بقلم : فرحات عثمان
لقد تعدّدت استعمالاتنا للفظ الشريعة بفهم غير صحيح لا يعبّر البتة عن معناه كما ورد في القرآن – الذي يبقي مرجعنا الأوحد بلا شك – بل ما اصطلح عليه الفقهاء في زمن ولّي وغبر.
هكذا إذن غلّبنا فهما على مفاهيم أخرى يمكّن منها اللفظ بل وبفرضها؛ فما هي الشريعة في القرآن ،كيف نصحح فهمنا لها ؟
معنى الشريعة قرآنا :
إن اللفظ لا يوجد إلا مرة واحدة بالآية 18 من سورة الجاثية، وقد أتى بمعنى السبيل والنهج أو الطريق.
يقول تعالى : «ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِّنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاء الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ».
وهناك أيضا استعمالات أخرى للمفردة معرّبة وبنفس المعنى، أي اتباع الطريق أو إظهاره أو الإظهار عموما. أمثال ذلك :
– الآية 48 من سورة المائدة : «لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا »، – الآية 13 من سورة الشورى : «شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا»،
– الآية 21 من نفس السورة : «شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله»،
– الآية 163 من سورة الأعراف : «إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا».
معنى الشريعة في الإسلام :
لا شيء إذن في القرآن يحمل على اعتبار الشريعة بالمعنى المتعارف عليه اليوم، أي النظام التشريعي الذي لا محيص عنه. فليس في الإسلام أي نظام تشريعي غير أحكام القرآن في سوره وآياته االتي لا بد من الاجتهاد المتواصل والمتجدد في فهمها وتفهّمها.
ذلك لأن تثوير معاني القرآن واجب على كل مسلم لا نهاية له؛ فمن له القدرة على الادعاء معرفة حكمة الله وحقيقة كلامه؟ أليس العالم عالما ما دام يطلب العلم، فإن ظن أنه علم فقد جهل؟
لذلك أقولها لكل من ادعى معرفة الحقيقة انطلاقا مما توصل له اجتهاد غيره ممن أعمل عقله وفكره فوصل إلى رأي لا يلزمه إلا هو : لقد جهلت واعتمدت ما ليس لك الحجة على أنه الحقيقة عند الله !
فالأجتهاد هو الذي أدّى لاستنباط أحكام وقع فرضها كشريعة لا غيرها للإسلام؛ لذا، ليس لذلك الاجتهاد أي مشروعية مطلقة إسلاميا، إذ ليس هو إلا من عمل فكر البشر ولا أزليه لإجتهاد بني آدم !
فهل يُعقل اعتبار ما قاله الإمام مالك أو غيره من أصحاب المذاهب من القرآن حتى نعتبره قانونا إلاهيا ونضفي على الأحكام المستنبطة منه الأزلية التي ليست هي إلا للقرآن؟ أليس هذا الخور عينه؟
الشريعة إسلامية في الاجتهاد المستدام :
وهل من المعقول الاعتماد على الفصل مما استنبطه العقل البشري لزمن ولّى وانقضى وترك الأصل، أي القرآن، لابتداع غيره من أفضل ما يمكن استنباطه ما دام الاجتهاد من ركائز ديننا والمعين الأول بين أيدينا لا محيص عنه ؟
إن البراءة اليوم لمتوجّبة من أحكام الشريعة التي ثبت مخالفتها للحقوق والحريات التي جاء ديننا ضامنا لها، إذ ليست هي إلا من صنع البشر؛ وهي براءة مماثلة لتلك التي كانت شرعية في زمن الرسول ما دامت تحترم قاعدة الإشهار.
فلنشهر فساد كل ما فيه إخلال بمقاصد الإسلام السنيّة في الشريعة المعمول بها اليوم كعدم التساوي في الإرث أو تحريم الخمر لا السكر أو تجريم العلاقات الجنسية بين جنس واحد!
إن كل هذا وغيره ليس إلا من استنباط البشر لا من الدين الذي لم يأت فيه بحكم صريح أو أمر أو نهي أو تحريم لاستنباط غيره أخذا بمقاصد الشريعة. بل الأدهى أنه من رواسب الإسرائيليات التي تغلغلت في الدين الإسلامي فشوهت محاسنه التي هي في روحانياته وإناسته !
لقد حان الوقت لأن يقوم المسلمون اليوم بواجب البراءة من شريعة أكل عليها الدهر وشرب وقد تدعدش دينهم مما أدّى بالإسلام إلى ما نرى من الغواية! فتلك هي الشريعة لغويا ودينيا !
ليعودوا إذن إلى الفرقان لاستنباط شريعة جديدة تأخذ بنصه وروحه في تأويل جديد يكون متناسقا مع مقاصد الدين ومقتضيات عصرنا الراهن. أفليس القرآن أزلي التعاليم ؟
فهلا استنبطنا منه، وعلى هدي السنة الصحيحة – لا ما خالطها من منحول – ما يناسب زمننا باجتهاد جديد متجدد ! أم هل انعدم العقل الإسلامي إلى حد عدم القدرة على استلهام النص القرآني كما فعل السلف بنجاح لتنظيم حياتهم على الطريق الفضلى مما مكّن من حضارة كونية وحداثة سبقت الحداثة الغربية؟
شارك رأيك