بقلم فرحات عثمان
من شأن مشروع إحياء منظومة الوقف بتونس أن يتمحور حول بعث مؤسسة ترعاها وزارة الشؤون الدينية تموّلها أموال الحج مع أهلية منح صفة الحاج للمتبرّع بمصاريف حجه وعمرته لأجل مشاريع المؤسسة الخيرية بالبلاد.
إن اقتراح زعيم الحزب الإسلامي الأخير بخصوص إحياء مؤسسة الأوقاف في تونس، الملغاة مع الاستقلال، ليكون وجيها إذا لم يكتف بتصريف الحق لأجل الباطل؛ وذلك بالاكتفاء بإحياء منظومة الوقف لمجرد صبغتها الدينية. أي للتبجح باحترام الدين وإحيائه بالبلاد التونسية حتى ما تقادم وتهافت من عاداته وتقاليده في ما لا يخص العقيدة.
الاجتهاد في فريضة الحج :
في الحنيفية المسلمة، يتحتّم الاجتهاد في أمور الدنيا للتأقلم مع ضروريات الحياة التي لا تكف عن التبدّل، وإلا فسد الدين. ومن أمور الدنيا وجانب المعاملات مؤسسة الوقف التي لا مانع من أن يُعاد إحياؤها بتونس إذا كان في ذلك الخير العميم للبلاد، لا لأسباب عقائدية لا تأتي بالنفع إلا لمن يتاجر بالدين ويتمعش من تعاليمه.
في هذا السياق، لا شك أن الحج، كما هو معمول به اليوم، أصبح تجارة لا تقوى فيها إلا نادرا؛ ولا شك أن سخط الحجيج العائدين من مكة هذه الأيام على السلط الساهرة على موسم الحج أكبر الدليل أن الوقت حان لوضع حد لما آل إليه من المسخ ركن الإسلام الخامس. لذا، من واجب السلط الدينية أن تسهر على تنقية فريضة الحج من كل ما شابها من مغالطات كلها إضرار بالدين، لا تخدم إلا مصلحة من يتاجر بموسم الحج، بل والعمرة، فإذا الدين يوظف لمآرب دنيوية.
بديهي أن هذا يقتضي لفت انتباه الناس إلى حقيقة فريضة الحج؛ فهي ليست واجبة بصفة قطعية إلا عند الاستطاعة التي ما كانت يوما مادية، بل هي الاستطاعة المعنوية، أي انعدام موانع من شأنها أن تحمل المؤمن على واجب الإتيان بعمل فيه الخير للمجموعة ولبلده ولأهل بجدته عوض تسخير مصاريف الحج الطائلة في القيام بفرض يبتغي منه الأجر له وحده؛ ففي الحالة الأولى، الأجر أعلى قدرا، بما أن فيه الخير العميم للمجموعة.
الحج الصحيح في مشاريع الوقف:
إن مثل هذا التصرف لمن أسس الدين الإسلامي الذي أعلى من شأن واجب التكافل الاجتماعي وتغليب المصلحة العامة على الخاصة. لذا، لتذكّر السلط الناس بحقيقة الحج؛ وعند سعيها لإحياء منظومة الوقف، لتبعث مؤسسة هدفها جمع الأموال التي يقتصدها الحاج لخدمة مصلحة بلاده وشعبه عوض نظام الوهابية التي لا علاقة لها بالإسلام بما أنها ليست من أهل السنة والجماعة. فهل يدعو الشيخ راشد الغنوشي، في نطاق مقترحه إحياء نظام الوقف بتونس، لخلق مثل هذه المؤسسة، فتكون أولى تجليات المنظومة السعي لتحويل مجرى مصاريف الحج من تجارة إلى كسب كله تقوى، فيه الخير العميم للبلاد والعباد؟
للتذكير، إن منظومة الوقف المعروفة في الفقه الإسلامي المالكي، وهو فقه البلاد التونسية، تتمثل في جعل منفعة لمستحق لمدة. وقد قسم بعض الفقهاء الوقف إلى وقف أهلي ووقف خيري؛ الأول هو الوقف للأهل من الذرية والأقارب، والثاني الوقف للبر والمعروف، كأن يكون للمساجد والمستشفيات والمدارس والملاجيء والمكتبات أو للفقراء وطلبة العلم عامة. أما الحج، فهو القصد والزيارة، وهو زيارة بيت الله الحرام. ونحن نعلم أن الله في كل مكان توجه إليه المؤمن.
هذا، وقصد الخير لا يتوقف على شعائر معينة، مثل حضور جزء من عرفة ليلة النحر وطواف البيت والسعي بين الصفا والمروة، ما دام الله اشترط الاستطاعة وهي القدرة على الخير لأجل من يستحقه. ولا شك أن الاستطاعة للحج لا تتوفر طالما كان هناك من هو بحاجة لخير من له مال الحج؛ إذ واجب المسلم، حسب الفهم الصحيح لدينه، هو تغليب المصلحة العامة على المصلحة الخاصة. فحجه واجب نحو الله وحده بينما عدم الحج واستغلال مصاريفه للصالح العام هو أيضا واجبه نحو الله، ولكن أيضا وقبل ذلك نحو أهل الحاجة من أمته؛ ولا يخفى أيهما أهم على ذوي الألباب والإيمان الصحيح في الإسلام.
لذا، لا مانع أن يقع سحب صفة الحاج من طرف مؤسسج الوقف المعنية على كل من يقصد وجه الله بالتبرع بأمواله من أجل مشاريع خيرية فيها المنفعة والخير العميم للبلاد والعباد التي تُعنى بها مؤسسة الوقف للحج بالمشاريع الخيرية للتونسيين.
شارك رأيك