من نكد الدنيا و عجائب الدهر ان تحتفل المرأة التونسية للمرة السادسة منذ انتفاضة 2011 و منظمتها الوطنية العتيدة قابعة في غياهب النسيان.
فلا احد من حكام البلاد الجدد و المتعاقبين على سلطتها حرك ساكنا او حاول ان يتلمس الاشكالات التي حفت بهذه المنظمة و الملابسات التي كانت و ما تزال وراء عرقلة مسيرتها النضالية ذات الابعاد المتعددة.
فنشاة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية او ما يعبر عنه بالاتحاد النسائي سنة 1956 كانت تتويجا لما كان للمرأة التونسية من باع في عهود الحركة التحريرية الوطنية و ما لعبته من دور في انجاح سائر مراحلها.
عجيب امر حكامنا كيف تغافلوا و يواصلون التغافل عن منظمة لطالما اقترن اسمها بتاريخ لا يمكن لاية امرأة في تونس ان تنساه بل قل حتى في العالم العربي و الاسلامي لان تاريخ 13 اوت يعد يوما فارقا في الحركة التحررية النسائية.
و اذ نحتفل سنويا بهذا العيد فلكي نستحضر ابعاد هذا الموعد و ما اقترنت به من تفاعلات و تجاذبات هي ترجمة لجراة سياسية اصلاحية كبيرة و عميقة اقدم عليها الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة في ظرف تاريخي ليس بالهين ولا هو بالمناسب- ظرف يتسم بضرب من التشدد الفكري و التعصب الديني الذي لا يتسامح و لا يتساهل في تاويل النص القراني و لا لاخضاعه لحاضر المجتمعات العربية و الاسلامية و لا لمستقبل اجيالها..
كان الصد كبيرا في وجه من تعلقت همته بتحرير المرأة من براثن الانغلاق و التخلف في ظل سلطة ذكورية تفننت في غلق المنافذ على من يمثلن نصف المجتمع لينحصر دورهن في الانجاب المتواصل و خدمة الرجل بكامل الخنوع و الاستكانة .
و كان بورقيبة متاثرا و مستنيرا في كل ذلك بما مهد له المصلح الكبير الطاهر الحداد من افكار ثورية في كتابه الشهير “امرأتنا في الشريعة و المجتمع” فكانت مجلة الاحوال البشخصية الصادرة في 13 اوت 1956 اول قانون تعرفه تونس 6 اشهر فقط بعد حصولها على استقلالها التام .
و ظل عيد المرأة- من جهة- و الاتحاد الوطني للمراة التونسية- من جهة اخرى- صنوين متلاصقين لا يفترقان الى ان اطلت سنة 2011 التي انقلبت فيها الامورووضعت المنظمة النسائية في قفص الاتهام لموالاتها للنظام السياسي القائم في البلاد زمن بورقيبة و بعده بن علي دونما اكتراث بالدورالتنموي الاجتماعي الثقافي الذي لعبته على امتداد ستة عقود من تاريخها.
فبقطع النظر عن الغطاء السياسي الذي نجح في الاستحواذ عليها ليضعها في كنفه و تحت كامل سلطته و ايا كان حجم البروباغندا التي اضطلعت بها في العهدين السابقين فان لا شيء يفسر ذاك الجحود الكبير الذي ضربت به والحال ان امرها لا يختلف عن باقي المنظمات الوطنية كالاتحاد العام التونسي للشغل او الاتحاد التونسي للصناعة و التجارة و الصناعات التقليدية او الاتحاد التونسي للفلاحة و الصيد البحري فكلها منظمات وطنية نعتز بوجودها و بالرسائل الحضارية الموكولة لها في ترسيخ الخيارات الوطنية و الدفاع عن منظوريها كل في مجال اختصاصه وهو الدور الذي واصلت هذه المنظمات الاضطلاع به الى اليوم .
غير ان ما يعيشه الاتحاد النسائي من اشكاليات و من صعوبات لا مبرر له سوى الرغبة من هذا الاتجاه السياسي او ذاك لاعادة الاستحواذ عليه ووضعه تحت كلكله و هذه الاشكاليات هي من الحدة بحيث ظلت تهدد المنظمة في كيانها ووجودها لولا تلك الوقفة الحازمة التي وقفتها المناضلات الصادقات الغيورات على هذا المكسب الوطني و اللائي يواصلن الثبات على المبدا حتى تستمرالحياة داخل الاتحاد و يستطيع مواصلة المشوار في اداء رسالته على الوجه المطلوب و بكامل الاستقلالية.
فلا يمكن البتة ان ننسى العمل النضالي الكبير الذي قام به الاتحاد النسائي على الاقل في مجال الصحة الانجابية و التنظيم العائلي و تكوين الفتاة الريفية صلب مراكزه بالذات المنتشرة في اعمق اعماق البلاد و في العمل التحسيسي و التوعوي المطلوب حول الخيارات الوطنية و اسهامه كذلك في ترسيخ مقومات المجتمع الحداثي الذي بفضله استطاعت المرأة التونسية ان تكون في الصفوف الامامية للتصدي للتيارات الظلامية الني ارادت ان تخضع البلاد لتنظير رجعي ولى عهده و انقضى منذ ما يزيد عن 14 قرنا من تاريخ الانسانية.
و الواقع المعيش اليوم يفرض على هذه المنظمة- في غياب اي نوع من المساندة من قبل المناضلات في مجال حقوق الانسان- ان تواصل النضال بالحزم المطلوب حتى تكون السد المنيع في وجه كل التيارات الظلامية التي ساءها ان تصل المرأة التونسية الى ما بلغته من درجات العلم و المعرفة و ما حققته من نجاحات في شتى مجالات الحياة بما جعلها الانموذج الذي يستشهد به في كل المحافل كما يفرض عليها الحفاظ على مكاسب المراة و تعزيزها سيما و ان المرأة لم تنل شيئا من مكاسب الثورة فلا هي عززت موقعها في المشهد السياسي ولا هي استطاعت ان تحد من موجة العنف التي برزت مستهدفة اياها او ان تتقدم خطوات للحد من نسب البطالة في صفوف النساء .
و كلها قضايا مصيرية تتطلب من العمل الدؤوب و الجهد المتواصل الشيء الكثير .
و قديما قال سقراط ” عندما تثقف رجلا فانك تثقف فردا واحدا و عندما تثقف امرأة فانك تثقف مجتمعا باكمله”…
وجدي مساعد
شارك رأيك