نشرت منظمة العفو الدولية اليوم تقريرا عن وضع الحريات وحقوق الانسان في تونس خمس سنوات بعد الثورة، وخلصت إلى أن الوضع مقلق وان التعذيب والتجاوزات مستمرة.
وفي ما يلي نص التقرير كما ورد في موقع منظمة العفو الدولية :
” تشير الأدلة التي قامت منظمة العفو الدولية بجمعها مؤخراً بشأن وقوع التعذيب والوفيات في الحجز إلى أن القمع الوحشي يتصاعد في تونس مرة أخرى بعد مرور خمس سنوات بالضبط على الإطاحة بالنظام الاستبدادي السابق بفضل “ثورة الياسمين”، التي أطلقت شرارة موجة من الانتفاضات في شتى بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
وأثناء الزيارة التي قامت بها إلى تونس في ديسمبر من العام الماضي، جمعت منظمة العفو الدولية معلومات بشأن وقوع وفيات في حجز الشرطة، بالإضافة إلى أفعال التعذيب التي زُعم أنها مورست في مجرى تحقيقات الشرطة.
وقال سعيد بومدوحة، نائب مدير برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بمنظمة العفو الدولية: “قبل خمس سنوات من الآن نهض التونسيون وحطموا أغلال الاستبداد، حيث كانت أفعال التعذيب والقمع من السمات المميزة لنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي؛ وينبغي عدم السماح بأن تصبح من السمات المميزة لتونس ما بعد الانتفاضة.”
ووفقاً للمعلومات التي تلقتها منظمة العفو الدولية، فقد وقع ما لا يقل عن ست حالات وفاة في الحجز منذ عام 2011، في ظروف لم يتم التحقيق فيها بشكل فعال، أو لم تؤد فيها التحقيقات إلى محاكمات جنائية.
ففي 11 سبتمبر 2015، وبعد ترحيله من سويسرا، قُبض على سفيان الدريدي عند وصوله إلى مطار تونس. وكانت السلطات التونسية قد أصدرت مذكرة اعتقال قديمة بحقه بتهمة الاعتداء باستخدام العنف في عام 2011.
ففي 15 سبتمبر، مثُل الدريدي أمام المحكمة، وبدا في حالة صحية جيدة، ونُقل بعد انتهاء جلسة الاستماع إلى سجن المرناقية. وفي 18 سبتمبر/أيلول، أُبلغ أفراد عائلته بأنه نُقل إلى المستشفى، فذهبوا لزيارته هناك، لكن الطاقم الطبي نفى معرفته بأي شيء. وعندما عادوا إلى المحكمة في محاولة للحصول على مزيد من المعلومات، أُبلغوا بأنه توفي نتيجة لذبحة قلبية. وقال ذووه إنهم عندما رأوا جثمانه في المشرحة، شاهدوا آثار كدمات على وجهه وجسده. وكانت شهادة وفاة الدريدي مؤرخة في 17 سبتمبر. ولا تزال عائلته حتى الآن بانتظار التفاصيل الكاملة لأسباب وفاته
كما تلقت منظمة العفو الدولية معلومات بشأن تعرض المعتقلين، ومن بينهم نساء، للتعذيب وإساءة المعاملة أثناء وجودهم في السجن في العام الماضي عقب اعتقالهم بتهمة الإرهاب.
ووفقاً لبعض الشهادات، فقد تعرَّض المعتقلون للصعق الكهربائي، بما في ذلك على أعضائهم التناسلية، وأُخضعوا لأوضاع جسدية قاسية تُعرف باسم “الفروج المشوي”، حيث يتم ربط أيديهم وأقدامهم بعصا. وتعرَّض بعضهم للصفع، وأُرغموا على خلع ملابسهم، وتلقوا تهديدات ضد عائلاتهم في محاولة لإرغامهم على الإدلاء باعترافات كاذبة.
إن منظمة العفو الدولية تدعو إلى إجراء تحقيقات مستقلة في جميع هذه المزاعم، وإعلان نتائج التحقيقات على الملأ، وتقديم كل من تتوفر ضده أدلة كافية مقبولة إلى المحاكمة. وفي حالات الوفاة في الحجز، يجب أن يشمل التحقيق إجراء عملية تشريح كافية للجثة من قبل طبيب شرعي مستقل ومحايد.
وقال بومدوحة: “إنه لم يتم اتخاذ إجراءات تُذكر من أجل إصلاح قوات الأمن، ومحاسبة المسؤولين عن مثل تلك الأفعال.”
وأضاف يقول: “في الوقت الذي يمكن فهم أن الأمن يعتبر أولوية بالنسبة للحكومة على ضوء الهجمات الدموية التي هزَّت تونس في الأشهر الاثني عشر الماضية، فإنه لا يجوز استخدامها كذريعة للاستدارة عن مسار التقدم المتواضع الذي أُحرز في مجال حقوق الإنسان منذ الانتفاضة.”
وفي السنوات الخمس الماضية اعتمد التونسيون دستوراً جديداً نصَّ على ضمانات مهمة لحقوق الإنسان، وصدَّقوا على معاهدات دولية رئيسية لحقوق الإنسان، وأجروا انتخابات رئاسية وبرلمانية ديمقراطية، وشهدوا تعزيز منظمات المجتمع المدني بعد سنوات القمع في ظل حكم بن علي.
ومع ذلك، فإن السلطات اتخذت في العام الماضي سلسلة من التدابير المقلقة باسم الأمن، من شأنها أن تعرِّض هذه الإنجازات للخطر.
ويتضمن قانون مكافحة الإرهاب الجديد الذي أقرَّه البرلمان في جويلية 2015 تعريفاً فضفاضاً للإرهاب؛ إذ أنه يمنح قوات الأمن سلطات مراقبة وإشراف واسعة النطاق، ويمدد الفترة التي يجوز فيها لقوات الأمن احتجاز المشتبه بهم بمعزل عن العالم الخارجي من ستة أيام إلى 15 يوماً، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة خطر التعرض للتعذيب.
في نوفمبر 2015 ، أُعلنت حالة الطوارئ للمرة الثانية في العام الماضي في أعقاب هجوم مميت على الحرس الرئاسي في تونس، ونفذت السلطات آلاف عمليات المداهمة والاعتقال، واحتجزت مئات آخرين قيد الإقامة الجبرية في منازلهم.
وقال أفراد عائلات بعض المطلوبين المشتبه بعلاقتهم بالإرهاب لمنظمة العفو الدولية إنهم تعرَّضوا لمضايقات مستمرة من قبل قوات الأمن. وقال رجل في الخامسة والستين من العمر، وهو أب لشخص هارب مطلوب بتهم الإرهاب، إن عناصر الأمن يعمدون إلى اقتحام منزل العائلة في كل ليلة تقريباً. وتحدَّث عن الزيارات المخيفة لسكان المنزل الذي يقطنه ابنان آخران، أحدهما يعاني من إعاقة عقلية، وحفيدان صغيران. وأضاف يقول إنه تم استدعاء أفراد العائلة بشكل متكرر للتحقيق معهم، وإن نجليه الآخريْن تعرضا للضرب على أيدي الشرطة أثناء الاستجواب.
وتحدَّث آخرون لمنظمة العفو الدولية عن زيارات ليلية لأفراد الأمن الذين يحطمون الأبواب ويسرقون المقتنيات أحياناً، ويجعلون العمل والحياة الطبيعية لأفراد العائلات أمراً صعباً.
كما تحدث عدد من الأشخاص عن إيقافهم مراراً في الشوارع من قبل أفراد الشرطة. وقال أحدهم إنه خضع للاستجواب أو التوقيف عدة مرات بسبب لحيته. وقال إنه ذات مرة تم إنزاله من حافلة واستجوابه بشأن معتقداته وممارساته.
ولا تزال القوانين المقيدة لحرية التعبير، بصورة تعسفية، سارية المفعول في تونس. وتتم محاكمة المنتقدين- ولا سيما منتقدي قوات الأمن-بتهم التشهير “والفحش”. ومُنعت تقارير وسائل الإعلام المستقلة بموجب قانون مكافحة الإرهاب الجديد. كما واجه الصحفيون ردود أفعال عنيفة من جانب قوات الأمن أثناء تغطية أخبار الاحتجاجات أو في أعقاب الهجمات. وفي نوفمبر2015، أصدرت وزارة العدل التونسية بياناً حذَّرت فيه الصحفيين من أنهم سيواجهون الملاحقة القضائية إذا قاموا بعرقلة جهود البلاد الرامية إلى مكافحة الإرهاب.
كما تعرَّض محامون ومنظمات حقوق الإنسان للهجوم بسبب دفاعهم عن حقوق المشتبه بعلاقتهم بالإرهاب، ويُنظر إليهم على أنهم يشكلون عقبات في سبيل مكافحة الإرهاب، في خطاب عام يضع حقوق الإنسان والأمن ضد بعضهما بعضا على نحو غير صحيح.
وخلص سعيد بومدوحة إلى القول: “إن إنجازات حقوق الإنسان في تونس تبدو هشة على نحو متزايد في ضوء هذه الخطوات المتراجعة. وثمة خطر حقيقي من أن رد الفعل العنيف الخاطئ سيؤدي إلى إعادة تونس إلى النقطة المظلمة التي كانت تقف فيها قبل خمس سنوات”.
ع.ع.م.
شارك رأيك