ما يمنع اليوم في تونس الاعتراف بالحق في المثلية، هذه الفطرة البشرية التي وضعها الله حسب مشيئته وحده في بعض الناس، هو أن أهل التزمت يستغلون الإحالة في الدستور للإسلام لرفض إبطال تجريم المثلية، فهي بمثابة مسمار جحا في الغرض.
بقلم فرحات عثمان *
كلّنا يعلم قصة مسمار جحا الشعبية التي مدارها أن جحا باع بيته إلى جاره الغني بثمن بخس، إلا أنه اشترط عليه أن يُبقي مسمارا بالبيت ملكاً له، مع الحقّ في القدوم أنى شاء إلى البيت للإطمئنان عليه. ونظرا لاعتقاد الجار أن الأمر هيّن، خاصة لوضاعة الشرط وقيمة البيت وما فيه وقد أصبح ملكه بثمن زهيد جدا، فقد قبل الشرط. بذلك لم يتنبّه إلى حيلة جحا الذي سيأتي كل يوم ليطمئن على مسماره العزيز؛ بل إنه يتعمد القدوم في أوقات الأكل والمنام وغيرها، ممّا فيه الإزعاج لصاحب البيت؛ حتى أن هذا الأخير لم يعد يحتمل الوضع المزري، فترك البيت لجحا بما فيه.
مسمار جحا الدستوري في الإحالة إلى الدين:
لئن أصبحت هذه الحكاية الشعبية مضرباً للمثل في استخدام الحجج الواهية للوصول إلى الهدف المطلوب، فهي أيضا تبيّن كيف أن مثل هذه الحجج لها أن تنتصر في قضايا هامة، مانعة الأخذ فيها بالحجج الجدية الهامة. وهذه هي الحال في قضية إبطال تجريم المثلية بتونس وبغيرها من بلاد الإسلام إذ الأمر نفسه بدساتيرها في الإحالة إلى الإسلام.
فرغم أن الجنس المثلي طبيعي، ولو كان شاذا في البشر، إذ هو شائع في الطبيعة؛ ورغم أن الإسلام لا يحرّمه، وقد ثبت ذلك بالدليل القاطع كما نذكّر به فيما يلي؛ ورغم أن الجنس العربي ثنائي، شأنه في ذلك ما نجد بالطبيعة حيث هو فيها الأغلب، فإن أهل التزمت يستغلون الإحالة إلى الدين كمسمار جحا. وإنّهم، بمسمار جحا هذا، ينجحون في الإعتراض على إبطال الفصل 230 من المجلة الجزائية، مناط تجريم المثلية، رغم أنهم يكذبون على الإسلام في ذلك، بما أنّه ما حرّم ولا جرّم هذا الجنس الفطري في بعض خلق الله.
أما ما يجعل أهل التزمّت يتمادون في غيّهم وظلم دين الإسلام المتسامح، فذلك لأنه لا أحد يُجابههم بكذبهم على الدين وإفسادهم لفهمه الصحيح، خاصة من أهل الدفاع عن الحق في المثلية من جمعيات المجتمع المدني له. فهي عديمة الجرأة في الاعتراض على هذا الكذب السافر وفي التصدي له بالدليل والبرهان رغم توفّرهما. والسبب في ذلك أن هذه الجمعيات تناضل أساسا لأجل اللائكية لا لأجل إبطال تجريم المثلية بتونس.
الإنتصار للائكية لا لإبطال تجريم المثلية:
من المؤسف حقّا أن الجمعيات المناضلة من أجل إبطال تجريم المثلية ترفض استعمال سلاح الدين، رغم أنه الأوحد الفعّال، في نضالها من أجل حقها المشروع؛ فهي تعتقد خطأ أنه لا مجال للكلام في الدين وأن الآلية الوحيدة للانتصار في قضيتها هي في تجاهله. بذلك، هي تتجاهل في الحقيقة السسب الأصلي الذي يمنع نجاح مساعيها، أي مسمار جحا الذي بيّنّا.
إن الجمعيات المثلية تناضل من أجل اللائكية، أي الفصل بين الدين والسياسة، رغم أنها لا تتحدث فيها علانية نظرا لرفضها الشائع بالبلاد. فهذه الجمعيات لا تأخذ إلا بالاستراتيجية الغربية التي تقترحها عليها مثيلاتها الغربية التي تساندها وتموّلها؛ بل إن هذه الأخيرة لتمليها عليها أحيانا في نطاق لائكيتها المعلومة. ومعلوم أن هذه اللائكية، لئن كانت مفيدة في الغرب في ميدان الحقوق والحريات، خاصة في المطالبة بالحق في الجنس، سواء مثليا كان أم لا، فهي تضر به في بلاد الإسلام، إذ لم يمنع القرآن المثلية وليس فيه إثم الشهوة أو خطيئة الغريزة الجنسية péché de la chair كما هي الحال في الكتاب المقدس اليهو-مسيحي. ثم إن الفصل بين الدين والسياسة متوفر في الإسلام الذي هو ثنائي الصفة، فهو دين للمجال الخاص الحميمي، لا دخل لأحد فيه، وهو أيضا دنيا للشأن العام، لا دخل للدين فيه؛ وليست هذه إلا لائكية إسلامية يمكن اعتمادها عوض اللائكية الغربية المنبوذة شعبيا.
هذا، وإن الإسلام في فهمه الصحيح، أي في نص القرآن ومقاصده، كما نرى ذلك في جنّته بغلمانها وولدانها والحور العين بها، يعترف بحق ابن آدم في المتعة والشهوة، إذ المهم في الإسلام الصحيح، كما فهمه المتصوّفة، عدم الانقياد لهما وتمالك النفس في تعاطيهما؛ وهذا هو الاعتدال في الغريزة والشهوات الذي ينادي به الإيمان الصحيح لتزكية النفس، إذ يبقى دين الحقوق والحريات. فكما نعلم، كان زواج المتعة معروفا فيه، وكان أيضا حتى في موسم الحج في زمن الرسول وبعده قبل أن يحرّمه فقهاء أخذوا بالإسرائيليات فشوهوا بها دينهم وهم يعتقدون تزكيته.
لا تجريم ولا تحريم للمثلية في الإسلام:
من يعتقد أن الإسلام حرّم المثلية أو اللواط ليظلم الدين علاوة على الناس، فإذا هو ينقلب من دين العدل والانصاف إلى ملة الظلم والقهر. فالقائل بكراهة الإسلام للمثلية ليتقوّل الخطأ، معتمدا في ذلك على الآيات الخاصة بقوم لوط، بينما هي مجرد قصص، لا يُعتدّ بها في تأصيل الحرام والحلال في الفقه الإسلامي. ففي القرآن، لا شيء غير القصص؛ كما أن السنة الصحيحة، أي البخاي ومسلم، لا يوجد فيها أي حديث في الغرض؛ فهل يُعقل هذا فيما اعتُبر أفحش الفواحش؟
وليس بالغريب ألا يمنع الإسلام المثلية بما أنا الجنس العربي ثنائي أو تمامي holiste، لا يفرّق بين الذكر والأنثى؛ وتلك حاله في الإسلام، وفي زمن الرسول. لهذا، فالتجريم الحالي للواط في الإسلام هو من الاشتهادات التي بارت في الفقه الإسلامي، استنبطه فقهاء قياسا على الزنا لتأثّرهم بالكتاب المقدّس.
مع العلم أن اللواط ما كان في كل قوم لوط، بل في بعضهم، وإلا لما كانوا قوما؛ ثم إنهم ما عُوقبوا لأجل اللواط في بعضهم، بل لأنهم كانوا كلهم قطاع طريق، فعابقهم الله أفحش عقاب على أفحش فعل. هذا، ولئن لم يذكر الله الحرابة أي قطع الطريق واكتفى بااللواط، فمن باب البلاغة العربية التي من شأنها تعميم الخاص لزيادة النكاية والهجاء. وقد علمنا أن اللواط كان سبّة في ذلك الوقت، بل أفحش الفواحش، خاصة عند أهل الكتاب، وقد كان العديد من أهل الإسلام منهم أو متأثرا بعاداتهم وتقاليدهم.
* ديبلوماسي وكاتب.
مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس :
شارك رأيك