في لقاء احتضنه فضاء كارمان السبت 1 ديسمبر 2018 وبحضور لافت لعديد الشخصيات القومية والليبية وبعض المثقفين، اكتظت القاعة بحضور جاء ليحتفل مع الصافي سعيد بصدور كتابه الجديد “القذافي سيرة غير مدنسة (1942-2011)” الصادر عن “سوتيميديا” في 500 صفحة.
بقلم شكري الباصومي
الكتاب تضمن 7 فصول : من ليبيا تحت الفاشيست إلى سنوات الإخصاب و المجد والصدام و الحصار و الإعتراف وسنوات الخداع او الإنتقام بمفعول رجعي، إضافة إلى ملحق هو عبارة عن خطاب مفتوح إلى القذافي، وملحق آخر لصورتخلد مسيرة “أبو منيار”.
اللقاء أداره باقتدار الأستاذ سفيان العرفاوي الذي وضع الكتاب في إطاره وقدم إضافات وإضاءات مهمة.
إفتتح الصافي سعيد الكتاب بإهداء خاص : “إن كل رجل عظيم ينتهي بين دفتي كتاب رجل آخر… وهذا الكتاب هو قبر القذافي الذي لم يعرف له قبر”.
زعيم إشكالي
الكتاب ” سيرة غير مدنسة ” ، لأنه لم تشوه سيرة مثلما شوهت صورة القذافي الذي شيطنه الغرب. وفي المقابل، لم يكن كتاب الصافي تبييضا ل” القائد” بقدرما ما كان رغبة في الإستقصاء وكشف ما تم التستر عليه.
وحول ولادة الكتاب قال الصافي سعيد : “يعيش بداخلي منذ سنوات، القذافي شخصية إشكالية خيمت على منطقة فسيحة من العالم طيلة عقود السبعينات والثمانينات والتسعينات. هو زعيم إشكالي، وشخصية غنية يمكن للكاتب أن يجد مجالا للكتابة عنها، فهو زعيم استثنائي و كان مثار جدل بين العديد من الكتاب والباحثين”.
“كتبت هذا الكتاب بضميري ومعرفتي التي قد تكون معرفتي ناقصة. لم أعش في ليبيا كما إدعى احد أقارب رونيه الطرابلسي الذي هددني بأني لن أضمن سلامتي لأني عارضت أن يكون لأي سياسي جنسية مزدوجة “.
ويعود الصافي سعيد للحديث عن القذافي الذي عزله ساركوزي وقطر مؤكدا أنه لم تحدث ثورة في ليبيا، ما حصل هو تدمير دولة. القذافي عاش حياته بالطول والعرض ولم يترك شيئا لم يتدخل فيه من النووي إلى لوكربي إلى تشاد والمعركة مع السادات، إلى الدينار الأخضر، إلى الممرضات البلغاريات اللواتي كان ملفهن في غرفة عمليات في بلغاريا، تحت إشراف قطري…
كان القذافي حسب الصافي سعيد رجل فكر و مشاريع. وخلال مسيرته الطويلة التي عرفت تقلبات مختلفة في علاقة بالغرب ودول المنطقة وقادتها من السادات إلى بورقيبة إلى النميري …، نجح في الكثير وفشل كل شيء.
القذافي إنسان مولع بالمستقبليات من خلال تنبؤه ببعض الأحداث من بينها طريقه موته أو موت الزعيم صدام حسين. : ” القذافي رجل ثورة، ويؤمن بالثورات ومعجب بالثوريين في العالم ويريد أن يموت مثلهم”.
على خطى روبسبيير ؟
وحول طريقة كتابته قال الصافي سعيد : ” لقد حاولت مثلما فعلت مع كتاب بورقيبة سيرة شبه محرمة أن أركب وأستنتج وأركب وأعيد التركيب، مزيج من البيلوغرافيا والسرد والتحليل. القذافي إشكالي تهمه الفكرة والأفكار وهو لم يترك مفكرا واحد لم يقابله بل إنه مات كما توقع ،مات مثل روبسبيير (الذي أعدمه ثوّار فرنسا الذين تسللوا إلى “دار البلدية” مع قوة عسكرية، بينما كان “روبسبير” يخطب بالناس يبرر جرائمه ويدعو إلى انتقام أكبر من “أعداء الثورة”، وأصابوه برصاصة في فكّه، ثمّ اقتادوه إلى المقصلة مع أنصاره، وأعدموه بذات الطريقة التي أعدم فيها روبسبير سابقاً ستة آلاف ثائر).
قابل القذافي بومبيدو ، وبعد أن القى خطابه بالبرلمان الفرنسي اتجه إلى قبر نابليون. القذافي أسلوب ورجل. والرجل أسلوب أو لا يكون على حد قول أندري مالرو.
ويعود الصافي سعيد للحديث عن كتابه مشيرا إلى “كتاب الحمى 42″ الذي خصص فيه بورتريه للقذافي : ” الكتاب منع لأن البعض رأى فيه صورة مشوهة للقائد. وحين التقيت بالقذافي سنة 1995، تناقشنا حول البورتريه ورأيت الإعجاب في عينيه، ناقشني أيضا في كتاب ” ورقيبة سيرة شبه محرمة” وتمنى أن يجد من يكتب عنه سيرة غير محرفة مثل كتاب بورقيبة”.
وفي سنة 2008 فكر القذافي في إنتاج فيلم تاريخي وثائقي عنه وعن الثورة الليبية خلال أربعين عاما بميزانية ضخمة، وتسلم المهمة إبنه خميس الذي كانت أمامه عشرات المقترحات، وكان يتناقش مع القذافي الذي قال له : “إنس كل هذا، اتصل بالصافي سعيد واجلس معه” .
“كانت لي جلسة مع خميس سألته عن المخرج واشترطت توفر 3 أشياء أن يكون النص موضوعيا وحياديا وموجها للرأي العام الدولي، وأن تتاح لي فرصة الإطلاع على بعض الوثائق التي تتعلق بمناطق الظل في ثورة الفاتح ، وأن اتحدث إلى القذافي شخصيا حتى أستجلي بعض المسائل الغامضة”.
إطلع القذافي على حلقتين مما كتبه الصافي سعيد ولم يشطب كلمة واحدة لكنه أضاف بعض الملاحظات البسيطة. “وفي الأثناء تدخلت جهات أخرى وتعطل المشروع. من هنا جاءت فكرة هذا الكتاب رأيت أن أكمل النص الناقص الذي لم يكن يتجاوز السبعين صفحة ” .
أنا غسلته وكفنته
الصافي سعيد عرج على أفكار القذافي الوحدوية وقال إنه مسكون بهاجس القوة، وكان يتساءل لماذا شعب عربي توحده أم كلثوم وعبد الباسط عبد الصمد ويضم 350 مليون مواطن يعيش التفرقة والتشتيت؟ ويعود الصافي سعيد بالذاكرة إلى تلك القمة العربية التي تنبأ فيها القذافي بما يحدث اليوم ، قال للحكام العرب سيأتي عليكم الدور . يومها أبرزت الكاميرا بشار الأسد وحسني مبارك وعلي عبد الله صالح يبتسمون إبتسامات السخرية والإستهانة .
الصافي سعيد تحدث عن ليبيا التي تم تشويهها، ليبيا التي تبيع الأقمار الصناعية، ليبيا التي أممت النفط، ليبيا النهر الصناعي العظيم، ليبيا التي تضم 350 ألف طالب، ليبيا التي نسبة الأمية فيها هي الأدنى عربيا . وخلال اللقاء تحدث الشيخ خالد وهو ليبي فنفى كل ما تم ترويجه عن موت القذافي من ذلك تشويه جثته مؤكدا سلامة الجثة وهو الذي غسله وكفنه.
شارك رأيك