الرئيسية » مناجاة روحانية في النفاق والجهاد الإسلاميين من أولاد أحمد وبورقيبة

مناجاة روحانية في النفاق والجهاد الإسلاميين من أولاد أحمد وبورقيبة

مناجاة بورقيبة واولاد احمد

بقلم فرحات عثمان

تزامنا مع جنازة الشاعر الصغير أولاد أحمد الذي أحبّ تونس ومات من أجلها كما مات الرئيس الأول ومؤسس الدولة التونسية الحديثة الحبيب بورقيبة، الذي كانت جنازته يوم الثامن من أبريل، لنقل هنا كلمة حق لمن لم يعد يعرف لا الحق ولا الدين وقد أصبح تجارة نافقة إلى حد الدعدشة والإرهاب الذهني.

ولعل صدقها يزداد في عيون البعض إذ بينت أن كلمة الحق هذه صادرة عن مناجاة لي من روحي الفقيدين.

مناجاة أولاد أحمد ونفاق النهضة

لقد نفق في هذا الزمن النفاق والتجارة بالدين، وغدت السياسة فيه مرتعا للشقاق ومساويء الأخلاق. فهل يُعقل في دين الإسلام أن نذكر بسوء ميّت وقد أخذه الله عنده وقرّبه منه؟ أليس هذا من التطاول على الله العلي العظيم؟

رأينا ذلك، ويا هول ما رأينا، من بعض الوجوه المنتمية لحزب يدّعي خدمة الإسلام، فما تكلّم أحد من زعمائه للتنديد بمثل هذا التصرف اللاأخلاقي، بل لم يأخذ ما تفرضه النزاهة، أي الفصل من الحزب للحفاظ على حظ ولو قليل من الجدية وحسن النية.

وطبعا، شاهدنا البعض من وجوه الحزب تناور فتحضر الجنازة للتمويه؛ فكانت في ذلك، كما قال الشاعر، تفضّل الجعجعة، التي هي في الحال هذه، التظاهر الخادع، فلا تجد عندها أي طحن!

هذا ما أسرّت لي به روح الشاعر وهو في طريقه إلى الله العلي العظيم الذي شرّفه بدعوته إلى حضرته. لذا حرصت على ذكره كديباجة فرضتها الأحداث لمناجاة سابقة لي من طرف روح أخرى، روح الزعيم بورقيبة في ذكرى وفاته السادسة عشر.

ولكن، لنقل أيضا، في مدخل آخر لما أسرّت لي به روح المجاهد الأكبر،  أن الاتصال بين الأرواح، حيّة وميّتة، لهي حق في دين الإسلام الصحيح، لا كما تتاجر به النهضة والإسلامويون.

فظاهرة تجلي الأرواح ومخاطبتها للأحياء لا تخص فقط الأرواحية، بل لها كل المشروعية في ديننا؛ وبكفي للتدليل على ذلك العودة لتراثنا، مثل كتاب الروح لابن قيّم الجوزية.

فالرؤيا حق، تماما كما هي الروح، في الإسلام، وأيضا الكتابة الآلية. لذا، ما ترددت لحظة في كتابة ما يلي، أي ما قالته لي روح الزعيم الحبيب بورقيبة في ذكرى رحيله عن هذا العالم، يوم السادس من أفريل.

مناجاة المجاهد الأكبر في الدين والدنيا  

خاطبتني نفس سي الحبيب قائلة في ذكرى وفاته:

«أنا المجاهد الأكبر، الجهادي الأصيل الذي يأخد بروح الإسلام ونصه لا كما يفعل هؤلاء الظلمة لأنفسهم ولدينهم والذين يشوّهونه بتعاطيهم للإسرائيليات التي رسبت في دين الحنيفية المسلمة متغلغلة فيه، طامسة لمعالمه وتعاليمه السمحة.

إليك وإليهم وإلى كل من يتاجر اليوم بالإسلام رسالتي الروحانية في هذه المناسبة التي لهي التحية لعودتي لأرض الوطن من عليين وقد أصبحت تونسي العزيزة في سجين.

فليس الموت نهاية، بل هو بداية لحياة جديدة متجدّدة، كلها نشاط وعزيمة وصدق وأخلاص للأفضل؛ ذلك لأن الموت ليس إلا موت البدن فحسب، بما أن الروح لا تموت أبدا، بل تبقى حية تواصل جهادها من أجل ما سعت إلى تحقيقه في حياتها الفانية.

وإن المباديء والقيم لا تفنى ما دامت النية السليمة في خدمتها؛ ويكون ذلك في حياة البدن وبعدها، بل خاصة بعدها، في وضع أفضل، ألا وهو وضعية الروح بتمام إمكاناتها إذ هي عند خروجها من البدن أكثر قوّة، لأن الروح أعظم من المادة وأقوي.

ذلك أن الروح، وإن كانت لا تُرى، تنشط وتكسب، ولا راد لفعلها وعملها الذي يتمّ بمشيئة المقادير؛ ولا حد لهذه المشيئة في زمن لولبي ليس الموت فيه إلا بداية متجددة لحياة أزلية لما لا يموت، أي الروح الزكية.»

الحبيب بورقيبة يعود لمواصلة الجهاد الأكبر !

ويواصل المجاهد الأكبر في هذه المناجاة التي شرّفني بها عن طريق ما يُعرف بالكتابة الآلية التي مارستها وأمارسها لمعرفتي بالأرواحية وتعلقي بتعاليم صوفية الحقائق. يقول سي الحبيب  أن روحه اليوم عادت إلي تونسه العزيزة مع أرواح أخرى لأنقاذ البلد مما هو فيه من بؤس وشقاء لا يستحقه أبدا، خاصة بعد تضحياته لأجله وتضحيات أنفس طاهرة ستأتي معه.

إن تونس عنده اليوم كأم جار عليها الزمن من جديد رغم ما متّعها به من حقوق؛ لذا لا بد من إنقاذها مما هي فيه، تماما كما فعل عند الاستقلال. فقد استفحلت جراحها وغدت قروحا تستلزم  المعالجة المستعلجلة لا التضميد فقط. لذلك هو يسعى لأجل استقلال جديد لتونس، يكون الخلاص من احتلال ذهني مثنى، من طرف غرب تهافتت قيمه ومن شرق غالى في الغواية.

تقول نفس سي الحبيب :

« إن شعب تونس الحبيبة ضحى معي ويضحّي لأجل الأفضل حتى تُؤنس تونس على الدوام؛ فلا بد اليوم من عودة أرواح أبنائها الزكية لتعود بلادنا لسالف عهدها، إذ كانت دوما أرض إمتاع ومؤانسة. لذا، أنا أعود ومعي أنفس زكية أخرى للجهاد الأكبر من أجل هذا الدين السمح الذي شوّهه من يدّعي كذبا ونفاق التعلّق به وهو ليس منه !

ورسالتنا لشعب تونس الأبي ولكل تونسي وطني حر تتمثّل في مواصلة جهادي الأكبر الصحيح، أي جهاد النفس الأمّارة بالسوء، خاصة عندما تتمكن من دواليب الحكم لتسعى لمصالحها الدنياوية ناسية آخرتها وواجباتها إزاء شعب تونس الزوالي.

رسالتي إذن لكل من سيجدني حذوه، وإن لم يرني، طالما صفت نيته وحسن سعيه لأجل خير هذه البلاد، رسالتي هي في نبذ الجهاد الأصغر، إذ ولّى زمانه، وتعاطي الجهاد الأكبر، تماما كما بدأت به، وكما سأحرص على مواصلته في وضعيتي الروحانية هذه. كل ذلك لأجل كرامة التونسية والتونسي وللحفاظ على تجذره الحيوي في حضارته التونسية، وهي ليست فقط عربية إسلامية، بل أيضا أمازيغية وعالمية أيضا، لأن تونس لهي البلاد العالم، أرض الاستثناء؛ فإرادة الحياة فيها حب جامح للغيرية في إناسة لا حدود لها بما أنها تمامية.

هذا هو الإبداع التونسي الذي على ساسة اليوم المبادرة تسجيده حالا دون تأخير؛ ويكون ذلك بإقرار المساواة بين الذكر والأنثى في الإرث؛ كما يكون أيضا، في خطوة ثانية مُستعجلة، بإبطال كل القوانين المخزية الموروثة عن الاحتلال وعن العهد البائد الذي أفسد كل ما أحسنت وأحكمت إتقانه، حتى تتناغم الحقوق والحريات المضمونة دستوريا مع واقع هذا الشعب الذي يتوق أبد الابدين للحياة في عز وكرامة.»

نصيحة المجاهد الأكبر لساسة البلاد

هكذا تكون مكارم الأخلاق اليوم، حسب روح المجاهد الأكبر الحبيب بورقيبة، بهذا التحدي الصريح الذي ترفعه هذه نفسه الزكية في وجه كل من أبدى نية خدمة تونس، وخاصة من ادعى الأخذ بفلسفته النضالية والسير على هدي جهاده الأكبر.

فذلك الجهاد هو الأوحد الذي بقي في الإسلام بعد اندثار الجهاد الأصيغر، أي الركون لاستعمال العنف والسلام؛ إذ الحرب لمنطق الضعفاء في دين لا يعترف بالشهادة إلا بالبقاء على قيد الحياة للإتيان بالخبر الصحيح، لا بالموت. لأن الإسلام دين الشهادة، أي التدليل على الخبر اليقين بالحجة والمثل الأسنى !

ليأخذ إذن بدعوة المجاهد الأكبر كل من يعمل لخير تونس، وليبدأ باتباع نصيحته وما ستعمل روحه وروح غيره من أبناء تونس البررة ومن خارج هذا الوطن ممن أحبه في دعته وأمنه. وهذه النصيحة هي في ضرورة المسارعة بالاصلاح القانوني دون لأي أو تردد؛ خاصة وأن المنطق والأخلاق يفرضان تصفية المنظومة القانونية من كل ما يشوبها من مفاسد قبل التصويت على قوانين جديدة لها أن تأتي بعد ذلك وفي وقتها عندما تتم تزكية تركة نظامي الديكتاتورية والاحتلال.

إن ما تعيشه تونس اليوم ليؤسس لعهد جديد؛ فالديمقراطية تهافتت وتهاوت في الغرب نفسه، وهو مهدها؛ لذلك علينا خلق ديمقراطية جديدة تكون مابعد الديمقراطية، هذا النظام الذي يفرضه زمننا، زمن ما بعد الحداثة !

ولنختم بهذه الدعوة الملحة لروح المجاهد الأكبر لساسة البلاد وقد كرّرها مرارا لشدة قيمتها عنده :

«كما فعلتُه بالنسبة لحرية المرأة عامة على الأرض التونسية، يتوجب على ساسة البلاد اليوم فرض بقية حقوقها بقوة القانون، بداية بالمساواة في الإرث. فلا يجب انتظار آليات الديمقراطية الثقيلة التي تزيدها ثقلا عقلية من يخادع باسم الديمقراطية والدين، فلا يغترف إلا من فكره المتزمت وهوسه الذكوري.»

 

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.