بقلم سهام اشطو (إذاعة دويتشه فيله )
هل المثقف العربي حاضر في كل ما يجري من تحولات واقتتال في العالم العربي أم هم غائب عنها بالكامل؟
في خضم التقلبات التي تعيشها المنطقة العربية وما تمر به من أحداث يوجد مسار التاريخ العربي المعاصر بين مرحلتين: مرحلة ما قبل الثورات ومرحلة ما بعد الثورات. لا يُسمع الكثير عن دور المثقف وتأثيره في المجتمعات العربية رغم ما تفرضه المرحلة الحالية من أسئلة مهمة تتعلق بالحرية والعدالة والكرامة والديمقراطية والدين ومهمات الفكر والثقافة. وفي خضم أوضاع الحروب الطائفية وعمليات الإرهاب والاقتتال، تتباين الآراء حول دور المثقف في كل ذلك، ويتساءل المرء الآن عن مدى مكانته وحضوره في خضم ما يحدث؟ ثم كيف يجب التفاعل مع ما آلت إليه الأمور؟
أفواه مكممة
يرى بعد المثقفين أن الأوضاع التي تمر بها المنطقة العربية بلورت مهمة جديدة للمفكر العربي وهي النضال إلى جانب الجماهير العربية التي خرجت للمطالبة بالحرية والعدالة والعيش الكريم، حيث أصبح مشروع المثقف العربي أكثر من أي وقت مضى مرتبطا بالنضال من أجل التغيير.
ولكن بما أن هذا المثقف هو مرآة لشعوب مقموعة في الغالب ولا يتاح للأصوات الناقدة التعبير عن آرائها كما يجب، تبقى قدرة المثقف في أداء دوره عملية صعبة.
فهمي هويدي المفكر المصري يحكي تجربته قائلا: “أعمل منذ 55 سنة وتعرضت لكل أساليب الحرب والتنكيل وقطع الأرزاق والاعتقال والقمع وتم تهديدي وإقصائي، الشيء الوحيد الذي لم يحدث حتى الآن هو القيام باغتيالي. القمع تعرضت له منذ عهد جمال عبد الناصر مرورا بأنور السادات وحسني مبارك إلى الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي إذ مازلت أتلقى تهديدات وتلميحات بأني أتجاوز الخطوط الحمراء” ويضيف هويدي “ورغم حذري واحتياطاتي إلا أن السطور تفتقد الى مواقف انتقادية حتى وإن اعتمدت على العقل والهدوء”.
هويدي، الذي يعتبر من أبرز المفكرين المعاصرين في مصر، يعتبر أن المثقف العربي اليوم أمام ثلاث خيارات: إما أن ينتقد ما هو خاطئ أو أن لا يدافع عن ما هو خاطئ والثالث هو أن يسكت.
ويقول بخصوص تجربته” كل ما أقوم به هو الدفاع عن كلمة الحق إلا أن هذا كفيل بأن يجعل منابر إعلامية تصنفني تارة في خانة الإخوان وتارة أخرى كخائن. مجرد إبداء الرأي يعني التصنيف ضمن فصيل معين، مما يعتبر اغتيالا معنويا للمثقف، وهذا ما تتفنن فيه بعض المنابر الإعلامية ذات الصوت العالي”.
ومن المضايقات التي يتعرض لها هويدي منعه من الظهور في التلفزيون والإذاعة المصريين حيث لم يعد له سوى هوامش ضيقة لنشر مقالاته ” أنشر في حدود ما أستطيع، أصبحت هناك حساسية شديد تجاه كل ما هو نقد، كما أن السلطة مُهَيمَنة على الإعلام والنتيجة هي غياب المثقف في الرأي العام فلا يصل صوته للمجتمع”.
“الحكام تجاهلوا تحذيرات المثقفين مما يقع اليوم”
تجربة طيب تيزيني، المفكر والفيلسوف السوري لا تختلف كثيرا عما سبق، فهو أيضا تعرض للقمع والإقصاء ويصف تجربته بالمريرة “تم تكميم أفواهنا، وتجاهلت الأنظمة دعواتنا لها منذ أكثر من ثلاثة عقود بضرورة تطبيق الإصلاحات حتى لا نصل إلى ما وصلنا إليه اليوم من عنف وطائفية واقتتال”.
ويضيف تيزيني : كتبت مقالة بعنوان: “ابدأو الآن بفتح دائرة من الداخل”. وذكرت أيضا أن من يريد إحداث الإصلاح فليبدأ الآن وليس غدا لأن الغد قد يحمل ظروفا مغايرة لليوم” وهو ما حدث بالفعل، حيث تَجَسد ذلك من خلال ظهور جماعات إرهابية وتزايد مستوى الوحشية، فأصبح المثقف بدوره مستهدفا من طرف تلك الجماعات بعدما كان مستهدفا من الأنظمة الحاكمة.
الوضع الذي آلت إليه الأوضاع في البلدان التي شهدت ثورات وحراكا شعبيا وتحديدا سوريا الغارقة في حمام دماء، جعل تيزيني يفكر في تأسيس ما أسماه ب”مجلس الحكماء” الذي يضم عددا من المثقفين السوريين. هو يقول إن التسمية جاءت من منطلق إيمانه بأن الحكمة وصوت العقل هو ما يمكن أن يعود بالأمور إلى مسارها السلمي والصحيح.
وفي هذا السياق يقول المفكر السوري “نريد أن نوضح من خلال هذه المبادرة إلى إيجاد صيغ مناسبة للجميع من منطلق أن الفكر والحوار يمكن أن يحلا محل السلاح. وعندما نوقف السلاح يجب بعدها تفكيك “الدولة الأمنية المهيمنة” على المجتمعات العربية”.
ورغم ما حدث من دمار وما يبدو من إشارات تدعو إلى التشاؤم ، فإن المفكر تيزيني يؤمن بأن الفكر نجح في إحداث شرخ داخل المجتمع العربي بشكل إيجابي، حيث تزايدت الأصوات التي تتبنى فكرة الحكمة والعقل والمقاربة الإنسانية.
حقوق النشر: دويتشه فيله 2015
موقع “القنطرة”
شارك رأيك