نشرت جريدة لابراس التونسية أمس مقال راي لمساعد وزير الخارجية الأمريكية توماس شانون تحت عنوان: (الولايات المتحدة وتونس: شراكة تتعمق).
وفي ما يلي نص المقال:
” تونس هي البلد الوحيد الذي انتقل بنجاح من ثورة ربيع عربي إلى تأسيس ديمقراطية فشدت بذلك انتباه العالم وأسرت اهتمامه وتعاطفه. وخلال رحلتي الأولى كوكيل لوزارة الخارجية الأمريكية مكلف بالشؤون السياسية، قضيت ثلاثة أيام في تونس ضمن جولة قادتني إلى أربع دول من المغرب العربي والساحل الإفريقي التقيت خلالها بمسؤولين حكوميين يتقدمهم السيد رئيس الحكومة والسيدان وزيرا المالية والداخلية لألِمّ مباشرة بالتحديات والفرص الماثلة أمام تونس وشعبها. لقد أصغيت لنشطاء من المجتمع المدني مكرسين جهودهم لمكافحة التطرف العنيف وتعزيز شفافية الحكومة ومساءلتها وجُلت متحف باردو وزرت المواقع التاريخية في قرطاج التي تبرز تاريخ تونس كمفترق طرق مهم للحضارات عبر آلاف السنين وتعرض تراثها الثقافي الغزير.
وتمتد أواصر الصداقة بين الولايات المتحدة وتونس على ثلاثة قرون. لقد دعمنا استقلال تونس عام 1956 ووقفنا إلى جانبها حديثا وثورتها تتحول إلى مشروع ديمقراطي شامل. وفي عام 2013 شاهد العالم تونس وهي تختار الحوار الوطني بدلا عن العنف وقد دعمت الولايات المتحدة العملية الانتخابية التي جرت عام 2014 وجاءت بأول رئيس منتخب ديمقراطيا وببرلمان إلى سدة الحكم. ولكن ما إن مضت بضعة أشهر حتى اهتز التونسيون جراء هجوم إرهابي كان الأول ضمن ثلاث هجمات إرهابية مدمرة. وبثبات همة تكاتف التونسيون وشركائهم الدوليون لتحصين تونس ضد هجمات مستقبلية. وقد برهن الشعب التونسي وقادته مرارا وهم يخوضون تحديات السنوات الأربع الماضية عن التزام لا يتزعزع بالمسار الديمقراطي.
وتلتزم الولايات المتحدة بدعم تونس وهي تتطلع مستقبلها فنحن شريك لا يفتر حماسه مستعد لتعزيز قدراتها على محاربة الإرهاب وتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الضرورية والإعداد للانتخابات المحلية المقبلة وبناء مجتمع منفتح نابض بالنشاط. وتجري حاليا مفاوضات لتقديم الولايات المتحدة لضمان قرض ثالث لتونس، كما نوفر دعما فنيا ونسدي بالمشورة لنواب مجلس الشعب وهم ينظرون في التشريعات المهمة لتسهيل الإصلاح الاقتصادي وتمكين ولايات تونس الأربع والعشرين عن طريق تحقيق لامركزية السلطة والمسؤولية.
وكانت اللازمة الرئيسية التي ترددت على مسامعي أثناء زيارتي أن التونسيين بحاجة لمواطن شغل. فقد سلطت اضطرابات شهر جانفي الماضي الضوء على الحاجة الملحة لتوظيف التونسيين الشبان الذين يشعرون بالتهميش وخلق مستقبل هادف مفعم بالأمل. لقد سمعنا الدعوة إلى اتخاذ إجراءات فورية متعلقة بخلق فرص عمل وها نحن نستجيب. فستعقد الولايات المتحدة وتونس اجتماعا للجنة الاقتصادية المشتركة في شهر ماي القادم بواشنطن تخصصانه لتعزيز فرص العمل من خلال نمو اقتصادي قوي. وستحدد اللجنة بمعية القطاع الخاص كيف يمكن للولايات المتحدة أن تساعد تونس على أفضل وجه في زيادة فرص العمل. كما نمد أيضا بالمساعدة لإصلاح الجمارك والنظام الضريبي في تونس كي تنفتح التجارة وننهض بالأنظمة التونسية حتى تواكب المعايير الدولية وتشجع بذلك الاستثمار الأجنبي والمحلي. وقد استثمر الصندوق التونسي الأمريكي لتمويل المؤسسات ما يناهز 10 ملايين دولار في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المحلية وفي شركات القروض الصغرى موفرا بذلك لباعثي الأعمال التونسيين رؤوس أموال لتنمية مؤسساتهم وتوظيف المزيد من االأشخاص. ويخطط الصندوق لمضاعفة استثماراته تلك ثلاث مرات بنهاية هذا العام.
وأخيرا فإن شراكتنا الأمنية مع تونس تزداد عمقا. فنحن نعمل مع حلفاء تونس والدول المجاورة على تجهيز قوات الأمن التونسية وتدريبها على حفظ الأمن بأسلوب ديمقراطي يحترم حقوق الإنسان، كما نسدي بالمشورة ونقدم المعدات التقنية الرئيسية لدعم جهود تونس في دحر الإرهاب. ولدينا شراكة مع ألمانيا لتحصين الحدود التونسية مع ليبيا ولكن الأهم أننا اتخذنا إجراءات وسنواصل اتخاذ أخرى لمنع تنظيم داعش من أن يصبح تهديدا متزايدا للعالم الحر. لقد رحبنا بمشاركة تونس في التحالف العالمي ضد تنظيم داعش ونعتقد أن محاربتها جهد عالمي لتونس دور هام فيه.
وعلى الرغم من القوى التي تسعى لمنع تقدم تونس فقد أبدى التونسيون المرة تلو الأخرى صلابة ومرونة وشجاعة. وقد حضيت بشرف ملاقاة أحد نشطاء المجتمع المدني التونسي الذي استشهد بما قاله الرئيس جون كينيدي عام 1962 في خطابه التاريخي عن الذهاب إلى القمر: “لقد اخترنا الذهاب إلى القمر خلال هذا العقد والقيام بأشياء أخرى ليس لأن الأمر سهل، بل لأنه صعب.” لقد اختارت تونس الديمقراطية والدرب ليس سهلا ولكن مغانمه لا تحصى ولا تعد. وتكتنف الانتقال من الديكتاتورية إلى الديمقراطية عقبات عديدة ولكن الولايات المتحدة تقف جنبا إلى جنب مع تونس في سعيها للتغلب على تلك العقبات.
ونبهتني إقامتي بتونس إلى أن نجاحها يكتسي أهمية، ليس بوصفه مفهوما نظريا مجردا يعني العالم الأوسع، ولكن لكل تونسي عازم على مواصلة النضال من أجل مستقبل تونس كمجتمع ديمقراطي مزدهر وحر يشمل الجميع. تعود تونس مرة أخرى إلى مفترق طرق التاريخ بتوطيد روابط سياسية وتجارية هامة مع الدول المجاورة والمنطقة والعالم. ترنو العيون كلها إليك يا تونس، ورجاء أصدقائك في نجاحك لا نظير له. يمكنك احتساب الولايات المتحدة من بين أقرب حلفاءك.
(ترجمة المقال حسب موقع سفارة الولايات المتحدة بتونس ).
شارك رأيك