اثارت قضية اللوالب القلبية المنتهية الصلوحية التي تورطت فيها عدة مصحات خاصة و مستشفيات عمومية و عدد كبير من الاطباء ضجة كبرى سيما و ان التحرك الرسمي لاحتواء هذه الفضيحة و اتخاذ الإجراءات اللازمة الردعية تأخر ,و زاد الطين بلة إعلان وزير الصحة سعيد العايدي ضياع الوثيقة الخاصة بهذا الملف إضافة الى تعرضه الى ضغوطات سياسية كبيرة لإلغاء تتبع المتورطين.لكن و بعد كل هذا الجدل قرر سعيد العايدي تسليط عدد من العقوبات على المتورطين و لعل أبرز هذه العقوبات اعفاء رئيسة قسم أمراض القلب بمستشفى سهلول وإحالتها على مجلس التأديب وسحب ترخيص مزاولة النشاط الخاص التكميلي في شانها.و قد أسال هذا الأمر الكثير من الحبر لاسيما و ان العايدي لم يكن مقنعا في تسليط العقوبات ,بل إنه لم يتثبت في صحة الإتهامات ومدى دقتها ,و من بين الشخصيات التي تطرقت الى هذا الموضوع نجد النائب الصحبي بن فرج الذي خصّنا بهذا النص:
“كنت قد طرحت سؤالين واضحين على السيد وزير الصحة:
1-في ملف اللوالب،لماذا أحلتم طبيبا على مجلس التأديب، بينما وفي نفس الوقت ونفس الملف ونفس الخطأ “عاقبتهم” المصحة المتورطة بتوبيخ لطيف خفيف نظيف
2-لماذا تأخرت إجراءاتكم الصارمة لمدة 6 أسابيع كاملة، ولم تتحركوا الا بعد خروج الموضوع الى الرأي العام؟
لم يجب الوزير الى اليوم على السؤالين، واستشهد فقد بوثيقة ضائعة وبنظرية مبهمة لم أستطع فكّ شيفرتها الا بعد أيام وهي نظرية”السرعة والتسرّع والتسريع”!!!
فهمت هذه النظرية يوم الندوة الصحفية بما أن الوزير أسرع في اعلان الاجراءات التي اتخذها، وتسرّع بإيراد معطيات خاطئة عن عدد الاطباء “المتورطين” (32 وليس 49) وقام بتسريع إدانة كل “المتورطين” بدون أن يوضح الفرق بين من قام بزرع لولب منتهي الصلوحية عن علم مسبق وعن تخطيط واضح للربحٍ المالي غير مشروع (وهم على أقصى تقدير خمسة أطباء ومصحتين) وبين من زرع لولبا منتهي الصلوحية على وجه الخطأ بدون اي ربح مالي ولا مسؤولية مباشرة عن التثبت في تاريخ الصلوحية (وهي مسؤولية مشتركة مع فريق كامل) وهم الأغلبية العظمى من الأطباء والمصحات
من سوء الحظ، ان الندوة لم تكن كافية لمحو آثار جلسة “الورقة الضائعة” لدى الاعلاميين والراي العام فكان لا بد من المرور الى القطاع العام،
وفعلا تأتي الأوامر سريعةً مسرعة ومتسرعة يوم 2 أوت(يوم الندوة) للقيام بتحقيق مستعجل في قسم القلب بمستشفى سهلول،
ويصدر التقرير الأولي بنفس السرعة يوم 5 أوت،
وتخرج عاصفة العقوبات بنفس التسرّع يوم 6 أوت
ويتم إعلام الرأي العام (ومن يهمه الامر) بنفس التسريع في نفس الليلة.
ماذا في البلاغ؟ سحب صفة رئيس قسم من الاستاذة الدكتورة “المجاهدة” آسيا بوغزالة وإحالتها على مجلس التأديب لزرعها لولبين منتهيي الصلوحية والاحتفاظ بمخزون من الأجهزة الطبية منتهية الصلوحية.
بقطع النظر عن ان الدكتورة بوغزالة لم تضع اللوالب المنتهية الصلوحية ولم تتم استشارتها حولهما ولا تعلم أصلا عنها شيئا، يجب العودة الى أوائل شهر أفريل 2015 لنشاهد الصورة بتفاصيلها ونتفادى الدخان المتناثر حولها
في أفريل، تعطلت قاعة القسطرة (من نوع جنرال الكتريك،وتلك قصة خطيرة أخرى) وبقيت معطلة طيلة 5 أشهر لم تتسرع خلالها الوزارة لإصلاحها،ولم تفتح تحقيق ولم تعاقب احدا….كانت الدنيا هانية وقتها
لماذا تعطلت القاعة كل هذه الفترة؟ بكل بساطة لان قطع الغيار كانت موجودة في الديوانة منذ شهر ماي بدون أن نسرع او نتسرع او نسرّع في إدخالها رغم المراسلات والمكالمات والتلحليحات العديدة من مدام بوغزالة الى الوزير شخصيا، وأعوانه وديوانه.
و لم تسكت الدكتورة، وأبلغت رئيس الحكومة شخصيا وطلبت تدخله لادخال قطع غيار من الديوانة العتيدة (تصوروا المهزلة1)
وذات يوم من جوان،وبعد أن شارفت على اليأس “إقتحمت” السيدة بوغزالة ديوان السيد الوزير عنوةً وهددت بعدم الخروج منه الا إذا تحركت الوزارة(تصوروا المهزلة2)
ولم تخرج الا وقد تأكدت من أن مراسلة مستعجلة، عبر موظف خاص حاملٍ للرسالة، قد وُجِّهت الى وزارة المالية للتسريع والتسرع والسرعة في إطلاق سراح قطع الغيار الرابضة بالديوانة…. وبذلك تم إصلاح القاعة في 8 أوت 2015
لماذا أُسهبُ في رواية هذه القصة؟ لان تعطيل عمل قاعة القسطرة وسط لا مبالاة الوزارة طيلة 5 أشهر هو الذي أدى الى نهاية صلوحية جانب كبير من المخزون المتوفر لدى قسم القلب بالمستشفى.
والمصيبة أن الادارة تعلم، والمجلس الطبي للوزارة يعلم والوزارة تعلم. الكلّ كان يعلم، الا الرأي العام فمطلوب منه الا يعلم، مطلوب منه فقط أن يكون شاهدًا على “صرامة “الوزارة
معناها وبلغة بسيطة: الدكتورة بوغزالة لم تزرع لولبا فاسداوتحاسَبُ على تواجد مخزونٍ منتهي الصلوحية ناتجٍ عن تهاون الدولة في إصلاح قاعة القسطرة طيلة أشهر،، ولم تستعمل المخزون بتاتا،وحافظت عليه من الضياع والتسرب الى خارج المستشفى…
لذلك تعاقبُ مدام بوغزالة، ويُنشر اسمها مثل باعة الغبرة، ويُشهّرُ بها في بلاغٍ رسمي وتحالُ على مجلس التأديب وتُسحبُ منها وظيفتها وصفتها كرئيسة قسم
ثلاثة أيام فقط، كانت كافية لتدمير سمعة إمرأة مناضلة مجاهدة ومقاتلة،(لن يصدّق هذا الكلام الا من يعرف مدام آسيا)
ثلاثة أيام كانت كافية لاغتيال قامة علمية عالمية لا نملك مثيلها في تونس(بدون مبالغة)
ثلاث أيام كانت كافية، لكل ذلك بدون أن يترك السيد الوزير الوقت اللازم للمحققين لسماع أقوال الدكتورة، ولا أقوال فريقها”المتورّط” ولا حتى استخراج الملف الطبي للمرضى(والسؤال عن طبيعة المرض، طبيعة التدخل الطبي،مصير المريض،نوعية اللوالب)
لم يتصل الوزير بأيّ من “المتهمين” وهم من منظوريه ولم تعلم السيدة آسيا بحيثيات التقرير الى اليوم ولا بمحتوى العقوبة الا عبر الفايسبوك(شفتو المهزلة3؟)
يبدو أن السيد الوزير كان مستعجلاً في طلب التحقيق، ومسرعا سريعًا متسرعًاً أكثر من اللازم في اعلان العقوبة …ربما لانه ينتظر خبرًا مستعجلا لا يحتمل التمهّل.
وفي الختام،هل يعلم السيد الوزير ما هي مكانة الدكتورة آسيا بوغزالة علميا وأخلاقيا وميدانيّا… وطنيًّا ودوليًّا؟
هل يمكن بعد كل هذا الا نتساءل عن العلاقة بين اللوالب منتهية الصلوحية والرغبة الجامحة في تجديد الصلوحية السياسية؟
هل يمكن ألاّ نتساءل هل راعى السيد الوزير أثر هذا التسرع والتسريع والسرعة على سمعة قطاع الصحة العمومية والطب الجامعي؟ في الداخل والخارج ؟
هل يمكن ألا نتساءل عن تفاعل أي قطاع….أيّ قطاع مهما كان، إذا تولّى أمره وزير الصحة الحالي؟
هل يمكن ان نذكّر بأن الطبيب المحال على مجلس التأديب في ماي الفارط قد وقع تبرئته بإجماع المجلس بمن فيهم ممثل وزير الصحة؟ بعد ان دُمّرت سمعته وانتهك شرفه؟”
شارك رأيك