابه في هذه البلاد، خاصة في شهر رمضان الذي يحتّم علينا قول الحق حتى على أنفسنا.
فأي خير نجنيه لديننا بمثل هذا التزمت في فهم تعاليمه؟ أليس هذا من الإرهاب الذهني الذي يغذّي الإرهاب المادي؟ أليس هو من تلك الفتنة التي هي أشد من القتل ؟
هل نسعى للفتنة في بلدنا عوض العمل على إشعاع تعاليم الدين الإناسية الروحانية بتشجيع فهمٍ متسامحٍ يأخذ بمقاصد الشريعة لا بحرف النص تاركا روحه، وهي أعلى وأزكى ؟
ليس الإسلام في نصه فقط بل في مقاصده
إن موقف المفتي الرافض للمساواة في الإرث بين الجنسين، والذي لا تندد به السلط ولا الحزب الإسلامي المدعي المرجعية الديمقراطية، لمن شأنه غدا أن يحملنا على العمل بكل ما في القرآن من آيات قطعية. ومنها حتما تلك التي تأمر بقطع يد السارق، لأنها في قطعية منابات الميراث؛ فأي فرق في رفض التسوية اليوم لآية نعتبرها قطعية وفي الدعوة غدا لقطع يد السارق عملا بآية قطعية أيضا في الغرض ؟
لقد بيّنا عديد المرات أنه لا قطعية في كلام الله في الميراث إلا ما كان من اجتهادٍ للفقهاء، وهذا الاجتهاد لا يصلح اليوم. ذلك لأن القرآن لا يُفهم فقط بحرفه، بل أيضا وخاصة بمقاصده وروحه؛ ومقصد الشريعة القطعي هنا هو التسوية بين الجنسين لما أعلاه الإسلام من قيمة المرأة يريد المتزمتون الحط منها.
هل نبدّل مقصد الإسلام وهو دين العدل والإنصاف ؟ وهل هناك أي عدل في الميراث سوى احترام مبدأ التناصف والمساواة ؟ كفانا نفاقا في ديننا، وإلا لنقل أنه لا يحترم العدل ولا يقر بقيمة المرأة؛ عندها، لنطبّق كل الأيات التي هي في قطعية نص الميراث، بما فيها قطع اليد !
الإسلام اجتهاد متواصل حتى لا يصبح غريبا
الإسلام اجتهاد مستمر يقتضي التثوير لمعاني القرآن والفهم الفطين للسنة الصحيحة حسب مقاصد الشريعة؛ فلا فتوى فيه تهم، خاصة إذا كانت من نتاج الإسرائيليات التي غزت ديننا فطمست معالمه، فجعلته يأخذ بالعادات اليهودية المسيحية لا العربية السمحة. ذلك لأن النص القرآني ليس صنما، كما كان نص التوارة، لا يمكن تأويله، خاصة في أمور الدنيا؛ بل هو يقتضي التأويل المستمر لعلميته وكونيته.
لذا، فتوى مفتي الديار الجمهورية لا تشرّفه ولا تنصف دين الإسلام لأنها تنفى إمكانية المساواة في الإرث بتونس؛ وإنها لقاصمة الظهر ممن يقول بأخذه بالإسلام السمح المتسامح، العلمي التعاليم العالميها.
إن من يقول بالقطعية في عدم المساواة في الميراث يحرّم ما لم يحرمه الله حسب مقاصد شريعته؛ وهو في تزمته هذا لا يلتزم بالإسلام الصحيح الذي يتحتّم فيه الاجتهاد المتواصل في أحكام الدنيا؛ فهو بذلك لا يعود إلا للإسرائيليات التي كانت فيها قطعية النص قبل أن تنبذها لمّا طوّرت علومها الدينية.
وبعد، بما أنه في القرآن الكريم هذا النص القطعي في قطع اليد، هلا دعونا إلى تطبيقه في قوانينيا أخذا بحرف النص الديني؟ هذا ما يقتضيه منطق فتوى المفتي، علما وأنها لا تلزمه إلا هو لا بقية التونسيين، لأن الفتوى في الإسلام مجرد رأي، لا كما هي في اليهودية والمسيحية حيث فتاوى الأحبار قوانين.
هذا، والفتوى الإسلامية الصحيحة تأتي لتكريس الاجتهاد المتواصل الذي ليس له أن ينقطع فنجتر اجتهاد من سبق، وإلا أصبح الدين القيم غريبا كما بدأ؛ فذلك ما حذّر منه الرسول الأكرم. هل هذا ما نريده لديننا وقد شوهته بعد داعش وصويحباتها المجرمة؟
شارك رأيك