بقلم فرحات عثمان
انهزمت في بداية مقابلات مونديال البطولة العاليمة لكرة القدم بروسيا كل الفرق العربية المسلمة أمام منافسيها. كانت تلك الحال خاصّة، في اليوم الافتتاحي وبصفة مشهديّة، بالنسبة للعربية السعودية؛ ثم أتى دور المغرب، وتلته مصر رغم الصمود الذي أعجب بعضهم. فهل هذا يكفي للنجاح في تخطيّ الدور الأول؟ وما سيكون حال منتخبنا الوطني الذي حرص أكثر، في التحضير للبطولة، على احترام الدين منه على التمسّك بقواعد الاستعداد الموفّق لعرس الرياضة هذا؟
للأسف، الإجابة المتوقّعة بالنفي، خاصة وأنه، لأجل ذلك الاختيار الأخور كما عاينّاه مع المنتخب التونسي، لا يعوّل بالأساس على اللياقة البدنية والتخطيط الرياضي المحكم للنجاح. فالأرجح أن الممرن والإطار التقني يؤمنون بالمعجزات عوض القواعد العلمية في الرياضة. هذا للأسف لا يكفي؛ وإلا لا يجب عندها الاكتفاء بمشاركةٍ مشرفةٍ في الدور الأول؛ بل لا بد من أن تخامرنا رغبة الوصول للنهائي وحتى الفوز باالبطولة بما أن الله معنا! أليس الله القادر على كل شيء؟
فما دام أهل الرياضة يخلطونها بالدين، هلا ابتهلوا إذن إلى الله لتحقيق مثل هذه المعجزة فيحقّقها لهم على قدر ما يبدونه من عزيمةٍ في التقيّد بما لم يقل به العليّ القدير من صومٍ عند وجوب الإفطار؟ إننا بتزمّتنا قي فهم الدين، لم نقم فقط بمسخه، بل وأيضا بالإعداد لهزيمة متوقّعة؛ إذ المنطق الرياضي لا يرحم أبدا، تماما كالمنطق الديني للمتزمّتين.
لا علاقة للدين بالرياضة :
لقد اختار الإطار السياسي للمنتخب الوطني – إذ لم يكن فنيا بالمرّة وإلا لما قام بهذا الاختيار – أن يقع فرض الصوم بصفة مباشرة أو غير مباشرة على اللاعبين، فكان أن رفض مشاركة من لم يحترم هذه القاعدة. هذا انعدام للمسؤولية لا بعده لا مسؤولية؛ بل هو القبول بالهزيمة والتوقيع عليها مسبقا! فحتّى من الزاوية الإسلامية البحتة، ضرورة إخراج الدين من الرياضة حتمية، يقول بها لا العقل والمنطق فقط، بل الإيمان في فهمٍ صحيح له. هذ الذي فقدناه مع التجارة التي أصبحت عندنا في تعاليم الدين، إذ نحن نتعاطى السياسية بفهمنا الفاسد لأحكامه، فإذا هي غير أخلاقية بالمرّة.
فإلى متى هذه اللخبطة القيمية التي ستأتي على الأخضر واليابس وتجعل الإسلام داعشيا ببلادنا؟ إلى متى نواصل الخلط، الذي لم يقل به الله، بين ما هو من الحياة الخصوصية، أي الدين وشعائره التي تقتضي عدم الإشهار لأدائها، بله توظيفها إعلاميا، وبين ما لا دخل للدين فيه، أي كل ما يخص الحياة المدنية ؟ واليوم بين تعاطي الرياضة والصوم؟
إن الإسلام دين ودنيا، هو معاملات وشعائر؛ لذا، يخصّص الشعائر للمجال الفردي، لا دخل لأحد فيه، بينما يمنعها من المجال العام حيث الحقوق والحريات للجميع مضمونة لصفة الإسلام الذي هو دين الجميع، هذا الإيمان الكوني والعلمي التعاليم. كفانا تشويهًا للدين وإفسادًا للإسلام ! فبإدخال الدين للرياضة نهدر مردود لاعبينا بفرض ما لا مكان له في الملاعب، لأنه من واجب الرياضي الالتزام بما يفرضه عليه دينه في حال امتهانه للرياضة، وهو ترك الشعائر جانبا. فهذا من المتحتم عند القيام بأي واجب مدني، للصفة الثنائية للإسلام، الشيء الذي يميّزه عن المسيحية واليهودية.
الإسلام الحق يقتضي القيام على أفضل وجه بما يتعاطاه المسلم؛ وبالنسبة للرياضي، هذا يعني تعاطي الرياضة حسب قواعدها وترك الشعائر جانبا إلى حد الفراغ من الواجب المدني. فللرياضي، بعد البطولة العالمية وفي العطلة، ما يتّسع من الوقت للقيام بشعائر الدين وأدائها أو التكفير عن عدم أدائها؛ هذه هو الإسلام السمح المتسامح. لقد حث الله على ذلك وأثاب عنه؛ بل إنه أثاب التصرّفات قبل الشعائر، إذ التقوى ليست فقط الحركات الآلية، بل هي أولا وقبل كل شيء معاملاتنا بعضنا مع بعض. فالله يفضّل العبد الذي لا يصلّى ولا يصوم بجوارحه وإنما بأفعاله بأن يمسك يده ولسانه عن الخبيث من الفعل والقول على التقي تظاهرا لمغالطة الناس ومراءاة ونفاقا بينما لا يسلم الناس لا من يده ولا من لسانه. وهذه التقوى المخادعة كثرت عندنا غلم تعد يخفى، إلا على الغفّل، فالله يراه ولا يرضاه!
هزيمة إقحام الدين في الرياضة :
من المرجّح إذن أن يُمنى منتخبنا بهزيمة لعلّها تكون عريضة منذ مشاركته الافتتاحية؛ ولعل هذا تتبعه هزائم أخرى لا نتمنّاها طبعا خلافا للبعض من غير الوطنيين؛ أو في أفضل الحال، يكون له المردود الهزيل الذي يفرضه على أبناء المنتخب عدم احترامهم في التحضير لما يقتضيه البدن من استعدادٍٍ جيّدٍ علميّ التعاليم لا دينيّها.
بذلك تكون هزائم المونديال للفرق الإسلامية، المتوقّعة للأسف، أو المشاركة المستهجنة، الخسارة لا للرياضة العربية وفي بلاد الإسلام وتونس بالأخص، حيث نرى ما تعانيه من أمراض خطيرة كل أسبوع على الملاعب، بل أساسا هزيمة الدين الإسلامي. ذلك لأننا أردنا ونريد إقحامه بالقوة في ميدانٍ ليس له أن يتواجد فيه؛ لذا فسد وأفسدناه. وها هو أصبح داعشيا كما نراه ولا نتصدّى له، ويريد الانتصاب بهذه الهيئة ببلادنا!
لنقل الأشياء بكل صدق، كلام السواء الذي يفرضه الإسلام الصحيح ولو على النفس: ألن تكون أذهان اللاعبين التونسيين، كما كان الأمر بالنسبة للاعبي العربية السعودية يوم الافتتاح، لا بروسيا وعلى الميدان، بل بمكّة، أو متّجها، حقيقة أو تظاهرا، نحو القبلة؛ فإذا الركوع والسجود محط أنظارهم حتى وإن لم يعد لله العلي العظيم بل للفريق المنافس، فإذ هو ربّ المباراة؟
هذا من الكلام القاسي الذي يفرض نفسه لما ساد ويسود التحضير للمشاركة في مونديال روسيا، وأيضا مع نعرفه في جامعة كرة القدر وواقع الرياضة بتونس. فلعلّه لقساوته يحفّز أبناء المتنخب لتكذيبه، فيأتوننا بالإيمان الذي حرصوا على خدمته أكثر من اللياقة البدنية الضرورية التي تنعدمهم. فنحن نقول لهم بكلّ حماسة: كذّبونا، وهاتوا بحقّ العجب بما أنكم الأتقياء الأوفياء! فالله معكم بما أنّكم صمتم، فلا يُنتطر منكم إلا الأفضل. لقد سبقكم بعد إلى شرف الأدوار النهائية فريق من القارة السوداء، وليس لكم إلا الاتيان على الأقل بفعله وأنتم الأتقياء!
نحن بحقّ نتمنّى الخطأ وانتصارا لفريقنا مساء الإثنين وفي الأيام الموالية، أو على الأقل مردودا مشرّفا؛ فنسعد بحقّ بتكذيبٍ لنا منه؛ رغم ذلك هذا لا يمنعنا من القول وإعادة القول: كفانا دجلا وتدجيلا؛ لقد بلغ السيل الزبى ولا بد من وقفة حازمة! لا بد من قرارٍ نزيهٍ في أعلى مستوى يخرج الدين من كل مظاهر الحياة المدنية حتى نكفّ عن أفساد وإهدار مصالح بلادنا بحمل شبابنا على تزمّتٍ أصبح ينخر عقول العديد منهم لفهمٍ خاطيءٍ لدينهم. فهل بقي في هذه البلاد مسلم نزيه ينقذ دينه من مثل هذه الخطر المحدق به وقد جعله بعد ظلاميا داعشيا؟
شارك رأيك