بقلم فرحات عثمان
حان الوقت لترشيد قوانيننا في الأخلاق الحميدة لأنها تضر اليوم بالدين وتظلم الناس، بينما الإسلام هو العدل وكلمة السواء.
الأخلاق الحميدة بتونس في حاجة للترشيد لأننا نخبط خبط عشواء فيها، فنحرّم ما لم يحرّمه الله ونمسخ دينه عملا بفقهٍ بار ولم يعد صالحا لهذا الزمن. ذلك لأن من استنبطه أفرغه من سماحة الإسلام أخذا بالعادات اليهودية النصرانية التي كان مُشبعا بها مخيال حملة العلم، ومعظمهم من الموالي غير العرب. بالتالي وجدنا في هذا الفقه الشيء الكثير من التزمّت الذي ميّز الكتاب المقدّس، وما جاء به الفرقان. تلك هي الإسرائيليات التي أفسدت دين الإسلام.
ضرورة ترشيد فهمنا للأخلاق الحميدة:
باسم القبيح أصبحنا نظلم الأبرياء، آخرهما هذا الشابان اللذان زج بهما في السجن من أجل قبلة بريئة تبادلاها في سيارتهما. فمتى منع الإسلام القبلة وقد كان الرسول الأكرم يداعب أم المؤمنين زوجته عائشة في رحاب المسجد بالمدينة كما يرويه الصحيحان؟ إن الإسلام دين الفطرة، ومن الفطرة تنمية المشاعر؛ ولا شك أن أهمها وأفضلها مشاعر الحب الذي بدونه لا حياة ولا سلام. أليس الإسلام السلام؟
إننا نمنع القبلة باسم الدين والأخلاق وهما من خورنا براء. فالمنع اجتهاد للفقهاء انتهت صلوحيته لأنه لم يعد ينفع الناس؛ فها هو يخدم اليوم إجرام داعش! لذلك وجب الاجتهاد مجددا، كما أمر به الله، وقد تعددت الدعوة منه لإعمال العقل.
ليسأل النزهاء من الفقهاء أنفسهم: هل هناك آية احدة تمنع الحب، والقبلة أفضله؟ كيف نمنع ما لم يحرّمه الله، وإنما هو من رأي البشر؟ هل نترك كلام الله لكلام بشرٍ صفته النقص؟ كيف تكون القبلة قيبحة وهي خير ما يهديه المؤمن لإخوته من بني آدم؟ هل نفضّل مشاعر الكراهية ورفض الآخر، مختلفا كان أو مؤتلفا، لعدم تشبهه بنا لا في مكارم الأخلاق، بل في مفاسدها؟ إذ رفض الحب ومظاهره لهو المفسدة للنفس المسلمة التي لا تسلّم أمرها إلا لله محبّة فيه وفي خلقه، تماما كحبّه لهم!
تجريم القبلة اليوم من مفاسد الأخلاق؛ إذ ليست هي بتاتا من القبح، وقد علمنا أن القبيح هو ما نُهي عنه شرعا، كما بيّنه الشيخ زكريا الأنصاري في الحدود الأنيقة والتعريفات الدقيقة. وقد ورد في لب الأصول أن القبيح هو ما يُذم عليه؛ هل نذمّ الشباب على الحب وتبادل القبل علنا، وليس أفضل من ذلك للتعبير عن مسالمتهم؟ إننا إذن لنشجع الإرهاب ! فلا وجود لإرهابي يجرؤ على التقبيل لأنه لا يعرف الحب، بل الموت! فلنختر ما نشجّع عليه شبابنا ببلادنا!
تجريم القبلة ظلم للناس وتشويه للإسلام:
خدمة الدين والعيش المشترك الآمن بتونس يتحتّم اليوم تغيير مفاهيمنا البالية في عدة مواضيع حساسة من المسكوت عنها، لأننا نفهما غلطا، إذ هي من باب تنمية المشاعر الأخلاقية فينا، كالقبلة والحرية الجنسية للبالغين وغض النظر عما نعتبره جزافا من القبح وخدش الحياء. بل هي كل الأخلاق الصحيحة التي تقتضي نزاهة التصرف بكل حرية، وعدم رفض حق الآخر في الاختلاف.
وتلك هي الديمقراطية، أساس دولة القانون الذي لا محيد عنه؛ وهي أيضا جوهر الإسلام الذي جاء متمّما لمكارم الأخلاق التي لا تكون إلا بقبول مشاعر الحب وتشجيعها بكل صفاتها، حتى العلنية منها. ذلك أن الإسلام دين الحرية والحقوق بدون قيد أو شرط، إذ لا تسليم فيه إلا لله الذي هو حب ورحمة لا كراهة ونقمة، رغم أنف المتزمتّين.
إننا بمنعنا للقبلة في المجال العام لنظلم الدين قبل الناس؛ لذلك يتوجّب عاجلا تنقية قوانيننا مما شابها من عادات يهودية ونصرانية نبذها أهلها منذ فرضت الديمقراطية نفسها عندهم، بينما كان الإسلام سبّاقا للقبول بها دون زيف أو تزمّت. لذا، باسم الأخلاق والدين والدستور، نهيب بسلطات البلاد الشروع دون تأخير في إبطال كل ما يضرّ بالناس وبالدين الصحيح في منظومتنا القانونية المتهافتة لترشيد الأخلاق الحميدة بتونس.
وها هو مشروع قانون في البعض من ذلك نعرضه لعلّ للحكومة أو لعشرة نواب الجرأة على تقديمه لإبطال الشيء من النصوص الفاسدة في منظومتنا القانونية المخزية، إذ هي تعود لا لزمن الديكتاتوية المقيت فحسب، بل لعهد الاحتلال أيضا.
مشروع قانون في ترشيد حماية الأخلاق الحميدة بتونس
حيث أن التصرّفات الحميدة هي في التمسّك بمكارم الأخلاق التي تقتضي عدم الإخلال بحقوق الإنسان في حياة مجتمعية آمنة هي أساس الديمقراطية؛
وحيث أن المسّ بالأخلاق الحميدة لا يمكن بحال أن يعني أي انتهاكٍ لحقوق وحريات المواطنين في حياتهم الخاصة، المضمونة دستوريا؛
وحيث أن التصرّف الشخصي، ولو كان علنا، ليس فيه أي إخلال بالأخلاق العامة ولا اعتداء على الحياء ما دامت النية في ذلك منعدمة بقصد لا شك فيه؛
وحيث أن من الإسلام، وهو دين البلاد، يحثّ على غضّ النظر عن كل ما يمكن أن يكون فيه بعض الخروج عن المعتاد الذي تقتضيه حرية المواطن في بلاد القانون، وقد قدّسها هذا الدين السمح لصفته المزدوجة كدين ودنيا في نفس الآن؛
وحيث أن مشارب الناس وتوجهاتهم العاطفية والجنسية لا تهم إلا حياتهم الخصوصية التي تضمن حريتها التامة دولة القانون التونسية ويقرّها دينها، كما أن تجلّيها الآمن، أيا كانت صفته، ليس فيه أي اعتداء على الأخلاق الحميدة؛
وحيث أن الفصول 226 و 226 مكرر و230 من القانون الجنائي تخرق الدستور التونسي وتخالف سماحة وتسامح الإسلام في ضمانه لحرية المؤمن وتمام احترامه لحرمة حياته الخاصة، سواء في المجال الخاص أو العام، التي تقتضي القبول بالآخر مع اختلافه في كل تصرفاته الآمنة المحترمة للغير في ذاته وحريته؛
فإن مجلس نواب الشعب يقرر ما يلي:
فصل وحيد
نظرا لأن حرية الحياة الخصوصية والحق في حياة آمنة في المجالين الخاص والعام محترمة ومضمونة دستوريا بالجمهورية التونسية، لذا، أُبطلت الفصول 226 و 226 مكرر و230 من القانون الجنائى.
شارك رأيك