لم يعد السؤال اليوم هل تُبطل تونس تجريم المثلية، بل متى يكون ذلك؟ فهل يتزامن هذا مع الاحتفاء العالمي بيوم مناهضة كراهة المثلية في 17 ماي القادم؟
*بقلم فرحات عثمان
مما طالب به البرلمان الأوروبي في قراره بتاريخ 14 سبتمبر إبطال الفصل 230 من القانون الجنائي المجرّم للمثلية في نطاق إصلاح المنظومة القانونية بتونس حتى تستحق ما اصطلح على تسميته بمخطط مارشال لدعم انتقالها الديمقراطي. وليس ذلك من التدخل في الشؤون التونسية كما ذهب إليه البعض ممن ندد بهذا الطلب الوجيه بدعوى مخالفته لثوابت الهوية الإسلامية التونسية.
تجريم المثلية مخالف للإسلام :
ذلك أن تجريم المثلية هو المخالف للشريعة الإسلامية وعادات وتقاليد المجتمع التونسي التي لا ترى أي حرج في العلاقات بين طرفين من نفس الجنس؛ إذ الجنس بمجتمعنا ثنائي النزعة bisexsuel تماما كما هو في الطبيعة. فالتمييز بين الجنس المثلي وغيره في الممارسة الجنسية من استنباط الغرب الذي أدخله في عهد الاحتلال ببلادنا فخلق ما لم يكن موجودا في دين الإسلام، وهو ملة التسامح بامتياز. فهل تغنت حضارة أكثر من الحضارة العربية الإسلامية بالمذكر وبالجنس المثلي ؟
فلا تحريم ولا تجريم للواط في القرآن، إذ ليس فيه إلا القصص التي ذكّرت بما جاء في التوراة من حكم لم يأت فيه حكم إسلامي، ولا تحريم إلا بحكم صريح في الفقه الإسلامي. أما السنة الثابتة، فليس هناك أي حديث في صحيحي البخاري ومسلم؛ وليس ما يُذكر في غيرهما إلا من المنحول. فهل يُعقل ألا يتضمن أصح الصحاح أي حديث في ما اعتبره الفقهاء غلطا أفحش الفواحش؟
نحو إبطال الفصل 230 جنائي :
لقد اجتهد الفقه الإسلامي في موضوع اللواط فأخطأ بأن قاسه على الزنا، وذلك بتأثيرٍ من الإسرائيليات؛ وليس هذا بالغريب بما أن حملة العلم في الإسلام، كما بينه ابن خلدون، كانوا من الموالي، أي أن مخيالهم ولاوعيهم أُشبعا بتعاليم اليهودية.
إن المطالبة اليوم برفع تجريم المثلية لهو من باب دعم التوجه الديمقراطي للبلاد، لأن قبول الآخر المختلف من علامات النضج لدولة القانون. فالتفريق السائد بين الجنس المثلي وغيره من الجنس ظهر في الغرب في القرن السابع عشر حين كانت مجتمعاته ترزح تحت وطأة التقاليد اليهودية والمسيحية بينما كانت بلاد الإسلام متحررة، تماما كما نرى هذا اليوم في الغرب.
لهذا، يُعتقد أن النية في تونس تتجه للأخذ بعين الاعتبار بمطلب البرلمان الأروبي؛ ولا شك أن زيارة المقرر الخاص للأمم حول لحقوق الإنسان ومقاومة الإرهاب من 30 جانفي إلى 3 فيفري تتنزل في هذا التوجه.
مع العلم أن المجتمع المدني كان عرض منذ مدة مشروع قانون أعطاه اسم المناضل أحمد بن عمر الذي حاول مرتين الانتحار للتنديد بمعاناته كمثلي. ولعل هذا النص يكون الأفضل لإبطال الفصل 230 جنائي لأن من شأنه ترضية جميع الأطراف. لذا نذكّر بنصه في ما يلي.
مشروع قانون أحمد بن عمر لإبطال تجريم المثلية بتونس :
حيث أن كراهة المثلية مخالفة لحقوق الإنسان في حياة مجتمعية آمنة، وهي أساس الديمقراطية؛
وحيث أن التوجه الجنسي للبشر من حياتهم الخصوصية التي تضمن حريتها دولة القانون والإسلام؛
وحيث أن الفصل 230 من القانون الجنائي يخرق الإسلام وينتهك تسامحه، إذ لا كراهة فيه للمثلية لاحترامه لحرمة الحياة الخاصة للمؤمن وضمانه التام لها؛
فإن مجلس نواب الشعب يقرر ما يلي :
فصل وحيد
نظرا لأن الحياة الخصوصية محترمة ومضمونة دستوريا بالجمهورية التونسية، لذا، أُبطل الفصل 230 من القانون الجنائى.
*المواقف والأفكار التي تنشر في قسم “أفكار” لا تلزم إلا أصحابها ولا يعني نشرها من قبلنا تبنينا لها بأي صفة من الصفات .
شارك رأيك