اهتمّ العديد من الأدباء في كتاباتهم بنقل الواقع من خلال تسليطهم الضّوء على الحياة اليوميّة للمواطنين. ومن ضمن هؤلاء الأدباء الرّوائيّ والقاصّ والباحث في مجال الأدب عبّاس سليمان.
وقد عوّدنا عباس سليمان بأسلوبه الشّيّق والرّاقي وبمخاتلاته الرّشيقة الّتي تشدّ القارئ. وكما تعرّض أديبنا في روايته ” جحيم في الجنّة ” إلى المعاناة اليوميّة لنادلات الحانات ها هو يتعرّض في مجموعته القصصيّة ” أنا آسف جدّا ” إلى العديد من المشاكل و العقبات الّتي يجابهها المواطن يوميّا . ويبدو جليّا ومن خلال قراءتي للمجموعة القصصيّة تأثّر عبّاس سليمان بما آلت إليه الأوضاع بعد الثّورة . فـــفي قصّة ” وزير بخمسة دنانير ” يذكر وبأسلوب نقديّ ساخر كيف يتحوّل عضو بمجلس إلى وزير بجرّة قلم، وزير لم يعد من ضمن أولويّاته همّ المواطن ومعاناته بقدر ما صار يهمّه عيشه الرّغد و الامتيازات الّتي يتمتّع بها والّتي يدافع عنها بكلّ شراسة. ولم يفت أديبنا التّعرّض إلى موضوع التّشغيل الّذي بات مشكلا معقدا وعويصا لم توفّق الحكومات المتتالية في حلّه والّذي انعكس بالتّالي على الشّباب الّذي سكنه اليأس والقنوط فسقط ضحيّة في عمليّات تحيّل كما في ” في ذمّة الله ” أو تحوّل إلى فريسة سهلة ” لتجّار الدّين ” الّذين يعدونه بالمال الوفير و بالـ ” حور العين ” ليجد نفسه في آخر المطاف إرهابيّا مطاردا يبعث الرّعــــــــب والهلع في قلوب الآمنين كما في قصّة ” أنا والشّــــــــرطيّ واللّيل ” . وإلى جانب مشكلة المعطّلين عن العمل تعرّض الأديب إلى مشكلة استغلال أصحاب السّلطة والجاه للـــعاملات وعدم مبالاة الحكومة بوضعهنّ المأساويّ الموجع “. كما عرّج أديبنا في ” يوم تأنّقت ” إلى تفشّي ظاهرة الاعتصامات والوقفات الاحتجاجيّة الّتي اجتاحت البلد في ظلّ تعيينات عشوائيّة لمسؤولين يجهلون طبيعة المهامّ المناطة بعهدتهم في مرحلة انتقالّيّة صعبة حسّاسة لبلد يعيش وضعا هشّا على كامل المستويات.
ولم يغفل الأديب عبّاس سليمان عن التعرّض إلى تفاقم ظاهرة الغشّ من خلال قصّتيْ :”منذ متى؟” و”أنا ومشغّلتي” و إلى هيمنة الإنترنت واكتساحها البيوت متسبّبة بذلك في انعدام التّواصل بين أفراد الأسرة وبالتّالي في تفكّك الأسر لترتفع حالات الطّلاق. “أنا آسف جدّا” مجموعة قصصيّة صوّرت وبأسلوب نقدي ساخر وذكيّ وبلغة سلسة راقية ،سهلة في ظاهرها ،عميقة في باطنها باكتناز معانيها وباستعمال الأديب الوصف تارة والإيحاء طورا،المشاكل والصّعوبات الّتي يعيشها المواطن الّذي صار عاجزا على تغطية مصاريفه اليوميّة حتّى البسيط منها لارتفاع الأسعار من جهة و لتدهور المقدرة الشّرائيّة من جهة أخرى، فصار الفرد يبحث له عن مخرج يقيه الفاقة والخصاصة حتّى ولو بطرق غير شرعيّة منقادا وراء مقولة :”الغاية تبرّر الوسيلة” كالانخراط في الإرهاب والبحث عن الكنوز والتّهريب. “أنا آسف جدّا” قصص تعكس الواقع التونسي المعاش،هي صرخة مثقّف آلمه وضع بلده ودعوة صريحة منه إلى المسؤولين حتّى يضطلعوا بمهامّهم دون السّقوط في اللّغة الخشبيّة الهدّامة أو اعتلاء المنابر المفبركة والاعتراف بمن قدّم نفسه فداء لهذا الوطن العزيز. وتعتبر قصّة عقيل في ” أنا آسف جدّا” درسا في الفداء والتّضحية والعطاء اللاّمحدود. فهل هي دعوة من عبّاس سليمان إلى الوقوف صفّا واحدا لمجابهة الإرهاب الّذي يحاول زرع ثقافة الموت في حين يروّج المثقّف إلى ثقافة الحياة ؟ ثمّ ماذا سيكون موقف “عقيل ” إذا ما علم بأمر إسقاط كلّ من الفصلين 4 و5 القاضي أحدهما بإيقاف جراية الأمني الأعزب عند استشهاده ؟ǃ “أنا آسف جدّا” مجموعة قصصيّة استطاعت أن تشدّ القرّاء والنقّاد وتتحصّل بالتّالي على جائزة “نادي القصّة ” لسنة 2015.
” نائلة عبيد/ أديبة وشاعرة/ كاتب عام اتّحاد الكتّاب التونسيين- فرع سوسة
شارك رأيك