بقلم فرحات عثمان
إن ما يعيبه الضمير والأخلاق اليوم عند البعض من أهل الحق والعقل بتونس لهو هذا الاستعمال المخادع لمباديء تقتضي أساسا النزاهة قبل أي شيء. ومنها قضية حقوق الإنسان.
فلا أحد ينكر ما باحترام حقوق الإنسان من أهمية في بلادنا وهي تسعى لتطوير أجهزتها وسلوكيات أعوانها من عنجهية وتسلط أفرزتها الديكتاتورية المقيتة.
ضرورة عدم الكيل بمكيالين :
إلا أن يكون ذلك انتصارا للبعض ممن يقاسي من انتهاك حقوقه ولا للبعض الآخر، فهذا مما لا يقبله لا العقل ولا القانون ولا الأخلاق والدين.
رغم ذلك، فهذه حالنا في تونس اليوم، إذ بقي الدستور الذي أتي بالعديد من الحقوق والحريات حبرا على ورق لسعي العديد ممن يريد الانتفاع بالقوانين الجائرة الحالية لأغراضه الخاصة ومصالحه الأنانية.
يتم هذا طبعا باسم قوانين رغم أنها أصبحت لاغية منذ دخل الدستور حيز التنفيذ. ولئن نرى أهل السياسة لا يهتمون بهذا الجانب ويواصلون العمل بتلك النصوص الملغاة قانونا، فهذا لا يمكن قبوله من القضاة، إذ مهمتم السهر على تطيبق القوانين التي هي غير لاغية. فكيف يواصلون تطبيق تلك التي أصبحت باطلة دستوريا؟
نعم، هناك من يقول أن هذا من نظر المحكمة دستورية لها أن تنظر فيه. إلا أن هذا من باب اللغو القانوني والحق الذي يراد به باطلا، إذ بذلك نبطل كل مشروعية للدستور رغم أنه أعلى قانون في البلاد، تطبّق الحقوق التي أتى بها في روحها على الأقل حتى بدون نصوص طبيقة.
لذلك من واجب القاضي في حالات تطبيق قوانين ألغاها الدستور الامتناع عن اللجوء إليها والإحالة للدستور ضرورة، وإن اقتضى الأمر، الاجتهاد حسب ما يقتضيه نص الدستور وتفرضه روحه.
هذا ما لا يفعله قضاتنا، إلا في حالات قليلية نادرة، حصرها عدد منهم في قضايا الإرهاب، لا تطبيقا للقانون، بل لأيديولوجية الإرهابيين.
المثلية هي الاختبار لاستقلال القضاء :
لذلك رأينا عديد المرات كيف يطلق بعض القضاة سراح من ثبتت على الأقل مشاركته في الإرهاب وذلك بدعوى أنهم تعرض للتعذيب بينما يسجن من لم تتمتد يده بأس سوء على غيره.
فلعل ذلك التوجه في فهم منظومة حقوق الإنسان حتى في أمر الإرهاب يكون جائزا لو طبق هؤلاء القضاة فهمهم للنصوص التونسية ولمنظومة حقوق الإنسان في كل الحالات التي يثبت فيها استعمال التعذيبو ماديا أو معنويا لا في حالات دون غيرها.
وهذا مما تعيشه البلاد يوميا، إذ يقع تعنيف الشباب والاعتداء على حرمة ذاتهم باسم القانون فلا يحرك القاضي ساكنا، بل يسهر على معاقبتهم أقسى العقاب الممكن، إن لم يحاول الزيادة فيه مجتهدا اجتهادا غير صائب، مخل بالقوتنين المجحفة نفسها.
تلك كانت الحال في قضية شباب رقادة التي سينظر فيها القضاء غدا الخامس والعشرين من فبراير الجاري في جلسة محكمة الإستئتاف بسوسة. فهل سنرى حكام الإستئناف يثبت دعوى القضاء في احترام حقوق الإنسان دون تفرقة بين المستحقيقن لها وذلك بإطلاق سرح المظلومين الذي ما أجرمو في حق أحد، إذ ليست المثلية جرما؟
سنرى إذن ذلك غدا إذ المطلوب من القضاء التونسي اليوم لهو البرهنة على إستقلالية حقة، بعيدة عن التجاذبات السياسية، هذه الاستقلالية التي يفرضها عليه واجبه في تطبيق القانون غير الجائر لأنه يصدره باسم الشعب.
مع التذكر أن هذا الشعب ما طالب بثورته إلا الحصول على المزيد من الحقوق والحريات لأجل الحفاظ على كرامته المهدورة بقوانين مخزية حان الوقت لرميها في مزبلة التاريخ خاصة وأن بعضها من عهد الاحتلال، كما هو الحال مع تجريم المثلية التي يجب أن يقول القضاء كلمة الحق فيه، أي ضرورة إبطال الفصل 230 جنائي.
فهي يشرف القضاء مهنته غدا ويلغي حكم القيروان الجائر قانونا وأخلاقيا ودينيا ؟ إن غدا لناظره لقريب !
شارك رأيك