تفاجئنا الكاتبة السّعوديّة رجاء عالم في روايتها”خاتم” لا فقط باختيارها لمكّة المكرّمة ميدانا لأحداثها وإنّما أيضا بانتقائها للأبطال الذين نتفاعل معهم أيّما تفاعل.
نصيب الخميسي من من أثرياء القوم كان من تجّار الرّقيق، رجل سخيّ ،كريم يفتح بيته كل جمعة للخاصّة والعامّة من أهل الجبل للافطار عنده ثمّ لمرافقته للصّلاة.
أنجب نصيب من زوجته سكينة خمس توائم ولم يتبقّ له إلا الإناث.وحتى لا يظل بلا ذكر يخلّد اسمه، تبنّى وليدا لعبد له ولأمة “فرح وبشارة” سمّي”سند”…
وهنا يمكن الجزم بأنّ اختيار هذا الاسم لم يكن اعتباطيّا و انما هو اختيار مقصود حتى يكون سندا لنصيب الخميسي الذي لم يرحم الأمراء أيّا من أبنائه.
وبعد ثلاث سنوات وضعت سكينة مولودا في كنف التستّر و الكتمان. أذكرا كان أم أنثى أم خنثى؟! ذلك ما حاولنا معرفته طوال قراءتنا للرّواية لكن دون جدوى.
كل و ما عرفناه هو أنّه سمّي”خاتم” ولعلّ هنا أيضا إشارة إلى أنّه سيكون آخر الذرية.
شبّت “خاتم” بين “سند”الخيّر الذي يحنو عليها ويلازمها ملازمة الظلّ و يدعو لها دوما الى الهداية،وهلال الذي كان يشدّها الى الغواية ويخرجها بالتالي من دنياها الهادئة النقيّة الى عالمه الجهنّمي بجرّها معه الى حيّ الحشّاشين ..
رسّم نصيب الخميسي “خاتم”و”سند” في مدرسة الشيخ “مستور” ليلّقّنهما علوم الظّاهر،غير أنّ سند” استهوته الحجارة الكريمة فالتحق، بشيخ الجواهريّة”علي” بينما مالت “خاتم” الى تعلّم العزف على العود على يدي”زرياب” الحلبيّة، بديرة عساس حيث تتواجد نساء من أوطان مختلفة مثل تركيا والهند ومصر والمغرب.
لم يعد بوسع “خاتم” التنازل عن ذلك الكمال الذي صارت تبلّغه بالموسيقى.وهي تغني :
“عند الوقت ويلاه
ضيّعت أنا روحي
يا أهل الحرم بالله
ردّوا علي و روحي”
وبما انّ أحداث هذه الروية قد حدثت في زمن كثرت فيه الاضطراب والفتن فإنّه سرعان ما اضطربت الحال اذ وثب أمير على الأمير القائم فأطاح به لكن المخلوع لم يلبث ان عاد وقام الأنصار بقتل الذين أطاحوا به..وراح الجنود يقتحمون البيوت فيفتّشونها بدقّة ثم يقضون على الذكور.ولم تسلم لا دارنصيب ولا سكّانها من بطشهم.
نهاية الرواية كانت صدمة وفاجعة،وقد نجحت الكاتبة وبامتياز في حبك أدق تفاصيلها.. تنتهي الرواية على مشهد جسد “خاتم” المسجى على جسد هلال وكانهما في عناق ابديّ كما أرادا دوما.
خاتم التي لم تكن سوى ذكر حاول والده نصيب الخميسي حمايته،لكنه لم يوفّق.
رواية بديعة، وردت في اسلوب رشيق أسلوب رشيق تسوده المخاتلة والتّشويق. وقد نجحت رجاء والى حد كبير في وصف أدقّ التفاصيل. حتى أننا أحسسنا بمدى قربنا من الشخصيات.وفي الختام هل يمكننا القول أن اختيار الكاتبة لتلك الأحداث مردّه وضع الأنثى بالسعودية في وقتنا الرّاهن اذ وقع تجريدها من أبسط حقوقها ومنعها من سياقة السيارات او ايضا تضييق الخناق عليها عند تواجدها في الأماكن العامة من دون حجاب أو نقاب؟!
يذكر أن رجاء عالم من أبرز وجوه الجيل الجديد من الروائيات السعوديات، وتتميز رواياتها برمزية صوفية وفق رؤية كونية مفتوحة.وصدر للروائية السعودية 14 رواية أبرزها “خاتم” و”ستر” و”طوق الحمام” التي نالت عنها جائزة البوكر لعام 2011.
نائلة عبيد الزّنطور
شارك رأيك