في التدوينة المنشورة أسفله يتحدث القيادي السابق في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي عن قيادي اخر من مؤسسي الحركة في السبعينات من القرن الفائت عبد الفتاح مورو الذي غادر أخيرا الحركة دون ضجيج فلم يتصل به أحد حتى ليستفسر عن الأسباب. وهو يرى في ذلك جحود الرفاق القدامى وسقوطهم الأخلاقي المدوي… و من ذلك العنوان الأصلي للتدوينة التي تقطر مرارة وحزنا “أكبر سقوط هو السقوط الأخلاقي“.
بقلم عبد الحميد الجلاصي
“لا يستحقون الإحترام
-1-لا ادري لماذا رجعت بي الذاكرة منذ سنتين الى فترة نهاية الستينات وبداية السبعينات ؟ لا شيء. لعلها أعراض الزهايمر مبكر تجعل الذاكرة تسلط النظر على التواريخ البعيدة وتغفل (تفر ؟) من التواريخ القريبة. ربما. أو لعلها الشفقة على علم يسمى التاريخ لا يصلح لشيء سوى للتسلية. أما الاعتبار فلا معنى له. إذ تبدو الحياة أحيانا “تكرارا (عودا) أبديا” حسب عبارة ميرسيا إلياد. وقد نبه كثيرون أن تكرار القصص في القرآن الكريم إنما هو من أجل التأكيد على أن الأسماء المذكورة ليست حالات خاصة وإنما هي نماذج وأصناف قابلة للتكرار والاستنتاخ.
تقول هذا على وقع أقدام البورقيبية التي تحاول التسلل في أسوء تجلياتها ونحن نقترب من الثالث من أوت موسم العكاظيات وانتهاك الوعي. بورقيبة يضحك في قبره. يحييه في صورته الرديئة كثير ممن حاربوه. ويضحك معه التاريخ. ذلك العلم الذي يدعو للشفقة.
-2-ماذا فعل المرحوم محمد الصياح في تلك السنوات البعيدة ؟ لا شيء. استولى على ثروة وطنية انطلقت منذ تسرب جيوش الاحتلال من الحدود الغربية ومقاومات ماطر و صفاقس والوسط التونسي إلى ملاحم المقاومة المدنية والثقافية و الدينية والعسكرية حتى معركة بنزرت. جير كل ذلك لولي نعمته فأورثنا إعاقة لا نزال نعاني منها إلى يوم الناس هذا، فنحتفي كما الأطفال كلما وجدنا شيئا ما يذكرنا بملحمتنا الجماعية المتنوعة. وفي كل الحالات للزمن مكره. ويكشف حبال الكذب القصيرة.
-3-وأنا أغادر منزله اليوم أحسست بالعار.
السياسة دون أفكار لا تتجاوز أن تكون حرب تموقعات.
ولكن السياسة دون أخلاق تصبح حربا ليلية في غابة كثيفة. نذر حياته منذ سنة 1964 لحلمه واجتهد خلال ذلك فاخطأ وأصاب. وبقدر ما انبهر به الأغراب حيثما حل بقدر إحساسه بالجحود ممن يفترض أنهم أهله.
وحينما قدم للرئاسات الأخيرة كثيرا ما شعر أنه يقف على أرض رخوة، وأن هناك ما يشبه الزواج بنية الطلاق.
والهيئات المحترمة عندما تقدم كبارها للمعارك الكبرى تتعهدهم تستثمر فيهم بعدها. أما حينما يحصل التجاهل فلا يمكن للهواجس السابقة إلا أن تصبح في النفس حقائق. أما حين يتخذ الشيخ السبعيني قراره بإنهاء مشوار سياسي طويل ثم لا يتصل به احد، لا يتصل به أحد مستوضحا أو داعيا إلى المراجعة ولو باتصال هاتفي، وحينما يعلق “مسؤول” لم يكن والده قد بلغ الحلم حينما انطلق مورو في المساجد والمنتديات مكررا تلك العبارة البليدة: الإنتماء حر والخروج حر، فلا يمكن الا أن تواسي مورو انه لم يخسر شيئا، و أن في الأرض مراغما كثيرا وسعة.
ولا أتصور عودة أخطاء التاريخ. ولا أتصور نجاح خطط فسخ التاريخ، أو خطط الاغتيال الرمزي. وأكبر سقوط هو السقوط الاخلاقي.”
شارك رأيك