و اخيرا وضع رئيس الحكومة الحبيب الصيد الاصبع على موقع الداء. الداء الذي ينخر جسم الوطن منذ حدوث ما اصطلح على تسميته بالثورة..
الوطن الذي ضاع بين ايدي ابنائه بفعل الانانية المجحفة التي ضربت نخبه السياسية تلك النخب التي تاهت بين امواج التجاذبات العاتية التي لم تجن منها البلاد الا تفكك المجتمع و انخرام اسس وحدته و مقومات تماسك فئاته.
فاذا الضياع السياسي اصبح السمة الاولى لبلاد عرفت على امتداد عقود من تاريخها الحديث بالاستقرار السياسي- وهو استقرار و اذ تشوبه بعض الهنات في اعين الملاحظين السياسيين فانه قد جسم الارضية الصلبة لمنظومة تنموية متكاملة الابعاد تجلت بالخصوص في نسب النمو التي تراوحت معدلاتها السنوية بين 4 و 5 بالمائة,, وهو ما اصبحنا نفتقر اليه اليوم اذ انحدرت هذه النسب الى الصفر و بعض الفتات و تعطلت عملية الانتاج في العديد من المؤسسات والوحدات الوطنية و حتى الخاصة صغيرها و كبيرها و استفحلت البطالة بشكل زاد في تغذية الشعور بالياس و الاحباط في صفوف الشباب و لا سيما منهم حاملوالشهائد الجامعية.
و على الرغم من تعدد الحكومات التي تعاقبت على تسيير شؤون البلاد خلال السنوات الخمسة الاخيرة فان بوادر النجاة باتت بعيدة المنال.
لذلك نقول بان رئيس الحكومة قد وضع اصبعه على الداء عندما اكد في الحديث الذي ادلى به مؤخرا الى جريدة “الصحافة” اليومية ان الاشكال القائم في وجه البلاد اليوم و الذي يمنعها من مواجهة التحديات المطروحة عليها يكمن بالاساس في النظام السياسي الذي افرزه دستور 2014 و الذي وصفه رئيس الحكومة بالنظام “الهجين” .
وهذا النظام بما يحمله من سلبيات يحتاج في نظر رئيس الحكومة الى مراجعة عميقة لتقويم الخلل و اضفاء المزيد من المرونة و بالخصوص استحضار الرؤية الواضحة.
و من هذا المنطلق- يقول السيد الحبيب الصيد- يكون من الاجدر بنا – و لعله من باب الحكمة و التعقل في هذا الظرف الدقيق الذي تمر به البلاد – ان يتجه الجهد الى دعم الحكومة الحالية و مساندتها بدل التفكير في تعويضها.
فالى اي مدى يمكن ان نذهب مع رئيس الحكومة في هذا الاتجاه؟
للاجابة عن عن هذا التساؤل يرى المراقبون ان الامر يقتضي تقييم العمل الحكومي خلال الفترة الماضية التي تقل عن السنتين تقييما عميقا للحكم على نجاحها او فشلها بما يستدعي تغييرها و الاستغناء عنها…
و اذ يشهر العديدون لوائح الفشل في وجه حكومة الحبيب الصيد فان بعض البوادر الايجابية بدات تلوح في الافق لا سيما على مستوى المنظومة الامنية وعلى صعيد اداء بعض الوزارات التي استطاع الوزراء المشرفون على حظوظها فتح العديد من الملفات و اتخاذ القرارات الجريئة لادخال الاصلاحات الضرورية ويمكن ان نذكر في هذا السياق وزارة التربية ووزارة املاك الدولة و الشؤون العقارية.
و اذا ما استمر نظام الحكم على ما هو عليه فهل بمقدور اي رئيس حكومة جديد مهما كانت قوة الشخصية التي يتحلى بها ان يمسك بزمام الامور وان يتخذ من القرارات الجريئة و الرادعة و المؤلمة ما بها يقدر على اعادة الحياة في دواليب كل القطاعات المعطلة و الى توجيه البلاد نحو العمل بتعزيز المنظومة الامنية و المواجهة الواقعية للارهاب اولا وقبل كل شيئ وفرض سلطة القانون و القضاء على اوكار الفساد و استئصال مسالك التهريب و الاقتصاد الموازي الذي ظل يتحكم قي ما يزيد عن 50 بالمائة من الحركة الاقتصادية الوطنية.
فهل بامكان رئيس الحكومة الجديد ان يقوم بكل ذلك و هاجس ارضاء الاحزاب و المنظمات التي منحته ثقتها (بالرجوع الى الوثيقة المرجعية لحكومة الوحدة الوطنية المرتقبة) حاضرا في ذهنه متحكما في كل توجهاته و تحركاته.
و الحقيقة فإن المهمة تبدو صعبة و المسؤولية ثقيلة يصعب معها النجاح اذا لم يكن رئيس الحكومة مسنودا من حزب اغلبي افرز مكانته صندوق الاقتراع فيفوض له الامر كاملا في تطبيق برنامج الحزب بابعاده المتنوعة و المتعددة بعد ان نال ثقة الناخبين .
اما ان يكون رئيس حكومة تتقاذفه المحاصصات الحزبية التي لا يقدر معها حتى على اختيار معاونيه من الوزراء و المستشارين فان الامر سيعيدنا حتما الى نقطة الصفر التي قد تزيد في تعميق الجراح دون بلوغ النتائج المرجوة, اما وضع البلاد فانه لم يعد البتة يتحمل التاخير..
وجدي مساعد
شارك رأيك