بقلم: فرحات عثمان
في السابع عشر من ماي يحتفل العالم الديمقراطي باليوم بالعالمي لمناهضة كراهة المثلية. فهلا احتفلت به تونس بصفتها، كما تدّعيه، دولة القانون؛ إذ لا مانع لذلك إلا الفهم الخاطئ للدين وعدم احترام الدستور!
ثبت بصفة قطعية أن الفصل 230 جنائي المجرّم للمثلية يخالف الدستور، لا فقط في فصوله المدنية، بل وأيضا في تلك التي تحيل على تعاليم الإسلام، مشدّدة على ضرورة احترامها. لذا، لا مناص من إبطال الفصل 230 إذا أرادت السلط التونسية فعلا الأخذ بالديمقراطية واحترام حقوق الإنسان. فاحترام المختلف، الذي يمثله المثلي أفضل تمثيل، من أوكد الواجبات لما في ذلك من رفعٍ للموانع في اللاوعي والمخيال الجماعي.
هذه الموانع تدّعي التعلق بالإسلام وأخلاقه بينما هي حقيقةً دعيّة على المرجعية الإسلامية، لا علاقة لها بدين الحنيفية المسلمة. فلا تحريم ولا تجريم للواط في الإسلام كما تم بيانه في العديد من الطروحات؛ ولم يعد يشك في ذلك إلا من ساءت نيته من أهل التزمت والمتاجرة بدينٍ ظلمه أهله بظلمهم للأبرياء، بينما ميزة الإسلام الكبرى أنه دين العدل وكلمة السواء.
المثلية طبيعة في بعض البشر:
الثابت اليوم إن المثلية طبيعة في بعض البشر، جعلها الله فيهم دون مشورتهم؛ فلا خيار للمثلي في الفطرة التي خُلق عليها. هي ليست مرضا ولا فاحشة؛ إنما المرض والفاحشة فيمن يرفض أن يعيش المثلي حسب الطبيعة التي أرادها له الله؛ ولا راد لمشيئة الخالق!
لقد اعترفت المنظمة العالمية للصحة بذلك في التسعينات من القرن الماضي فرفعت من قائمة الأمراض النفسية ما كان يُعتبر جزافا مرضا، معترفة بذلك بما أقرّه الإسلام بداية، أي أن الجنس المثلي طبيعي ولو أنه لا يخص إلا بعض البشر.
لا حديث عن اللواط في القرآن:
هذا ما أثبته الإسلام، إذ لا تجريم فيه ولا تحريم للواط لانعدام الحكم في القرآن؛ ومعلوم في الفقه الإسلامي الصحيح أنه لا تحريم إلا بحكم ثابت واضح المعالم. أما ما يعمل به الإسلامويون اليوم، فليس إلا من استنباط الفقهاء الذين قاسوا على الزنى لخلق مثل هذه الفاحشة. وقد كانوا في ذلك متأثرين بالعادات اليهودية والمسيحية، حيث ورد في الكتاب المقدس تجريم ما سمّاه العلاقات غير الطبيعية.
بذلك كان الإسلام هنا سبّاقا للاعتراف بحقٍ من حقوق الإنسان والأخذ بما ثبت في الطبيعة، أي شيوع العلاقات الجنسية دون التفريق بين الذكر والأنثى؛ فالعلم يبيّن اليوم أن الجنس الطبيعي هو الثنائي bisexualité.
الأحاديث عن اللواط منحولة:
أما الأحاديث التي يلوكها من ساءت نيته، فكلها من المنحول، لأنه لم يثبت أي شيء في الغرض عن الرسول الأكرم. ولا شك أن أكبر الدليل على ذلك هو انعدام أي حديث عن اللواط في أصح الصحاح، أي البخاري ومسلم؛ فهل يُعقل ألا يخص الشيخان ما عُد أفحش الفواحش بحديث واحد؟
لقد علمنا مدى تفشّي الأحاديث المنحولة على رسول الله؛ وهذا كان مقبولا ما دامت الغاية تبرر الوسيلة؛ أما وقد أصبح فيها الظلم الفاحش للناس، فلا محيص من رفضها ونبذها حتى لا نسىء لا للدين القيم ولا للأبرياء من خلق الله!
تجريم المثلية من مخلفات الاحتلال:
من أوكد الواجبات اليوم على كل وطني نزيه بالبلاد التونسية العمل على إبطال الفصل 230 جنائي بما أنه من مخلفات الاحتلال البغيض. فلم يكن بتونس قبل المجلة الجزائية الحالية التي فرضتها قوات الحماية أي نصٍ يمنع العلاقات الحميمة بين جنس واحد؛ لقد كان بها الجنس ثنائيا كما هو في الطبيعة.
إن المجلة الجنائية بفصولها المنافية للإسلام، ومنها الفصل 230، من استنباط أخلاقية الاحتلال التي مرجعيتها العادات اليهودية والمسيحية. فهل نواصل العمل بالكتاب المقدس ونترك القرآن والسنة الصحيحة ولا ظلم فيهما الناس، بما فيهم المثليين؟ حان الوقت لإبطال تجريم المثلية بتونس انتصارا لكلمة السواء الإسلامية!
*المواقف والأفكار التي تنشر في قسم “أفكار” لا تلزم إلا أصحابها ولا يعني نشرها من قبلنا تبنينا لها بأي صفة من الصفات .
شارك رأيك