تزخر المكتبة التونسية بالعديد من الروايات الممتازة التي تصور الواقع التونسي و تنقده من خلال حبكة قصصية سلسة ,و من بين هذه الروايات نجد رواية “جبل العنز”.
هذه الرواية و رغم قصرها غنية بكثرة معانيها وتسارع أحداثها.و تبدأ هذه القصة أحداثها حين. يغادر أحد الفتيان مسقط رأسه “العلا” للتّدريس ب” جبل العنز” .
اسم هذه المنطقة يتضمّن أكثر من معنى وهو اسم خيالي لا وجود له على الخارطة. و قد قدمها الكاتب كقرية معزولة عن الحضارة،يصعب الوصول إليها حيث يربطها بالعالم طريق وعرة لا تخلو من المشاق.
ويقتات أهل هذه القرية من زراعة البطاطا وتربية الماعزو تتسارع الاحداث و يلتقي الفتى باسماعيل وهو حفيد رجل ثوريّ مات مذبوحا في أرض غامضة،إضافة الى كونه كان ممثّلا للحكومة “أنا الذي يمثّل الحكومة”, ومن هنا يولد الصراع بين الشخصيّتين, فالفتى جاء لينير العقول،فيما يتشبّث اسماعيل بالزّعامة التي قد يخسرها بحضور هذا الفتى الغريب عن القرية.
صراع يمتدّ ليبدأ بالتّنبيه والتّهديد وينتهي إلى الفصل من العمل إثر رفع العديد من التقارير.هي مخططات و تضارب مصالح بين العلم و السلطة الجائرة.
لماذا كل ذاك الخوف من فتى تسلّح بالعلم وبالشّهائد لينير العقول؟ وهل كان الفتى فعلا خطرا على”النّظام؟!!!”
وحتى لا يخذل الفتى عائلته التي تعيش في شظف،قرّر المكوث في القرية.أما اسماعيل ،فقد تواصلت حياته وكان لا يخرج إلاّ في المناسبات الرسمية ليحيي الأهالي باسم الحكومة.ولقد تغيير حال هذا الأخير خلال سنة فأضاف ثلاث غرف لبيته وأثّثها بأثاث فاخر لم يعتد عليه سكان القرية،ثم سلّح عمّال البناء وأعلن أن الحكومة عيّنتهم حرّاسا في “جبل العنز’ صار الحرّاس يعوّضون اسماعيل في العديد من الأعمال كتسجيل المواليد الجدد وتهيئة الاجتماعات وشراء البطاطا. وتتواصل حياة الفتى في القرية فيحتدّ صراعه الدّاخلي ويتمكّن منه اليأس..تقرر الحكومة بناء بوّابة كبيرة فيزداد انطواء الفتى خصوصا بعدما بلغه أن اسماعيل سينتخب نائبا في البرلمان.و في يوم من الايام, فوجئت القرية بحضور فرقة من أشهر الفرق لاجراء حفل كبير وفي السّهرة تعالت الأصوات”عاش اسماعيل…عاش اسماعيل”. ليلتها قرر الفتى قتل ذلك الطّاغية فتسلّح بسكّين ولحقه به الى مسكنه ثم انقضّ عليه وبذلك خلّص نفسه من صراع طويل.
هو.صراع “رجل الحكم ورجل الفكر. ولعل من خلال هذه الأحداث،أراد الكاتب ان يشير إلى وضع تونس وبالتحديد الى ظاهرة كتابة التقارير التي تفشّت والتي كانت أداة للتّرهيب والقمع،و أيضا إلى جبروت حاكمها الذي أرا د زرع أفكاره في شعبه،وكل من يتجرّأ عليه يكون مآله التعذيب والتّنكيل. قتل الفتى لاسماعيل هو قتل ” الرّمز للرّمز”..هو انتصار على الظلم والغطرسة،هو التّوق إلى الحريّة. “جبل العنز”رواية تحتاج اكثر من قراءة حتى نفكّ كلّ رموزها ونفهم كل ايحاءاتها.
هذه الرواية كتبها الأستاذ الحبيب السّالمي, وهو أساذ مبرّز في اللّغة والآداب.زاول دراسته بجامعة السربون.له العديد من القصص والرّوايات التي ترجمت إلى عدة لغات. تحصّل الأستاذ الحبيب السّالمي على جوائز عدّة كان آخرها جائزة “ميتروبوليس بلو” في كندا.
نائلة عبيد
شارك رأيك