تسارع نسق الكتابة بعد ما عرف ب”الثّورة” فتعددت المنشورات في كلّ الأنماط وبكلّ الأنواع. وقد اتّسمت جلّ تلك الكتابات بتصوير الواقع التّونسي بما فيه من إرهاصات وهزّات. وهنا تتنزّل رواية “لافيات” الّتي تتكوّن من مجموعة بناءات سرديّة مستقلّة تناسجت فيما بينها. وقد اختزلت الرّوائيّة الواقع المعاش في أربع شخصيّات محوريّة هي: أمينة، فاطمة، راضية ويسر.جمعت بين الفتيات الأربعة أشياء مشتركة فهنّ من مجتمع ريفيّ ذكوريّ وأغلبهنّ مثقّفات وخرّيجات جامعة معطّلات عن العمل ويعشن وضعيّة اجتماعيّة صعبة. ومن خلال ما تعرّضت إليه الفتيات من مشاكل حياتيّة وتحرّشات حاولت الرّوائيّة تسليط الضّوء على مكامن الدّاء في المجتمع التّونسيّ من ذلك تجارة الرّقيق الأبيض الّتي كان يسيطر عليها الفرجاني واستفحال ظاهرة الفساد المالي من خلال شخصيّة أبو فايد. وأيضا انتشار الفساد الأخلاقي في شخص وفاء الّتي تحيّلت على أمينة ويسر وسهّلت بالتّالي عمليّتي اغتصابهما ليؤول الأمر إلى قتل أمينة للفرجاني بغرس أسنانها فيه وقتل يسر لمغتصبها بغرس نصل طويل في نخاعه.
ولم تكن نهاية راضية وفاطمة أفضل منهما إذ لفّ حياتهما الظّلام والكدر. وقد كان لرؤية الأعلام السّوداء الّتي ارتفعت في شارع الحبيب بورقيبة وكثرة اللّحى التي انتشرت الأثر العميق على نفسيّة فاطمة “ّلم تكن هذه تونس الّتي تعرفها…لم يكن هذا المشهد يحدث في شوارعها منذ ثلاث سنوات خلت ولا تلك كانت الشّعارات الّتي سمعتها في المسيرات العديدة الّتي شاركت فيها لمّا كانت طالبة ” ولمزيد التّصعيد، يقتل المحامي عبد النّاصر على يد قاتل مأجور هو رافع السّاحلي. وبقتله يخرس صوت الحقّ . فعبد النّاصر كان الصّوت الحقيقيّ للثّورة لذلك عشقته يسر وهي الثّوريّة العاشقة للحريّة .والاسم هنا لم يكن اعتباطيّا بما أن الرّوائيّة هي ناصريّة وبامتياز. نهاية مأساويّة لمن حلم ب”ربيع عربيّ” بتونس الغد، ولمن حلم بحياة مترفة تحلّق به إلى عالم المجد والشّهرة. ومع كلّ هذه القتامة ، كان العود يخترق صخب الجريمة ليظلّ بذلك رمزا للتّفاؤل وانتصارا على سماسرة السّياسة والمال المشبوه ” يستحقّ هذا العازف لقب نوبل للسّلام” “لافيات” أرادتها الرّوائيّة هند الزّيادي الحاصلة على الإجازة في الأدب العربي والماجستير في الفنون المرئيّة من المعهد العالي للفنون الجميلة بسوسة، أن تكون مرآة تعكس الواقع التّونسي بكلّ هنّاته إبّان “الرّبيع الكاذب” الّذي لم يكن إلاّ “ثورة ” استطاع السّماسرة وتجّار الدّين الرّكوب عليها.
نائلة عبيد الزّنطور
شاعرة وأديبة كاتب عام اتّحاد الكتّاب التونسيين فرع سوسة
شارك رأيك