بقلم فرحات عثمان
من الحقوق الهامة التي لا نتكلّم عنها إلا لماما رغم أهمّيتها في حياة عادية، الحق في الجنس؛ فالجنس هو الحيوان، أي الحياة.
فكما لا حياة بلا جنس الذي به التناسل، لا أمل أيضا في حياة طبيعية لا تتغّصها المركبّات والأمراض النفسية بلا جنس، أي إشباع هذه الغريزة التي وضعها الله في خلقه، حتى تكون حياة الفرد متّزنة ومتوازنة حسب طبيعة كل شخس. فالجنس كالطعام، في فترة الماهقة خاصة؛ فهل يُعقل الإمتناع عنه أو منعه؟
مع ذلك، ولهذا تعاني مجتمعاتنا من الآفات النفسية المتعدّدة، نرى قوانيننا تتفنّن في منع الجنس؛ بل وتزيد في خورها هذا بادعاء الأخذ بالأخلاق والدين. فالإسلام ما منع قط الجنس، سواء الجنس الغالب بين الذكر والأنثى أو الشاذ، أي المثلي، إذ هو أيضا من الفطرة البشرية وإن كان بين قلة من البشر لما فيه من شيوع في المخلوقات بالطبيعة.
الحرية الجنسية من ثوابت حضارة الإسلام
إن أغلب مشاكل مجتمعاتنا الإسلامية اليوم المتّسمة بفقدانها للتوازن النفسي والصفاء الروحي، خاصة عند الشبيبة، تتأتى من انعدام التعاطي السليم للجنس مما يجعل الحياة بها جحيما باسم قوانين ظالمة ومجحفة تدعى الأخلاق والدين وليس فيها منهما نقيرا.
فلا شك أن قوانينا الجزربة في ميدان الحريات الخاصة، والجنس بصفة أخص، بما فيه الجنس المثلي، ليس مردها الدين الإسلامي بتاتا، إذ هو بريء منها؛ بل أصلها سوء الفهم لهذا الدين السمح المتسامح والتأثر بما شابه من الإسرائيليات التي تغلغلت فيه على مر الأزمنة.
فليس أكثر من دين الإسلام تفتحا على الحريات، بما فيها الحريات الجنسية، إذ لا حياء في دين الرسلام. وقد كان الجنس معروفا مقبولا زمن الرسول الأكرم، سواء في ما خص البغاء وأيضا ما كان يُسمّى بمتعة الحج. فهل أكبر من الاعتراف بالحق في الجنس من القبول به في الحج؟
كما ليس في الإسلام ما نعرفه من ذنب التعرّي في اليهودية والمسيحية. فقد تم حجه الأول بعد الفتح، في عهد الرسول الكريم، حسب العادة العربية القديمة، أي مع الحجيج طرا، نساء ورجالا، كما ولدتهم أمهاتهم. فخلافا لما سبقع، لم يكن الإسلام يعتير العري من الفاحشة؛ فهل من ذنب في ما لا يستحي الله منه وهو الذي يجمع خلقه يوم الحشر عراة؟ كيف للعبد أن يستحي مما ليس فيه أي منكر عند الله العلي العظيم في موقف مهيب كالقيامة ؟
لقد عرفت المجتمعات الإسلامية في فترة الذروة من رخاء مجتمعاتها أيام حضارة الإسلام الزاهرة كل الحريات والحقوق التي نراها اليوم بالغرب اليهودي المسيحي، فكان الحب فنا وكان الجنس مما يُتغنّى به ويُستظرف، بما فيه الجنس المثلي.
فهل تغنّت ثقافة أخرى أفضل من ثقافة الإسلام بالجنس والحب وتغزّلت بالمذكّر كما تغزّل به العرب والمسلمون بما فيهم الفقهاء، مما أدى إلى استنباط نمط كامل سُمّي يالمذكِّرات؟ وهل هناك أكبر من أبي نواس شاعرا متغزلا مثليا؟ فكيف ننكر الحق في المثلية بالبلاد الإسلامية ؟
الحق في المثلية بدين الإسلام
أُفرد القول هنا في المثلية لما فيها من اختزال لحق الجنس عامة في الإسلام، هذا الحق الذي غاب مع غياب الحضارة عن البلاد الإسلامية تحت نير الإمبريالية، فإذا القوانين اليوم ببلاد الإسلام غريبة عن الدين تمسخه في دعواها الانتماء لنصه وروحه وهما منه براء.
لقد كان للتسلّط المسيحي على العالم العربي نتيجة جد خطيرة لا نتكّلم عنها اليوم، ألا وهي تسلّط ثقافة كانت متزمّتة في نظرتها للجنس لتزمت التقاليد اليهودية المسيحية. إن هذه النظرة الخانقة للحريات الشخصية طبعت القوانين بالبلاد العربية الإسلامية بطابعها المتزّمت مما أدّى إلى تغيير الفهم المتسامح للجنس وإفساد الذوق الشعبي والتصرّفات الفردية. ففقدت هذه الأخيرة، من جراء تلك القوانين الغريبة عن الروح الإسلامية، كل ما كان يميّزها من مجون بريء وقصف حسي وعربدة إغلامية تحت وطأة الأخلاقية اليهودية المسيحية.
إن كل القوانين المتزمتة في ميدان الجنس بالبلاد العربية والتي لا تزال إلى اليوم تظلم الشباب في حقه في الجنس حسب ما أقره الله فيه من فطرة وضمنه له في دينه لهي قوانين الاحتلال المتطبعة اصطناعيا بطابع إسلامي بينمها كنهها مسيحي.
ولنأخذ على ذلك مثال الفصل 230 من القانون الجنائي المجرّم للمثلية؛ فهو كغيره من النصوص الجائرة غير إسلامي، ينتهك نصي القرآن والسنة وروحهما بظلم الناس، بينما الإسلام دين العدل. وهو يمثل خير تمثيل كل القوانين الجزرية في مادة الحياة الخصوصية غير الإسلامية، إذ وقع اعتمادها زمن الاحتلال البغيض.
نعم، لقد وقع الحرص على التعلل بالدين للتمويه وتبرير مثل تلك القوانين التي لا علاقة لها البتة بالإسلام بما أنهت تنقض نصه وتشوّه روحه. فليس هناك أي تحريم في القرآن للمثلية أو اللواط (وليس التعبير إسلاميا)، بل فقط قصصا تذكّر بالتحريم الذي كان سائدا في التوارة والأناجيل؛ ومعلوم أن الفقه الإسلامي لا يقبل بالتحريم في الإسلام إلا بنص صريح؛ فلا نص في الغرض!
كما أنه ليس في السنة الصححية، أي في ما ورد في صحيحي البخاري ومسلم أي حديث في اللواط؛ فكيف يكون أفحش الفواحش ولا حديث فيه؟
كل ما في الأمر أن الفقهاء في ذلك الزمن الغابر، ولما يبيّن العلم بعد أن المثلية فطرة وطبيعة، قاسوا على الزنى فافتعلوا ما لم يكن في الإسلام تأثّرا بما كان في اليهودية والمسيحية؛ ونحن نعلم أن معظم حملة العلم في دين الإسلام كانوا من الموالي، أي ممن لاوعيهم ومخيالهم كان مفعما بالإسرائيليات.
بذلك ظلموا الأبرياء وظلموا دين القيمة، دين الحقوق والحريات لأنه دين العدل وكلمة السواء؛ ولأنه كان سباقا لاحترام الفطرة البشرية. أفلا حان الوقت لخدمة الإسلام الصحيح بفهم يجل تعاليمه ويحترم حق المسلم في الجنس الذي أقرّه له دينه قيل غيره من سائر الأديان؟ لقد كان الإسلام حداثيا قبل الحداثة الغربية؛ أليس في إعادة فهمنا له كما بيّنا رعاية حقوقه والحفاظ على أنواره عوض مسخه، فإذا هو هذه الدعدشة الظلامية التي نرى وليست هي ممن يدعي الإسلام إلا من تبليس إبليس!
شارك رأيك