يكتبها فرحات عثمان
رغم صغر سن مجتمعنا عموما، لقد بدأ يهرم؛ فهو من بين أسن المجتمعات الإفريقية؛ إلا أنه يهرم بصفة غير صحية، إذ تكاثرت فيه حالات الشيخوخة المبكرّة غير العادية، الخرف المسمّى اليوم الألزهايمر.
لعل هذا الهرم بما فيه من إشكال ومشاكل يمثّل التداعيات المحتومة لكل ما يعانيه الشباب في بلدنا من قهر وظلم من طرف السلط والقوانين الجائرة التي تمنع نموه الصحي وحياة له آمنة وفي دعة. إذ من المرجّح أن يكون سبب الألزهايمر، حسب أحدث البحوث العلمية، يتأتّى من انعدام السلامة في النمو.
ظاهرة الألزهايمر ببلادنا
حسب البعض من آخر الإحصائيات التونسية، إن الفئات الناشطة، التي يمثّل معدل العمر فيها بين 15 و 52 سنة والتي نسبتها ما يقارب السبعين المائة، بدأت تهرم بصفة غير مرضية، خاصة في ما يقارب المليون الأكبر سنا. ويُعتقد أن 10 بالمائة من المسنّين فيهم ما يقارب 4 بالمائة ممن يعاني من الخرف؛ مع العلم أن تطور الظاهرة جد مفزع، إذ تتوقع الجهات المسؤولة أن يمر معدل 0,135 بالمائة لسنة 1985 إلى 17,7 سنة 2029.
ظاهرة الألزهايمر هي إذن المؤشر الكبار لذاك الهرم المرضي؛ مع العلم أن التوجهات العلمية الحالية تبيّن أن الألزهايمر ليس مرضا بل، في أقصى الحالات، شبه مرض خلقته الصناعة الصيدلية في ظروف سنبّينها. لذلك، أصبح من الأكيد المتأكد عدم تجاهل تلك الحقيقة في هذه الفترة بالذات التي نرى فيها هجمة شرسة لرأس المال المتوحش على بلدنا، في جميع الميادين، بما فيها الصحية.
وهي، في هذا الميدان الحساس، تتمثل في بعث مصحات مختصة في الألزهايمر وما شابهه من أمراض الشيخوخة والإشهار لها وللتطبيب الكيميائي، حاملة الناس على ترك عاداتنا الصحية في رعاية المسن في داره، بين أهله وبدون دواء، لتسميمه بالعقاقير التي ثبت أنها لا تنفع إلا من يروجها، أو لارتياد المصحات المختصة.
لنبيّن بادى ذي بدء أننا لا نتكلم جزافا، إذ نعتمد في ذلك على مصنف أكبر عالم مختص أمريكي نذكره بالهامش، الذي عنونه بكل بساطة أسطورة مرض الألز هايمر. ثم، كما نعلم، إن أفضل الطب هو الممارسة؛ وقد رافق كاتب المقالة والدته خمس عشرة سنة تقريبا في معاناتها، فعرف حقيقة الخرف وطريقة معالجته الفضلى. وقد كتب في ذلك بالفرنسية والعربية وخصص لهذا الخرف موقعا بالعالم الإفتراضي.
إننا إذ نذكر كل هذا، فمن باب الإفادة لا غير نظرا لما في الموضوع من حساسية وضرورة للإعلام النزيه في زمن كثرت فيه التجارة الرخيصة بكل شيء، ما دامت طالت المقدسات وأولها الدين الذي ابتُذل إلى حد كبير بالتزمت والنفاق.
نقول هذا بعد إشراف رئيس الحكومة، في اليوم السادس من رمضان، على تدشين مؤسسة جديدة لرعاية المسنين. وكما بينّ السيد الحبيب الصيد، لا بد من توفّر ما عاينه بالمركز من تجهيزات ومرافق حديثة من شأنها توفير الراحة للمسنّين المقيمين بالمركز وتسهيل الحياة لهم.
إلا أنه من الواجب الأخلاقي لفت الانتباء إلى أن الإقامة بمثل هذه المصحات والمراكز لا يجب السعى إليها إلا في الحالة القصوى، أي عند انعدام الفرصة للأهل والأقارب للعناية بذويهم في ديارهم؛ فالمسن كالشجرة التي إذا أخرجتها من محيطها المعتاد فقلعتها من تيربها وابتغيت غرسها في تربة أخرى تموت غالبا.
إن أفضل قيم التآزر والتضامن اليوم هي في التشجيع على الحفاظ على ما يميّز مجتمعنا من احترام لمسنّيه والالتفاف حولهم، مع كل التقدير لهم والاحترام الذي يميّز مجتمعنا. فلا يجب أن تفرقع كل هذه الحسنات عندنا التصرفاتُ الجديدة المتسربلة برداء التقدمية الآتية من مجتمعات غربية انفصمت فيها الشخصيات بانقطاع العلاقة بين الصغير والكبير؛ فلمّا يحدث هذا بعد عندنا، ولا يجب التفويت في عاداتنا في هذا الميدان!
الألزهايمر ليس مرضا بل مجرد خرف
هذا ما يمكن قوله حسب أحدث توجه علمي في الميدان، الذي مثّل ثورة في التعامل مع هذه الظاهرة المثيرة للشيخوخة المبكرة للدماغ. فهي العودة إلى ما عرفناه في مجتمعاتنا حيث لم نكن نعتبر قط الخرف مرضا.
إن أحدث الاكتشافات العلمية اليوم تدعو المجتمعات الغربية للعودة للأخذ بما طرحته جانبا، أي هذا الذي لا نزال نعمل به في مجتمعاتنا، وإن بدأ في التقلص نظرا للرغبة الجامحة في محاكاة الغرب، مما يجعلنا نحاول معالجة الألزهايمر بالعقاقير بينما نحن لا نفعل إلا تسميم من نريد مداواته.
النصيحة عند من يعرف حقيقة الألزهايمر هي الحذر، كل الحذر من دواء الحالة والامتناع عن إعطائه لمن خرف، إذ الدواء هو الذي يجعل من الخرف مرضا لا حالة الخرف في حد ذاتها، وهي طبيعية لهرم الدماغ، وإن كان مبكرا، لأسباب لا يعرفها العلم اليوم.
إننا اليوم نعلم حق العلم أن الألزهايمر لم يصبح مرضا إلا لأسباب مادية نشير إليها لاحقا، إذ ليس في أعراض هذه الحالة من المواصفات ما يمكّن من اعتبارها مرضا قائم الذات. فلقد صُنّفت مرضية بما أنها تتمثل في اختلال بدني للإنسان على مستوى مخه وخلاياه الذهنيه مما يؤدي به إلي شيخوخة مبكّرة وهرم غير عادي قبل الأوان يبدأ بفقدان الذاكرة لينتهي بحالة مكربة من فقدان كل ما يميّز البشرية، إذ يغدو في هوان مقيت.
ورغم المعروف الشائع عن هذا الذي يُدعى مرض النسيان أنه لا دواء له، فنحن نسارع لإعطاء من وقع تصنيفه في خانة هذا المرض ما من شأنه تسميمه وذلك لاعتقادنا أننا نمنع المرض من التطور بسرعة.
في نفس الوقت، ننقص قيمة الذات البشرية عنده، سواء في أعيننا، إذ يصبح بشرا منقوص المؤهلات، أو في عين المريض نفسه ونظرته لنفسه، إذ هو يشعر تمام الشعور بذلك النقص فينطوي على نفسه ويتصرف كما تفرض عليه أحواله الجديدة. عندها تراه يتصرّف لا كما تقتضيه طبيعته وتمكّنه من ذلك، بما فيها من مؤهلات، بل لاعتقاده بمرضه مما يجعله يتركها جانبا أو يتجاهلها، فتتلاشى حتما وتنمحي فيصبح حقا مريضا.
هنا بيت القصيد؛ إذ أن مريضنا، حتى وإن لم يكن حقا بالمريض، يصبح قسرا ذاك المريض بحكم ضرورة تناول ما يجب أخذه من عقاقير تزيد في تنامي حالته المرضية أو تعكرها بما لا فائدة منه وهي أصلا صحيحة.
فلنتذكر كيف كان أجدادنا يتعاملون مع من يفقد ذاكرته من شيوخنا. لقد كانوا يحافظون على إنسانيتهم أشد المحافظة، فيواصلون الحياة بصفة طبيعة دون دواء ولا سموم، فلا هم مرضى ولا هم بالفاقدين لقيمة ذاتهم البشرية. لقد كانوا فقط من أضاع الذاكرة لأجل الشيخوخة أو الخرف، لا غير.
هكذا كان يعامل أجدادنا من نسِمه اليوم بمريض الألزهايمر ولم نعد نفعل فعلهم رغم أننا لسنا حيال مرض حقيقي، بل شبه مرض حيكت حوله أسطورة. فالألزهايمر ليس إلا شبه مرض، إذ لا يمكن اعتبار التطور غير العادي للمخ مرضا وإلا لزم الاعتقاد أيضا في إمكانية محو الشيخوخة من قدر الإنسان !
موقف العلم اليوم من الألزهايمر
أحدث موقف علمي حاليا في حالة الألزهايمر يبيّن ضرورة العودة إلى التقاليد التي أثبتت الأيام صحتها، حيث كان الخرف يعامل كظاهرة طبيعية عادية لا تقتضي إلا وسع البال والقبول بما قدّر الله وأراد، وهل من رادٍ لحكمه؟ سنة الحياة في الشيخوخة كمآل الإنسان في التدني إلى حال سيئة، وإن كان هذا سابقا لأوانه، مع تفاقم النسيان وفقدان العديد من المهارات البشرية المعهودة أيام الصحة.
تلك هي النظرة العلمية الجديدة لحالة ما يُسمّى بمرض الألزهايمر في نوعيتها وصفتها المجرّدة قبل أن تصبح مرضا مركبا فتتعقّد الحالة وتتأزم الأمور. نحن هنا أمام حالة عادية لشيخوخة غير عادية ستصبح حالة غير عادية لشيخوخة غير عادية.
ذلك لأن الحالة الأولى غير مرَضِية بينما الحالة الثانية مرَضِية. وما يجب لفت الانتباه إليه هنا هو أن مثل هذه الحالة ما أصبحت مرضية إلا حينما وصفناها بالمرض، فادّعينا العمل على شفائها.
إنه من المتفق عليه عند المختصّين أنه لا علاج لما يسمّى بمرض ألزهايمر، وأن الدواء الذي يُعطى لمن أصيب به ليس هدفه إلا التقليص من سرعة تطور الإصابة التي لا يمكن اليوم الحد من نموها المطرد من سيء إلى أسوأ. هذه النــظرة الرسمية ليست صحيحة تماما؛ ذلك لأن الدواء الذي يُعالج به الألزهايمر ليس فقط عديم الجدوى بل ولافائدة فيه، إذ كله مضرة.
فإذا عرفنا حقيقة وهم الألزهايمر الذي فرضته المصالح المادية فجعلت منه مرضا قائم الذات رغم انعدام المواصفات العلمية لذلك، كما نبيّنه بالتفصيل في ما يلي، من المتحتّم علينا عدم تجاهل التوجهات العلمية الحديثة التي ترى في الألزهايمر مجرد شيخوخة مبكرة غير عادية، أي ما نسمّيه في ثقافتنا الشرقية بالخرف.
ليس إذن مريضا من خرف رغم فقده لذاكرته لأسباب لا يعرفها العلم بصفة قطعية. لذا بإمكانه، بل من الضروري، مواصلة حياته بين ذويه كما اعتاد في مجتمعاتنا. أما إذا سارعنا إلى الدواء، فكأننا ألقمناه السم وأدخلناه نفق الموت.
تلك هي النظرة العلمية الجريئة التي تقاوم استغلال شبه مرض ألزهامير من طرف الصناعة الصيدلية. إنها تدعو إلى التشبث بعادات مجتمعاتنا، أو العودة إليها، هذه التقاليد الذي لا يفقد فيها الشيخ المصاب قيمته البشرية ومكانته بين ذويه وفي محيطه الاجتماعي، محاطا بوافر العطف وبالغ المحبة والتبجيل في نطاق رعايته بما أسميه المعالجة بالقبل Bécothérapie وتنمية الأحاسيس؛ فهذا أفضل علاج لمعضلة الشيخوخة المبكرة.
تفاصيل نشأة أسطورة مرض الألزهايمر
نشأة وهم مرض ألزهايمر تبيّن أنه خدعة علمية باهرة لعب فيها المال بقوة لما له من نفوذ جعلنا نمرّ من حالة غير مرَضِية كانت تُعد عاديّة أو شبه عاديّة، لما تختص به من نقص في المهارات البشرية المعتادة، إلى هذه الحالة المرضية المرعبة.
كان الألزهايمر يُعرف بالخرف، أي مجرد حالة شاذة للشيخوخة يكثر فيها النسيان وبعض حالات الهلوسة، ولكن لا شيء غير ذلك. ثم نشأ وهم مرض ألزهايمر حين عاين ألويس ألزهايمر وشخّص مثل هذه الحالة سنة 1910. وكانت النشأة حقيقة من فعل مشغّله في المصحة الملوكية بميونيخ للطب العقلي، أميل كرابلن Emil karepelin ، وهو اختصاصي مشهور في الأمراض العقلية. تم هذا في نطاق طبعة تلك السنة لكتابه الوجيز في طب الأمراض العقلية الذي كان يُعد من المراجع القيّمة نظرا للمستوى العلمي السامي لمؤلفه.
مع العلم أن هذا الاختصاصي قال بصريح العبارة : «إن التأويل السريري لمرض ألزهايمر لا يزال حاليا غير واضح المعالم»؛ مع ذلك فقد تجر أ على تسمية حالة لم تتضح بعد معالمها مرضا، فكتب : «رغم أن التحريات التشريحية تشير أننا حيال حالة خطيرة من العته الشيخوخي، فأمر ظهور المرض من حين لآخر في الأربعين من العمر لا يخدم مثل تلك الفرضية. ففي هذه الحال، يتوجب علينا على الأقل افتراض وجود حالة عته سابقة للشيخوخة، إلا إذا كنا أمام تطور مرضي فارق، مستقل في معظمه عن السن».
هكذا كانت البداية المثيرة لأسطورة مرض ألزهايمر. أما أسباب هذه الخدعة العلمية، فكانت عوامل غير أخلاقية بالمرة سنذكرها بالتفصيل. إلا أن ما يجب التأكيد عليه أولا، هو انعدام الضوابط الطبية والأدلة العلمية لمثل هذه التسمية الاعتباطية، المخلة بالقواعد المهنية.
لعله من المهم الإشارة أيضا أن المعني بالأمر الأول الذي قُرن اسمه بهذا المرض الجديد، أي ألزهايمر نفسه، أبدى اندهاشه من صنيع مشغّله ولم يتردد في كتابة ما يلي في مقال له نشر في غضون السنة الموالية : «السؤال مطروح في معرفة إذا كانت هذه الحالات المرضية التي اعتبرتها خاصة تنطوي دائما على ملامح خصوصية، سريرية ونسيجوية، تفرق بينها وبين العته الشيخوخي، أم إن هذه الملامح هي بخلاف ذلك متعلقة بالعته الشيخوخي ولا شيء آخر».
بل إن ألويس ألزهايمر ذهب إلى أبعد من ذلك حيث ألمع إلى ازدواجية شخصية مشغّله حين كتب : «كرابلن يعتقد دوما أن وضع هذه الحالات ليس واضحا تمام الوضوح». ثم هوذا يخلص إلى النتيجة التالية في إجابة على سؤال حول الحالة نفسها بعد مدة من الزمن لم تُغيّر رأيه في الموضوع : «ليس إذن أي دليل غير مدحوض في اعتبار أن سبب هذه الحالات هو سياق مرض خاص. إنها تمثل ذُهان شيخوخي (الذُهان، وهو ما يعبّر عنه بالفرنسية بكلمة Psychose وهو اختلال في الوظائف العقلية ينتج عته اضطراب شامل في الشخصية يجعل المرء غير قادر على التكيف المجتمعي)، أى حالة شاذة من عته الشيخوخة. ومع ذلك، فلها مكانة على حدة تفرض معرفة وجودها».
لقد كانت الأنا متضخمة عند كرابلن، ثم كان أيضا في خصام شديد وسباق شرس مع مصحة تنشط في نفس ميدان الطب العقلي بمدينة براغ. كانت المصحتان تتنافسان السبق في الميدان، كلّ يريد أن يكون المرجع الأوربي الأول في ما يخص الذهان العقلي Psychose mentale. ومعلوم أن مصحة براغ هذه أعطى مديرها أرنولد بيك Arnold Pick اسمه لمرض آخر في التشوش الدماغي التدريجي، فسمّي مرض بيك.
المثير للدهشة هنا حقا هو أنه كان بمصحة الدكتور بيك من الباحثين من اشتغل على نفس البحوث التي اهتم بها ألزهايمر؛ إلا أنه توصّل إلى نتائج معاكسة تماما مع التوجه إلى التعبير عن الحالات المدروسة بعبارة مغايرة تعنى العته الخرفي Démence presbyphrénique بالرغم من أن المعاينة كانت تخص نفس الحالات.
لذا، بتسرع كرابلن في إطلاق لفظ المرض علـى الحالة التي كان ألزهايمر بصدد درسها في مصحته، نوى الحصول على سبق علمي في ما كان يُعد سباقا بين المصحّتين. هكذا، لم يحترم كرابلن القواعد العلمية لمجرد كسب لعبة سباق من شأنه أن يدر الأموال الطائلة على المصحة للتشجيع على مواصلة البحوث.
كما قلنا، لعبت المشاكل المادية التي كانت تعاني منها المصحة في تلك الحقبة الزمنية دورا أساسيا في ترجيح الكفة للإسراع بإعلان تقدّم هام للبحوث بالمصحة باكتشاف مرض جديد.فقد كانت مصحة الدكتور كرابلن تعاني من تقلّص كبير في التشجيعات والتمويلات المادية التي حولت وجهتها في تلك الفترة نحو أعمال فرويد Freud واكتشافاته الهامة في ميدان علم النفس الذي أحدث ثورةكبيرة في الزمن نفسه.
وليس مما يخفى تلك العداوة الشرسة التي كانت قائمة بين كرابلن، وهو رائد مدرسة طبية عضوانية Organiciste أي تربط كل مرض بجرح عضو من الأعضاء، والمدرسة الجديدة بزعامة فرويد وعلمه الثوري التحلينفسي Psychanalytique أي الخاص بالتحليل النفسي أو النفساني Psychanlayse. هذا، وقد كان فرويد يعتبر مدير مصحة ميونيخ عدوا لدودا له. فالحرب كانت مشتعلة بين الإثنين، خاصة بعد أن نشر فرويد كتابه الشهير «في تعبير الرؤيا» أو ما يسمّى بتأويل الأحلام L’interprétation des rêves الذي نال شهرة كبيرة وأقام ثورة في ميدان دراسة العُصاب النفسي أو الجسمي Névrose.
لم تكن نظرية علم النفس الجديد تروق البتة لزعيم المدرسة المضادة، خاصة أنها تجعل أعراض الأمراض المتعلقة بطب الأمراض العقلية والنفسية مرتبطة باللاوعي، ذاهبة إلى حد القول بإمكانية معالجة العُصاب بإعادة رغبات وشهوات غير واعية أو ذكريات مكبوتة إلى سطح الوعي وبواسطة معالجة «تحلينفسية» لا غير. خاصة وأن المدرسة الفرويدية أصبحت سريعا جد شعبية مما سرّع بضمّها في طرق المعالجة السريرية؛ وما كان ذلك إلا على حساب طريقة المعالجة المعهودة في المدرسة العضوانية التي يتزعمها كرابلن.
كان رأي هذا الأخير في طب الأمراض النفسية حسب فرويد بأنه أقرب للفن منه إلى الطب، وأنه لن ينجح في علاج الناس. لهذا، فهو بإعلانه ولادة مرض جديد حسب المعايير العضوانية يدعّم مقولاته ويعمل على دحض ما يعتبره هراء في المفهوم العلمي الصحيح للمرض الذهني. ولا غرو أن هذا من قبيل الحق الذي يراد به الباطل. فقد وظف كرابلن كل ثقله العلمي وشهرته الثابتة لفرض مقولة لا أساس لها من الصحة بادعائه أن ما دعاه مرض ألزهايمر هو اضطراب عضوي.
بذلك، لم يقم كرابلن، مستعملا اسم موظفه ألزهايمر، إلا بمناورة احترابية واستراتيجية تمكّن مدرستة العضوانية من التمركز في ميدان الذُهان الشيخوخي، جاعلا منه شبه محمية لها، مقصيا بذلك إمكانية صرفها إلى ما جاءت به النظريات الثورية الجديدة، خاصة وأنها أصبحت تجتذب إليها أغلب الإعانات المادية والمساعدات للبحوث وتمويلها.
بهذا المرض الجديد سعى ونجح في إيقاف نزيف التمويلات بعيدا عن مصحته لفائدة التقنيات الأنسية الجديدة ، مستعيدا العديد من اعتمادات البحث والتمويل لفائدة مصحته.
كيف التصرّف مع الألزهايمر؟
ها نحن اليوم إذن مع حرب قائمة عالميا على مرض مزعوم أصبح رغم ذلك مرض العصر والمرض العالمي بامتياز. فقد عمل المستفيدون من وهم مرض ألزهايمر، خاصة الصناعة الصيدلية، على إثارة الرعب في النفوس مما ليس هو إلا شيخوخة عادية للمخ، وإن كانت مبكّرة وذات مشاكل.
فوصفها بالمرض، إضافة للخيانة العلمية التي بيّنّا، يخون المريض إذ يوهمه بفائدة الدواء بينما لا علاج به لهذا المرض المزعوم. بل الأدهى هو أن صفة المرض وضرورة تعاطي الدواء المعد له يمنع تماما من إمكانية معالجة هذه الشيخوخة غير العادية بطرق أفضل ونتائج أكبر.
إن استحالة الشفاء من الألزهايمر كما يقرّ بها كل الأطباء لا تخص إلا الحالة إذا عُدّت مرضا. أما إذا اعترفنا بأن مثل هذه الشيخوخة ليست ضرورة مرضا، فمن الممكن الخلاص من أهم العوارض الثقيلة فيها. يكون ذلك إذا عرفنا استغلال كل ما هو غير مادّي في حياتنا، ومنه هذه الثروة الهائلة المتمثلة أساسا في الروابط العائلية وتوطد أواصرها في مجتمعاتنا التي تجعل كبيرنا لا يغادر أهله وذويه مواصلا حياته بينهم مقدّرا مبجّلا.
فلا مندوحة من أن نحافظ على هذه العادات التي ينصح الطب اليوم في نظرته الجديدة لما هو ليس بمرض بالعودة إليها حيث تبقى السلاح الوحيد الذي بمقدوره إعانة شبه مريض الألزهايمر، هذا السلاح السحري الذي لا مناص من استعماله خاصة إذا كان ذلك بمقدور عائلة المريض المزعوم في ظل انقلاب نسبة استعمال الدواء من الفائدة الضئيلة إلى المضرة الكبّار.
ولا يفوتنا التذكير هنا أن كل مادة كيمياوية، وهي من العناصر الجوهرية للأدوية، لها ما يسمّى بالآثار المثارة طبيا أو بواسطة الطبيب ِEffets iatrogènes. وهذا من شأنه أن ينقص من التضخم في قيمة الدواء الذي عندنا وإبعاد كل عزيز علينا عنها أيضا إذا داهمته شيخوخة مبكرة عضال.
أما وقد أعدنا الأمور إلى نصابها بكشفنا الحقيقة المخفية، فإنه تتحتّم علينا الملاحظة إلى أي درجة ينصب همّنا على المرض وأعراضه صارفا اهتمامنا عن المعني الأول، وهو المريض، بالرغم أننا نحاول ولا شك معالجته بما يقتضي ذلك من عقاقير لا نشعر أنها ربما تضرّه فلا تنفعه، ولا نعير أي اهتمام لحاجياته النفسية وهي أكبر وتلبيتها أفضل لصحته.
ثم كيف نتجاهل المعروف عن هذا الذي يُدعى بمرض النسيان، أي أن لا دواء له؟ رغم ذلك، نحن نسارع لإعطاء من وقع تصنيفه في خانة هذا المرض ما من شأنه تسميمه كما بيّنا لاعتقادنا أننا نمنع المرض من التطور بسرعة.
بذلك، حتى وإن لم يكن حقا مريضا، يصبح مريضا قسرا بحكم ضرورة تناول ما يجب أخذه من عقاقير تزيد في تنامي حالته المرضية أو تعكرها بما لا فائدة منه وهي أصلا صحيحة. ٍأقول هذا عن تجربة ومعاناة إذ هكذا كان الحال في تجربتي الخاصّة حيث أسرعت العائلة إلى الدواء لاعتقادها أن ذلك هو أفضل ما تفعله لحبيبها المريض الذي ما أصبح حقيقة مريضا إلا بما تناوله من أدوية.
قيمة الذات البشرية وطب مشاعر الحب
إنه من أوكد المتأكدات في عالم طغت عليه المادة عدم نسيان أنه لا قيمة لابن آدم بدون خالقه وخارج نطاق إرادته. كذلك علينا التعود على عدم نسيان قيمة الذات البشرية وإلا فقد ابن آدم أهم ما فيه، أي إنسانيته وكل قيمة فيها، أي ما يميّزه عن بقية المخلوقات.
هذا، وقد أعاد زمن ما بعد الحداثة العلم إلى نصابه بإنزال الحداثة من منصّتها إحياءً لقيمة التقاليد وكل ما في الإنسان من روحانيات. فالعلم يبقى مهماً طبعا، لكنه ليس كل شيء وليس بقادر على التصدي بالإجابة عن كل شيء وإيجادها لكل شيء، لأن ذلك ليس من دوره ولا من خصوصياته.
العلم الصحيح ليس صحيحا إلا بالتجربة، ولا تجربة إلا بالتكرار مع تواجد الخطأ سواء في الحال أو بعد حين. لذا، لا علم في ما يُراد منه الحقيقة الأبدية، ولا حقيقة علمية دائمة أبدا. والعلم الحقيقي بصدد اكتشاف كل ما يجهله، فيعاين مدى اتساع جهله.
لذلك لم يعد يرفض، كما كان يفعل سابقا، كل ما يتأتى له من مصادر صُنّفت بغير العلمية إذا أثبتت قيمتها العملية رغم عدم موافقتها للمعايير العلمية المعهودة. فهي بذلك علمية بصفة غير معهودة ما دامت لا تُخالف قواعد العلم الأساسية، خاصة منها ما هو في موضوعيتها وفائدتها، في انتظار تطور الأمور فيصبح غير المعهود معهودا، وما كان ناشزا قاعدة لا محيد عنها.
لنأخذ لنا مثلا ما نجد في الحكمة الشعبية من أمور أثبتت التجربة فائدتها في معالجة بعض الحالات المرضية مثلا رغم أن العلم لم يثبت صحتها؛ فهل نستغني مع الفائدة الثابتة لانعدام التأشيرة العلمية والتدليل العقلي على قيمتها وهي بيّنة أمام أعيننا؟
ففي حديثنا عن حالة اعتبرت مرضية ليست هي كذلك، لا بد أن نتذكر أنها تتمثل في اختلال بدني للإنسان على مستوى مخه وخلاياه الذهنية؛ هذا هو الذي يؤدي به إلي شيخوخة مبكّرة وهرم غير عادي قبل الأوان، بدايتهما فقدان الذاكرة، ونهايتهما حالة مكربة من فقدان كل ما يميز البشرية، إذ يغدو شبه مريض الألزهايمر في هوان مقيت.
إلا أن هذا ليس إلا الظاهر ومن الضروري معرفة هذا الجزء الخفي من الإنسان، تلك الثروة الطبيعية التي لدى البشر ولا يعيرونها الأهمية التي تستحق، وهي الوحيدة اليوم كعلاج للألزهايمر ولعديد الحلات المستعصية طبيا مثل شبه المرض هذا.
إنها تتمثل في هذه القدرات الخارقة للعادة من موجات وذبذبات Ondes ومن مجاري وتيارات Courants مغناطيسية كهربائية Électromagnétiques ومن أجواء أو طاقة مغناطيسية Fluides et énergies magnétiques. كل ذلك يكوّن قوة هائلة داخلنا بمقدورها أن تصبح علاجا يهب العافية لمن يستفيد منها، علاوة على صاحبها، من خلال علم همه أساسا ما يختلج في القلب من نبضات إنسانية تجعل من المحبة إجراء طبيا كما هو في الحقيقة إذا عدنا إلى قسم أبقراط.
هذا الثراء، إذا قدرنا على تطويعه والاستفادة منه، يمكّكنا من التعافي بحق من الألزهايمر بمعنى عدم المعاناة كما هي اليوم. لنسق مثالا للايضاح يتعلق بالطاقة الهوائية أو الشمسية وكل الفائدة التي نجنيها منها إذا عرفنا كيف نوظفها لأغراضنا؛ ودعك من الطاقة الكهربائية وهي فينا وفي مشاعرنا وأحاسيسنا! هذا ما سمّيته المعالجة بالقبل Bécothérapie في نطاق علم القلب وطب مشاعر الحب.
ولا شك أن العودة إلى التقاليد التي أثبتت الأيام صحتها، و هي من أهم دروس ما بعد الحداثة، تساعدنا على ذلك. فالروح الما بعد حداثية هي في التمازج الناجح بين ما قدُم فحسُن في سموّه وتعاليه وما تطوّر فغدا من التقانة بمكان في علو الكعب. وهي في ما يخص التطبيب، ليس ما نعرف فقط، بل أيضا طب الطبيعة وهو علم وفن. كما أن هذه الروح، في ما يخص العلم، ليس ما عرفناه في فترة الحداثة الغربية، إذ هو اليوم أيضا علم الروحانيات واللاشعور والمتخيّل، كما أصبحت تبيّنه لنا بكل وضوح تعاليم التنمية البشرية في الطاقة الحيوية والقوى الكامنة فينا إذ عرفنا التحكم فيها.
كل هذا مما يكوّن طب الحب كما تعرفه الحكمة الشعبية والفلسفة الشرقية عموما؛ ولعله أفضل ما يمكن استعماله لمن يعتني بالمسن، خاصة عند الخرف. فالحل الأنجح في العناية بالمسنّين لهو العمل على خلق نظام للمحبة كنظام للتصرف معهم، وذلك بتنمية الأحاسيس إذ هي تمكّن من التواصل حتى عند انقطاع التواصل.
ففي توظيف ما في البشر من مشاعر وأحاسيس وفي استغلال الطاقة به وما فيها من ذبذبات وتيارات وموجات نحصل على الكثير مما فيه صحة البدن التي هي أساسا في صحة الروح كما أن صحة البدن يمكن أن تكون مع مرض الروح. وبديهي أيضا إمكانية مرض البدن مع صحة الروح؛ ولعل هذا الذي نعاينه مع شبه مريض الألزهايمر الذي من المرجح أن تكون روحه صحيحة مع سجنها في جسم غير صحيح.
لذا، يكفي تجاوز العوارض الجسمية للنفاذ لما يبقى أهم ما في الإنسان، أي روحه. ولا شك أن ما يساعد على ذلك ما ذكرته من المعالجة بالقبل لتوفّر ذلك لكل الناس مع ما فيه من سحر تزيده قوة وسائل أخرى محبذة الاستعمال، كالموسيقى ٍ والعلاج بها وقد أقر هذا الطب الحديث. وطبعا، يمكن أيضا اللجوء إلى كل ما له التأثير الثابت على شبه مرض الألزهايمر، كترتيل القرآن لقيمة الروحانيات عند أغلب مسنّينا. كل هذا يتنزل في خانة ما يُسمّى بعلوم القلب وطب مشاعر الحب وأحاسيسه.
الهامش
للمزيد، يمكن مطالعة :
* Peter J. Whitehouse with Daniel George : The Myth of Alzheimer’s : What You Aren’t Being Told About Today’s Most Dreaded Diagnosos, St. Martin’s Press, janvier 2008; traduit et préfacé par Anne-Claude Juillerat Van der Linden et Martial Van der Linden sous le titre : Le Mythe de la maladie d’Alzheimer. Ce qu’on ne vous dit pas sur ce diagnostic tant redouté. Edition Solal, décembre 2009.
** Farhat OTHMAN, Guérir l’Alzheimer ! Manifeste hors poncifs, L’Harmattan 2012.
*** فرحات عثمان : التعافي من الألزهايمر. حول أسطورة شبه مرض، أفريقيا الشرق، الدار البيضاء، المغرب، 2015.
**** Aloïs, mon amour : http://aloismonamour.blogspot.com
شارك رأيك