الحقيقة أن تونس السياحية جدا لم تولي ما يكفي من إهتمام لمهنة الدليل السياحي، لا في برامجها و لا في توجهاتها ولا في آفاقها المستقبلية، وقلة اهتمام المسؤولين عزادت هذا القطاع عجزا على عجز مما أخّر تنظيمه و زاد من تهميشه.
بقلم توفيق زعفوري *
منذ سبعينيات القرن الماضي، و مع بداية تنامي النشاط السياحي في تونس، انتظم في بنود قليلة فضفاضة وهلامية دليل المرشد السياحي وكأنه كراس شروط لتعاطي المهنة، و منذ ذاك التاريخ، أي عام 1973، لم يتطور الكرّاس ولم تتطور الشروط ولا حتى المهنة، فلا زلنا نجتر نفس الأسلوب (سياحة الشواطئ و الصحراء) و نفس المنتج السياحي الهزيل رغم الملايين التي صرفت في تحسين المنتوج و تنويعه و التعريف بالوجهة و بالسياحة البديلة وغيرها…
الدليل السياحي هو الحلقة الأضعف في منظومة السياحة ككل
رغم التحسن الطفيف في هذا المجال إلا أن مهنة الإرشاد بقيت فعلا كدار لقمان على حالها و لازالت، وهي في كل أزمة أمنية أو سياسية أو وبائية تتلقى أولى الضربات و أقواها.
السلطات على علم بما تعانيه المهنة و لكنها لا تبالي ولا تبادر كون الدليل السياحي هو الحلقة الأضعف في منظومة السياحة ككل، و لا مظلة نقابية لديه، ورغم كونه مدفوعا أن يكون سفير بلده لدى الأجانب وبطاقة تعريف البلاد ورغم كونه من أكبر السفسطائيين ( ليسو كلهم) و لو بالمعنى الإيجابي للكلمة، و المقصود أنهم أكثر ثقافة من غيرهم وأكثرهم اطلاعا على ثقافات الأجنبي… مازال الدليل، رغم المجهودات التي بذلت و اللقاءات التي جمعت ممثلي الجامعة القديمة بمختلف المسؤولين منذ ثورة 2011 و الجامعة الجديدة بمختلف الوزراء الذين تعاقبوا على الوزارة والمسؤولين فيها و المتداخلين، و رغم الصدى الإعلامي، لازالت الجامعة مقسمة بين أدلاء البواخر و أدلاء صحراويين و آخرين مصنفين ضمن الأدلاء المهنيين الوطنيين (Professionnel national)… و آخرين إنضووا تحت لواء الجمعيات…
قطاع لم يتفق منظوروه أبدا على أية نقطة خلافية
الحقيقة أن هذا التقسيم لا يعنينا هنا – على ما يمثله من سلبية – بل ما يعنينا أن الأطراف المتداخلة في الشأن السياحي لا تولي أهمية للدليل أبدا لا من ناحية ما يتقاضاه سواء أجيرا أم مستقلاًّ و لا من ناحية مؤهلاته المهنية وتثمينها، فهم ليسو كلهم على نفس درجة المهنية، ناهيك أن سلطة الإشراف في الجامعة و الوزارة لم تتوصل إلى إقرار أجر تعاقدي متفق عليه من الجميع، فتجد من يساوم على أجره ومن يماطل ومن يتعامل بأدنى أجر حتى لا نقول بالمجان في ازدراء للمهنة و للزملاء، ما يدفع الأعضاء و المنخرطين إلى اليأس من مواصلة الإنتماء إلى قطاع لم يتفق منظوروه أبدا على أية نقطة خلافية فيه ناهيك عن كونهم أدلاء مستقلون Freelance، و حتى القانون الأساسي لم يتغير ولم يتطور مع تطور الظروف و بقي كغيره حبيس الرفوف زادته قلة اهتمام المسؤولين عجزا على عجز ما أخّر تنظيم المهنة و زاد من تهميشها.
السائح التونسي لا يهمه وجود الدليل من عدمه
الحقيقة أن تونس السياحية جدا لم تولي ما يكفي من إهتمام للدليل، لا في برامجها و لا في توجهاتها ولا في آفاقها المستقبلية، زد على ذلك أن السائح التونسي غير ملم بالدور الأساسي للدليل السياحي و لا بما يقوله من تعاليق على خلاف السائح الأجنبي رغم أن كليهما يدفع، الأجنبي يُلزم وكالات الأسفار بتوفير دليل حتى لنصف يوم، لأن وكالة الأسفار لا تفكر في المجازفة بالعكس، و السائح التونسي لا يهمه وجود الدليل من عدمه حتى و إن دفع له أجرته مع ثمن الرحلة، ما يعمق أكثر أزمة الدليل السياحي و يزيد من حدة تهميشه على أهميته
الفصل الأول من القانون الأساسي لمهنة الإرشاد ينص على أن المهنة حرة و مستقلة. كلمتان لا تدلان على واقعية الحال أبدا إذا ما إن تتعاطى مع السائح في أي منتوج سياحي حتى تنتصب الطامة والعامة أمامك مهددة مولولة بالبيروقراطية والتهم الجاهزة وترسانة القوانين المانعة وإضافة إلى الأساليب الأمنية المعقدة، ما يعيق الدليل على أن يكون فعلا مستقبلا.
أتحدث هنا على الريع السياحي، و العائلات التي احتكرت النشاط، أو اللوبي السياحي الضاغط على أي محاولة للاستقلال المهنة أو تجديدها خدمة للسياحة، و رغم بداية العمل باتفاقية السماوات المفتوحة Open sky لازالت سلطة الإشراف متأخرة في حقن القطاع الحقنة اللازمة من أجل إعادة تدويره في الدورة الإقتصادية، أما التفكير في إدماح الكناترية، و الكنترة في الدورة الإقتصادية فمرحب به و لازم أن لم يكن ضروريا، و قد تأخرنا في الإدماج أصلا !
“و إذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض، قالوا إنما نحن مصلحون”… صدق الله العظيم. لنا عودة أخرى عندما تنضج الظروف…
*محلل سياسي.
شارك رأيك