أخلاقيا وسياسيا، من العار في رمضان، وهو شهر التقوى، مواصلة الكذب على الدين، بادعاء مثلا أنه يمنع الإفطار العلني؛ فهلاّ صمنا عن هذا الكذب الفاحش على الإسلام الذي ما فرض الصوم قهرا!
بقلم فرحات عثمان *
من يدّعي تحريم الإفطار العلني في رمضان ممن يسمح لنفسه الكلام باسم الله لا يفهم الإسلام على صحّة، لأنه ليس في دين الحنيفية المسلمة إكليروس للتحدّث باسم الله؛ إنه، في أفضل الحالات، من كهان وأحبار اليهودية أو قساوسة وبطاركة المسيحية، يتكلم من زاوية ما إعتدناه من الإسرائيليات التي داخلت الإسلام فمسخته.
هذا المسخ يتجلى على أفضل حاله خلال شهر رمضان حيث أصبحت حرية المؤمن في الصوم واجبا لا لله بل رئاء الناس، يُفرض قسرا عليهم التظاهر به والمراءات فيه، بينما الأصح في الإسلام هو التخفي بصومه، إذ لا يتظاهر بتقواه إلا المنافق في دينه. خاصة وأن الإسلام هو دين الحرية التامة المبنيّة على صدق النية؛ فالدين هو الطاعة، ولا طاعة إن لم تكن عن إقتناع بكل طلاقة، دون قيد ولا شرط.
الصوم حرية ثابتة للمؤمن
من المفيد تذكير هؤلاء أن الصوم في دين القيّمة ينبني على حرية المؤمن الثابتة، لأن المسلم لا يؤمن إلا عن قناعة وتمام الحرية. لذا، لا يمكن فرض الصوم عليه وإلا فسد هذا الصوم كما يبور في نفس الوقت إيمانه، بما أنه يفقد صفة الحرية التي تحمل العبد على التسليم بأمره لخالقه وحده.
ولا شك أن في هذا الخير العميم للسيد عادل العلمي الذي ينبري كل رمضان مشوشا راحة الناس في حرابة للإيمان تستحق الردع. إنه بذلك يبيّن أن ليس له من صفة الإسلام سوى مشيخة مزعومة، يتصرّف مثل الأحبار والقساوسة. فهو، وأمثاله ممن يريد فرض الصوم على المسلم، يطبق مباديء اليهومسيحية حيث كان الصيام واجبا مقدسا لله، لا حرية لعباده كما صحح فهمها الإسلام في نطاق ما أتى به من عودة للفهم الأصيل للدعوة الإبراهيمية بدون ما فسد في الفهم اليهودي والمسيحي.
الصوم في دين محمد ليس غاية في حد ذاتها، بل الوسيلة الفضلى للغاية الأفضل عن مجرّد الإمتناع عن الأكل والشرب، وهي التماهي التام مع حال الفقير الجائع من باب هذا التكافل الاجتماعي الذي حث عليه دين الإسلام. فالصوم الإسلامي للعباد لا لله؛ وليس هو التظاهر مراءاة للناس، بل تفعيل التقوى الصحيحة الإسلامية، وهي تقوى القلب قبل تقوى الجوارح.
لذلك منع الله الحكم بالظنة ومنع من التنقيب على دواخل قلوب الناس، كما سمح بالإفطار في العديد من الحالات بأن مكّن من الكفارة؛ بل إنه قبل بعذر عدم إطاقة الصوم لمعرفته بضعف البشر، حاثا عندها على التكافل بالإطعام والإكساء. هذا ما كان يفعله العديد من أجلاء المسلمين؛ ومنهم تابعين من أصحاب القراءات! فهل السيد العلمى أكثر ورعا وتمسكا بدين الإسلام من هؤلاء حتى يدّعي خدمة الإسلام وهو ينسفه في أفضل ما فيه، رعاية حقوق الناس وحرياتهم ؟
الدين طاعة الله عن اقتناع
من لا يعتقد أن الإسلام دين ودنيا لا يفقه شيئا في هذا الدين؛ إنما يأخذ بالإسرائيليات التي غزته وجعلت منه الدين الممسوخ الذي نراه اليوم، الدعدشة المقيتة التي يريد البعض توريدها إلى ربوعنا. إنهم، مثل داعش تماما، يدّعون الأخذ بتعاليم الإسلام، مستشهدين بفقه بار، لم يعد صالحا؛ فهل نقبل بزبانية أهل الجحيم الدواعش كمثال لدين الإسلام السمح؟
القول بضرورة الصوم في الإسلام لا يعني بأن هذا يتم قسرا وقهرا؛ بل هو ضرورة الحرية التي قلنا، وذلك لقناعة المؤمن بفائدته وقدرته عليه دون الإضرار بنفسه وبغيره. فلا مصلحة فيها مفسدة في الإسلام الصحيح؛ ومن المفسدة الركون للكسل ومنع الناس من عدم الصوم، وقد سمح لهم دينهم ذلك بالعديد من الكفارات. وكما علمنا، معني الدين هو الطاعة لله؛ وهي عن اقتناع في دين علمي التعاليم، لا يفتأ ينادي بإعمال العقل، مثمّنا أصحاب النهى. لذا، لا يعدو أن يكون منطق من يقول بضرورة الدفاع عن الإسلام بمنع الإفطار العلني منطق المجانين والنوكى، من يضر بالإسلام أكثر من أعدائه بما أنه يغالط الناس بتلبيس الحق بالباطل.
إن انتهاك حرمة رمضان هي في فرض الصيام على الناس، وهي في منع الإفطار العلني فيه، لا في إجبار الناس على الصوم العلني؛ فذا من المراءاة التي منعها الدين. لذا، الصوم الحق لله خالصا هو في الإمتناع لا عن الأكل والشرب أولا، بل عن الإساءة للغير أيا كان تصرفهم، بما في ذلك المجاهرة بحرية الإفطار العلني.
لنكفّ عن الكذب الديني والسياسي!
الصوم ليس إلا مجاهدة للنفس؛ ولا فضل للمجاهدة في صوم يتم مع انعدام مغريات لعدم الصوم؛ أليس وجودها وتعدّدها أفضل الوسائل للتدليل على حسن النية وتقوية العزيمة وشحذ الهمة لاحترام الدين مع احترام الغير؟
ماذا يبقى من الإسلام إذا انعدمت فيه العزيمة الصادقة والنية الحسنة؟ لا شيء، إلا القهر، وكأن المسلم مقهور في إيمانه بدينه! فهل هذا صحيح؟ سؤال نطرحه على أهل النهّى ممن صدق تعلقهم بدينهم أو ادعوا امتهان السياسة بأخلاق ونزاهة.
فقد ابتلينا اليوم بتونس بمن يدّعى الدفاع عن الدين وهو يفسده، ومن يقول بتعاطيه للسياسة حسب مقتضيات الأخلاق والنزاهة، بينما هو لا يفتأ يخادع ويُخاتل باسم كل المبرّرات، وعلى رأسها الدين في فهمه الفاسد.
إن الإسلام، عند هؤلاء، نموذج لتوطئة الدين للسياسة؛ فهم، لرفض حرية المؤمن في دينه في عدم الصوم العلني لا يستندون لما ثبت من الدين كما ذكّرت به أعلاه، بل بترهّات مثل عدم إحترام الذوق العام أو المساس بمشاعر الأغلبية المسلمة؛ فأين هذه الإعتبارات الشخصية من المبادىء الإسلامية الثابتة؟
وهاهي العربية السعودية، مثال التزمت والفهم المتحجر للدين، تلغي كل ما كانت تفرضه من موانع بشأن الإفطار العلني في رمضان؛ هل نكون أقلها فهما للدين؟ أي إفساد هذا للإسلام من طرف من يتاجر به في بلادنا!
ليكفّ إذن تجار الدين عن فسادهم وإضرارهم بدين بريء من تصرفاتهم ولتتحمّل الحكومة واجبها في الذب عن الإسلام الصحيح بفرض إحترام حريات المؤمن كاملة، لا فقط في الصوم والتشهير به، رغم أن التقوى لا تظاهر بها ولا فيها، بل أيضا وخاصة بحق الإفطار العلني الحر. ولتمنع السلط بالأخص من يعترض على ذلك ممن يدّعي في الإسلام معرفة وقد غابت عنه حكمته، إذ هو لا يعمل إلا بالإسرائيليات، فيسعى للإضرار بالأمن العام وبفهم التونسيين الصحيح لدينهم، دين الحقوق والحريات.
* ديبلوماسي و كاتب.
مقالات لنفس الكاتب بأنباء تونس :
شارك رأيك