بقلم فرحات عثمان
ليس احترام رمضان في ادعاء التقوى بالحث على الصوم بكل الوسائل، ولو قهرا وباطلا. إن التقوى الصحيحة في عدم الرياء الذي ميّز النصف الأول من رمضان، إذ لم نصم فيه عن الفعل السيء، بل نافقنا في ديننا؛ وهذا من الكفر به لا محالة.
نحن على مشارف النصف الثاني من الشهر الكريم ولم نصمه كما أوجبه الرحمان، فكان نصفه الأول رياءً على شاكلة السنوات السابقة، فيه النفاق ونقص والإخلاص وسوء النية، بينما الصوم هو عن مفاسد الأخلاق والحرص على مكارمها؟
ماهية الرياء
الرياء من الرؤية، وهو أن يعمل العبد ليراه الناس، لا لمرضاة ربه. والرياء في الكسب البشري هو العمل الذي ليس القصد منه وجه الله، إنما علم الناس وأسماعهم. بذلك لا يكون العبد إلا مرائيا، يتظاهر بالتقوى، جاعلا منها مطية للنعريف بشخصه وفعله، يُظهر نفسه على خلاف ما هي عليه حقيقة.
وهذا مما ندد به القرآن بقوله تعالى في الآية 47 من الأنفال: «بطرا ورئاء الناس»، وفي الآية 6 من الماعون،: «الذين هو يُراؤون»؛ فكل ذلك يعني النفاق. والرياء مما نعته الرسول بالشرك الخفي أو الأصغر، إذ ليس فيه أي شيء من التقوى الصحيحة، بل الإحباط الثابت لعمل المرء وكسبه؛ أما الإسلام الصحيح فليس فيه المظاهر، مطية الرياء والنفاق.
إن الرياء يناقض الإخلاص ، وقد علمنا قيمة الإخلاص في ديننا، سواء في العقيدة أو في العمل. فلا إخلاص إذا لم يكن قصد الاعتقاد والعمل وجه الله وحده، لا عباده، رياء وسُمعة ونفاقا وذلك بإظهار غير ما في الباطن الذي لا بد من إخفائه حتى لا يراه إلا الله وحده؛ فهذه هي التقوى الصحيحة.
مظاهر الرياء
رمضان، بوصفه شهر العبادة، يقتضي ألا يشوبه معصية الرياء الكبيرة، إذ هو مبطل للصوم. فأي تقوى في قصد إراءة الناس الامتثال لأمر الله دون اعطاء المثل على ذلك بالامتثال لأمر الله في غض النظر وكف اليد والللسان عن بذاءة الفعل والقول؟
إن الصوم الذي يريد بعضهم فرضه على الناس ليس إلا من النفاق، لأنه لا يكون إلا عن قناعة وحرية وحسن نية؛ ذلك هو لب لباب الإسلام.
وقد علمنا فقها أن النفاق، وهو الرياء، هو الدخول في الإسلام من وجه والخروج عنه من آخر. فالمرائي المنافق في رمضان يستر كفره ويظهر إيمانه بالتبجح بالصوم والإجبار عليه؛ أما المفطر علنا، فهو لا ينافق ولا يرائي، وفي ذلك صحة النية. لهذا نقول أن المفطر المعلن إفطاره لهو أفضل من الصائم المرائي المنافق؛ فمتى كانت المداهنة والتحيل والخداع من الإسلام؟ هذا هو الكفر كله، الذي يدّعي من الإسلام ما ليس منه، فيضر به أكثر مما يضره أعداءه الألداء!
رمضان بلا رياء
الرياء، مثل النفاق، مبطل لا للعمل فقط بل للعبادة أصلا، لأن المؤمن الحق ليس الذي يحرص على الحسنة من الفعل لإرضاء الناس، بل الله، ما يقتضي عدم الإضرار بالغير، وإلا كان فعله السيئة التي تسوء المؤمن الحقيقي ولا تسرّه. ومن البديهي أن التصدّي لمن لا يصوم ويفطر علنا من الإساءة للناس والإفساد في الأرض؛ وهو لا يندرج في التقوى، إذ هو، في أفضل الحالات، من المراءاة في الإيمان والرياء في الكسب، ما لا يقبل الإسلام بهما، تماما مثل النفاق.
لقد علمنا إن النفاق، في ما يخص العقيدة، إظهار الإيمان باللسان وكتمان الكفر بالقلب؛ وهذا ظاهر حال المرائى في رمضان عندنا الذي يعمل مداهنة أعمال المؤمن مع السعى الحثيث للحصول، لا على الميزات الصحيحة التي للمؤمن، بل للسمعة ودعوى الدفاع والمنافحة عن الدين. فكيف يسمح لنفسه الحلول محل الله في التنقيب على ذات القلوب، وكيف يفسد في الأرض بدعوى الإصلاح؟
لنكف إذن في الأيام القادمة عن كل نوع من أنواع العمل المشين بالدين كإجبار الناس على الصوم والتشهير بمن لا يصوم علنا، فذلك من أمارات الكفر والمعصية والإفساد في الأرض؛ إمما بذلك نُفسد الأمن العام الذي قاعدته الإسلامية غض النظر ومسك اليد واللسان عن المفاسد. وهذا هو الصوم الصحيح.
شارك رأيك