بقلم فرحات عثمان
إن المجتمع العربي الإسلامي ليزخر بالأساطير الشعبية ككل المجتمعات; وهي لا محالة مما يثري المتخيل الشعبي ويزيد تراثه المادي والمعنوي قيمة ومدلولا.
إلا أن مثل هذه الأساطير فساد وإفساد في مجتمعاتنا اليوم لما عليه حال السياسة في بلداننا العربية الإسلامية، وهي ما نعلم من خضوعها للإمبريالية، سواء كانت غربية أو شرقية، ظاهرة المعالم الخارجية أو مستبطنتها لتمويه داخلي ناجح.
الإسلام يحترم الحريات الخصوصية :
لنأخذ على ذلك مثل الحريات الخاصة في حياة المسلم؛ فهي من الانفتاح بمكان من منظور ديني بحت، إذ قدّس الإسلام الحياة الخصوصية إلى حد القبول بالعصيان حتى في أمور الشرع ما دام ذلك يتم داخل حرمة الحياة الخصوصية.
فليس إذن ما في قوانيننا وتجلياتها الهوجاء من تحريم وموانع مجحفة باسم الدين إلا التجني الكبار في حق دين متسامح، إناسي التعاليم اعترف صراحة بحرية الحياة الخصوصية قبل أن ينبذها فقه لا يأخذ بتعاليم الدين الصحيح، فخلق التزمت الأخلاقي والمحافظة الأسطورية لمجتمع إسلامي متحرر أساسا.
إن دعوى المحافـظة للمجتمع لهي دعوى باطلة في أفواه النخب، سياسية كانت أم دينية؛ فليست هي إلا عندها لتحكم قبضتها على أبناء الشعب بحرمانهم من حريات أقرها لهم دينهم ودستورهم.
فليس في الإسلام، وهو دين الحريات الخصوصية، أي مانع لكل شكل من أشكال الحرية داخل الحياة الخصوصية للمؤمن لأن الإسلام دين العلاقة المباشرة بين الله وعبده، ليس فيه أية كنيسة أو مرجعية كهنوتية للتدخل بين الله والعبد في أمور دينه.
أما ما نراه سطحيا من أمارات التحفظ، فليس تلك إلا هذه العلامات الكذوب التي يضطر إليه الضعيف للمداهنة حفظا على حريته الخاصة، بل حياته، في مجتمع الأقوياء فيه التسلط يتم باسم قوانين ظالمة. فليس للمجتمع إلا النفاق ليضمن الدعة والسلامة لنفسه، بينما هو لا يأخذ في حياته الخاصة بما يُري من تصرفات فرضها المحيط الفاحشة قوانينه، المتجنية عليه ساسته والتي لا تطالها شوكة قوانين تعسفية هدفها الأوحد التسلط على الشعب لحفظ امتيازات الخاصة في المجتمع.
تفشي الإسرائيليات في الإسلام :
لقد تفشت في ديننا قراءة خاطئة رسبت إليه من الإسرائيليات فجعلته دينا متزمتا لا حرية فيه ولا حب ولا متعة ولا جنس، بينما لا شيء من هذا في دين القيمة.
فالخمرة مثلا غير محرمة بل هو السكر، والعري ليس بإثم إذ تم الحج الأول للإسلام على الطريقة العربية القديمة في التعري التام للرجال والنساء حول الكعبة. ثم لا تزمت أخلاقي في الإسلام دين الفطرة الذي بعترف بحق المسلم في المتعة وتعاطي الجنس، حتى أنه لم يمنعه في عهد الرسول وخليفته الأول، إذ تواصل العمل بمتعة الحج إلى عهد الخليفة عمر قبل أن يقع منعها تأثرا بالإسرائيليات.
هذا، وقد بقي الكثير من روح الإسلام الصحيحة هذه في القراءة الوحيدة الأصيلة له، أي القراءة الصوفية، صوفية الحقائق كما هي عند الجنيد وابن عربي، لا صوفية أهل الدجل. لذلك نرى عند أهل التصوف العديد من الحريات الأصلية في الإسلام التي يرفضها أهل التزمت ممن لا يأخذ إلا بما هو غريب عن دين الحنيفية.
لذلك، فإنه من المتحتم اليوم على أهل الإسلام الصحيح ترك كل ما خالطه وداخله من يهوديات ومسيحيات للعودة لدين متحرر لا تزمت فيه.
فليس ما تتقوله الوهابية من الإسلام بتاتا؛ بل وحتى العديد مما نجده في المذاهب التي تدّعي الوسطية من مناهضة لحرية المؤمن في حياته الخصوصية، وحتى العامة منها، لا يمت للإسلام كما جاء به سيد الآنام الذي احترم أي احترام العبد في حرية حياته الخاصة إلى حد القبول بالمنافقين والصلاة عليهم عند موتهم.
المفهوم الإسلامي للذنب :
لنعلم أيضا أنه ليس في دين محمد نفس فهم الإثم كما عهدناه في اليهودية والمسيحية وكما رسب في الفقه الإسلامي.
فالإثم الوحيد في دين القيمة هو الإشراك بالله؛ أما سائر المخالفات غير ذلك فليس إلا من الذنوب التي فيها الكفارة والتوبة والإصلاح الذاتي بتزكية النفس؛ فهي كلها مما لا ينجر عنه أي عقاب ولا تعزير ولا عتاب إذا عرف المؤمن كيف يكف عن ذلك بعمل يصلح به الخطأ ويتوب به.
إن مفهوم الذنب في الإسلام علمي الصبغة، أي هو بمثابة تلك التجربة الضرورية للعبد جتى تخلص نيته ويستقيم عوجه؛ فهو في ذلك كالطفل الصغير الذي لا بد له أن يتدرب على المشي مع ضرورة السقوط حتي تصح رجلاه ويستقيم عليهما واقفا يمشي بكل ثبات.
الذنوب في الإسلام هي بمثابة المحنة للمسلم، تمكّنه من تزكية نفسه؛ وهي لذلك، إذ لم يكن فيها أي اعتداء على الغير، لا تعني أي أحد، إلا الله وحده وعبده.
بل لقد ذهب تسامح الإسلام إلى حد قبول الدخول إلى الجنة لمن سرق أو زنى ما دام إقراره بوحدانية الله كان صحيحا لا مراء فيه.كل هذا يبيّن مدى إسرافنا في تشويه الإسلام والإضرار بسماحته وحداثة تعاليمه التي تبقى تنويرية، إناسية.
فلنعمل دون تأخير على إبطال كل ما أضرّ ويضرّ بديننا، مفسدا حال الناس بمخالفته لحقوقهم المشروعة المضمونة دستوريا، ولا نتذرع جزافا بأن المجتمع الإسلامي لا يقبل إبطال تلك القوانين المخالفة للدستور وللإسلام، بينما الغاية هي إبقاء قبضة الساسة وتجار الدين على المجتمع، تتحكم في مصيره وقد انعتق من ربقة الديكتاتورية.
شارك رأيك