بقلم فرحات عثمان
سيدي الشيخ،
إن الإسلام كلمة سواء، وهي في قول الحق ولو على النفس؛ والحق في دين القيّمة بخصوص موضوع الساعة، أي المثلية، أنه لا تحريم في الإسلام، إذ لا حكم في الغرض، بينما الثابت أنه لا حرام في الفقه الإسلامي إلا بحكم صريح.
كما أنه ليس في اللواط أي حديث صحيح، لا في البخاري ولا في مسلم؛ فكل ما يُذكر في الموضوع من المنحول، إذ لم يصح أي شيء عن الرسول الكريم بشهادة جلة من الفقهاء.
المسلم لا يخلف الوعد
لقد اعترفتَ، يا شيخنا، بحق التونسي المثلي في حرية حياته الخصوصية؛ إلا أنك قلتَ ذلك خارج أرض الوطن، ثم تجاهلت كلامك داخل البلد ونسيت وعدك في إبطال الفصل 230 جنائي. بذلك أخلفت الوعد ثم سكتّ عن مظالم فاحشة هي أفحش من الفحش المفترض للعلاقات الجنسية بين شخصين من جنس واحد.
إن الإسلام يقدّس حرمة الذات البشرية والحياة الخصوصية؛ لذا ما حرّم طبيعة وضعها بنفسه في البعض من خلقه. بل كان سبّاقا للاعتراف بالحقوق الطبيعية للبشر، وذلك حتى قبل العلم الذي ما اعترف بحق المثليين تامة إلا في تسعينات القرن الماضي.
هلاّ حان الوقت إذن لأن تحقق وعدك وآن الأوان لتقول كلمة السواء في تونس وتبيّن للناس ممن جهل دينه فظلمه أن الإسلام ما جرّم وما حرّم ما لم يفرضه على المؤمنين إلا فقهاء أخذوا بالإسرائيليات التي داخلت الإسلام فشوهت تعاليمه السمحة؟
فهؤلاء الفقهاء، كجل حملة العلم في الإسلام، كانوا من الموالي، وكان متخيّلهم ولاوعيهم مشبعا بدين اليهودية خاصة؛ فحرّموا ما لم يحرّمه الإسلام، مستنبطين التحريم من الزنا، ولا علاقة بينهما.
قبول المثلي هو القبول بكل آخر مختلف
لعلك تقول أن هذا الموضوع ليس مهما نظرا لحالة البلاد؛ وأردّ على هذا أنه بالعكس من أهم المواضيع، إذ في رفض المثلي، الذي يختزل كل مختلف، رفض قبول الآخر باختلافاته؛ ولا شك أننا بقبول المختلف نحقق القفزة النوعية اللازمة للعيش المشترك الذي نبتغيه.
وهذا من المتحتّم خاصة وأن رفض المثلية، رغم أنها حالة معروفة في مجتمعنا تُمارس في الخفاء، ليس مأتاها إلا المعتقد الخاطيء الذي يتوجب إصلاحه في أنها تنتهك مباديء الإسلام؛ وهذا من واجبات المسلم الذي حسن إسلامه.
فيكفي التذكير بفساد مقولة انتهاك المثلية للدين الصحيح حتى نرى قبول التونسي بكل مختلف، بما فيه المثلي، نظرا لسماحة طبيعته وتفتحها ونظرته أيضا للجنس الذي هو عنده تمامي، ليس فيه اختلاف بين الأجناس، كتلك التفصيلات التي فرضها الغرب جزافا.
فالقبول بظلم المثليين ليس مأتاه إلا تفسير القرآن تفسيرا ماضويا عتيقا ينتهك لا الإسلام فقط، بل الدستور وحق التونسي في حياة أمن وسلام، سالمة وسليمة !
ألم يحن الوقت في بلدنا للمرور بالحنفية المسلمة من عتاقة الإسرائيليات إلى الأصالة الإسلامية، ومن الظلامية إلى التنويرية، بما أن الدين خاتم الرسالة الإلاهية هو الثورة العقلية – أو لا يكون – على كل ما تحجّر في الذهن البشري؟
لقد كان الإسلام كذلك زمن الرسول الأكرم باحترامه لفطرة أرادها الله في بعض البشر، فطرة المثلية. ثم ليست هي إلا مما ميّز ويميّز الجنس العربي الذي كان ولا يزال تماميا، كما هو في الطبيعة، أي لا يفرّق بين الأجناس. وهو كذلك إلى الآن في المجتمع التونسي كما أسلفت.
إبطال الفصل 230 في اليوم العالمي لمناهضة كراهة المثلية
إننا في زمن لخبطة قيمية وجاهلية محدقة تدعدش فيها الإسلام، وإن العراقة الإسلامية اليوم، أكثر من أي زمن مضى، لهي في تقانة فكرية وأخلاقية عالية الكعب. فهي لا تكون في عصر الحقوق والحريات إلا بمحو المفهوم الإسرائيلي الخاطيء الدخيل في حق المثليين المشروع في الحياة في أمن ودعة تحت ظلال الإسلام الوارفة.
وهذا اليوم العالمي لمناهضة كراهة المثلية يُظلنا في السابع عشر من مايو؛ فليكن الفرصة السانحة لبيان تعلّقكم بالإسلام التنويري السمح بالإذن لحزبكم في عرض مشروع القانون في إبطال تجريم المثلية الذي عرضته على مكتبه للمبادرات التشريعية بمجلس نواب الشعب* ثم دعوت إليه في نداء علني.**
مع العلم أني خصصت للموضوع مقالات عدة وكتبا ثلاثة، منها بحثا في نطاق سلسلة في تجديد العروة الوثقى بعنوان «حقيقة اللواط في الإسلام» يسعدني أن قدم نسخة منه لكم إذا وددتم ذلك.
وليكن في علمك أن مشروع القانون المعروض، رغم توازنه، لا يلاقي من العلمانيين أي حظ لمجرّد ذكره للدين؛ فهلا كانت الجرأة منك، يا سيدي الشيخ، لتكون أذكى منهم، وأشد تعلقا بالإسلام من السلفيين، وأكثر وطنية من الجميع بالدعوة رسميا إلى إبطال الموروث المخزي من أخلاقية المستعمر المتمثّل في الفصل 230 جنائي؟ بذلك تبيّن حقا أن الإسلام سلام وأنه كذلك لخلق الله طرا.
ليكن إذن هذا الخلاص لبلدنا من فاحشة تجريم المثلية في اليوم العالمي لمناهضة كراهة المثلية! بذلك تكون حضرتك بحق متقمصة للاستثناء التونسي، مدللة أن لا خير لتونس بدون إسلامييّها، إذ لهم الجرأة المنعدمة عند من يدّعي التعلق بالديمقراطية، ممن أنعتهم بالسلفية المدنية !
*رسالة مفتوحة للكاتب فرحات عثمان
*مشروعا قانون لمكتب المبادرات التشريعية للنهضة
**نداء لإبطال كراهة المثلية في تونس بمناسبة اليوم العالمي في 17 مايو (بالفرنسية)
شارك رأيك