في الذكرى الخامسة لثورة 14 جانفي يكتنف الكثير من التونسيين تشاؤم له أسبابه الحقيقية ..ولكن لأن الأمل لا يزال قائما فإن الشاعر التونسي الكبير أولاد أحمد يذكرنا في تدوينة له أمس بما كنا قبل الثورة.
محمد الصغير أولاد أحمد نبش ذاكرته الشعرية ليعود إلى ما كتب سنة 1998 ..حول التونسيين الذين كانوا…”سعداء” .
وقد كتب أولاد أحمد متوجها : ” الى الذين يتطيّرون من حدوث الثورة…الأمور في تونس كانت على هذه الشاكلة”.
سعداء (خريف 97 – شتاء 98)
سُعداءُ بما نحنُ فيهِ
وأسْعدُ منَّا… بياضُ الورقْ !
سعداءُ بأنّ أصابعَنَا بُتِرتْ
قبلَ صُنْعِ الرّبابةِ… ثمَّ البُزقْ !
سعداءُ بأقلامنا
– نشتريها مُلوّنةً –
فإذا كتبتْ
نزَّ منها عَرَقْ !
سعداءُ بأشلاءِ أفكارنا في المجازِرِ نيئةً
دمُها يتسيّبُ فوقَ الرّصيفِ
وثمّة لافِتَةٌ:
– انتبهْ أيّها النّعلُ … أو تنزلقْ !
سعداءُ بأنّ لنا شفةَ واحدهْ
وبقايا لسانٍ نَزِقْ
سعداءُ بحُكّامِنا :
يُرجعون الكلام إلى الحلقِ :
كيْ نختنِقْ !
سعداءُ بظلّ الغُرابِ المُحوِّمِ
فوقَ الشّفقْ
سعداءُ
ويُسْعِدُنا
أنّ جرذًا صغيرا يرافِقُنا
.. في سوادِ النُّفقْ
سعداءُ بجيشِ يُحارِبُناَ
وحْدَنَا
منذُ خمسينَ عامًا
.. إلى الآن : لم نتّفق !
سعداء بتقرير شاعرهم ضدّ شاعرنا
وأنا أكتب الآنَ
– بين إمرئ القيس والألسنيّة –
شطّ الطّعامُ
وشاطّ المرقْ !
سعداءُ بأنّ جميعَ البُيوتِ حرامٌ
وأنّ الطّريقَ إليها – جميعا – غرَقْ !
سُعداءُ بصوتِ المُؤذّنِ
يَخْلِطُ
بينَ “الحفيظِ” و”عبدِ الحفيظِ”
اختنِقْ
أيّهَا الشّاعِرُ الفرْدُ
أو..
فاختنقْ !
سعداءُ نجوبُ المدينةَ
– أينَ النّهودُ؟
– وما تحتَ معطفِكِ الآن ؟
– هذا المُسجِّلُ نهدٌ… إذا ؟!
اسمعيني:
أنا ابنُ عاهرةٍ… مثْلهم
وشريفُ بحقْ !
سعداءُ بمسألةِ الرّوحِ
يا…
كيف تصعد – رغمَ الجماركِ – نحوَ العليِّ
القديرِ الغفورِ المُحِقْ ؟ !
سعداءُ بأهْلِ الثّقافةِ
يستصْلِحونَ “الزّوايا”
ويسْتنْسِخُونَ “الطُّرُقْ” !
سعداءُ بخمْسِ نُجومِ على كتفِ الفيلسوف تقودُ
فريقًا منَ الطّالباتِ إلى أرَق
أينَ منهُ القَلَقْ ؟ !
سعداءُ بأنّ سياجًا منَ الزّنْكِِ
يفصِلُنَا
عن طيورِ محنّطَةٍ.. في الأفقْ !
سعداءُ
بقرْنٍ يجيء
وآخر يمْضِي
وها إنّ ثورًا – بقرْنيْنِ –
يُبْقِرُنا… في الغَسَقْ !
سعداءُ برائحةِ السّوقِ :
حوتٌ
دجاجٌ
كوارعُ
بيضٌ
مخارقُ
حمْصٌ
زبيبٌ
حَبَقٌ
سعداءُ بهذا الذي
– بينَ أضْلُعِنَا –
لا يزالُ
– برغم الرّزايا – يدُقْ
سعداءُ بأنّ لنا موعدًا
قُرْبَ شامَتِها
.. بعدَ وصْفِ العُنقْ.
سعداءُ
بلا سببٍ
هكذا !
بعد منتصفِ العُمْرِ
والصّبرِ
والشّعرِ
والنّثرِ
منْ حقِّ شمْعتِنا أن تذوبَ..
وأنْ تحترِقْ
سعداءْ
سعداءْ
سعداءْ
سعداءْ
ويسْعدنا..
أنّنا :
سُعداءُ
بحقْ !
محمد الصغير أولاد أحمد (خريف 97 – شتاء 98)
شارك رأيك