يتساءل المتابعون ان لم يكن المستفيد الاول من التغيير الحكومي هو رئيس الجمهورية الذي استطاع ان يقلب الاوضاع ويعود على عرش السلطة التنفيذية عبر يوسف الشاهد ؟.يينما يتواصل تهاطل التعاليق حول تركيبة الحكومة التي اعلن عنها رئيسها المكلف يوسف الشاهد و التي ستعرض على البرلمان لنيل ثقة نواب الشعب ينتظر أن تشرع اثر ذلك في العمل و في انجاز البرنامج الذي سيعرض حتما على مناقشة الجلسة العامة للسلطة التشريعية المقررة ليوم الجمعة 26 اوت الجاري.
فهذه الحكومة التي اريد لها ان تكون حكومة وحدة وطنية من خلال تركيبتها التي جمعت بين ممثلي احزاب في الحكم و من خارج دائرة الحكم و من المركزية النقابية ايضا اضافة الى عدد من الكفاءات الوطنية غير المتحزبة- هذه الحكومة تميزت بظاهرتين اساسيتين اولاهما تواجد عدد من الوجوه الشبابية التي ستجرب المسؤوليات العليا لاول مرة في حياتها رغم ان بعضها مارس التسيير صلب الادارات و المؤسسات (14 وزيرا من مجموع 27 يقل عمرهم عن 36 سنة).
و تتميز هذه الحكومة ثانيا بالتمثيل النسائي الملفت للانتباه رغم عدم الرضا المعبر عنه من قبل بعض الجهات النسائية فالحكومة ضمت و لاول مرة في تاريخ الحكومات المتعاقبة على حكم البلاد منذ الاستقلال 9 نساء (6 وزيرات و 3 كاتبات دولة) هن في الغالب (على الاقل من خلال السيرة الذاتية لكل واحدة منهن) من اهل الخبرة و الكفاءة و النزاهة.
وفي ذلك رسالة عميقة الابعاد يوجهها رئيس الحكومة المكلف في مراهنته على هذين الفئتين – الشباب و المراة – في هذا الظرف بالذات الذي تواجه فيه البلاد تحديات جسام نتمنى ان يكون الوزراء الجدد عموما في مستوى المسؤوليات المنوطة بعهدتهم وان يساهموا بقسطهم في مواجهة المخاطر التي تتهدد الوطن على عديد المستويات.
و ايا كانت التركيبة الوزارية التي اختارها يوسف الشاهد لحكومته المرتقبة من حيث التمثيلية الحزبية و المنظماتية و غيرها و من حيث التطابق بين مؤهلات اعضائها و طبيعة الحقائب المسندة فان مستقبل البلاد سيكون رهين ما ستقدمه هذه الحكومة و ما ستنجزه من برنامج عمل واقعي بعيد كل البعد عن الوعود السياسوية التي خبرناها طيلة السنوات الماضية من حكم الترويكا و ما بعدها و التي لم تقدر على تحقيق ولو النزر القليل من احلام الشعب عامة و لاسيما الشباب الذي اشعل فتيل انتفاضة جانفي 2011
فلا البطالة تقلصت معدلاتها و لا التنمية في الجهات اخذت مكانها ولا الفساد اجتث من جذوره بل ان ما عشناه منذ ذلك التاريخ انما هو عكس ما كنا نامل الى حد ان العطش بات يتهددنا امام شح الموارد المائية و انخفاض منسوب المياه في السدود اضافة الى الارهاب الذي حصد العشرات من ابنائنا و هم في عز السباب و قمة العطاء و الى افة التهريب و التجارة في المحظور غلى مراى و مسمع من الجميع دون ان ننسى معضلة التسيب التي ضربت كافة مكونات المجتمع بحيث اصبح الكل يفعل ما يريد و متى شاء في غياب الدولة و هيبة هياكلها.
و امام هذا الوضع الذي زاده تعقيدا انعدام ثقة المواطن في السلطة القضائية التي تعد الاساس في اقامة العمران و حماية المجتمع من كل اشكال الظلم و التسلط و الاستبداد- امام هذا الوضع قد نتساءل عن القدرات التي ستتوفر ليوسف الشاهد و لفريقه الحكومي لاخراج البلاد من “عنق الزجاجة” كما يحلو لرئيس الدولة الباجي قائد السبسي ترديده دوما.
و للاجابة عن هذا التساؤل يستوقفنا تساؤل اخر حول المستفيد الاول من كل هذا الحراك الذي ولدته مبادرة رئيس الجمهورية في الدعوة الى حكومة وحدة وطنية اسست لها وثيقة قرطاج بمباركة ارادية من قبل 9 احزاب و 3 منظمات وطنية.
ان الاعتقاد السائد لدى اغلب الملاحظين هو ان المستفيد الاول ليس سوى رئيس الجمهورية ذاته الذي استطاع -بفضل دهائه السياسي و حنكته في التفاعل مع دروب الحكم- ان يقلب الاوضاع و ان يمهد لمرحلة جديدة يتربع خلالها على عرش السلطة التنفيذية بتمامها و كمالها.
فالملاحظون يرون ان ما اقدم عليه الباجي قائد السبسي انما املاه عليه وازع الوطنية الذي يعتمل داخله لانقاذ الوطن من الاوضاع المتردية التي خيمت عليه و التي وصلت الى حد الضرب السافر لاركان الدولة ذاتها و الى السعي من قبل بعض الاطراف السياسية الى تغيير نمط المجتمع و العودة به الى القرون الوسطى.
ان مواصلة المشوار مع حكومة اختار هو نفسه رئيسها دونما اقتراح من الاحزاب السياسية المعنية بذلك وفق روح الدستور و منطوق فصوله يجعل راسي السلطة التنفيذية في تناغم كامل بما يفيد لا محالة في تجسيم الخيارات و البرامج في كنف هدنة سياسية و اجتماعية غير مسبوقة ناهيك وان حكومة الوحدة الوطنية ضمت بين اعضائها ممثلين اثنين عن المركزية النقابية ووجوها من اليسار المعارض ان لم نقل المشاكس.
انها لطريقة ذكية تلك التي وضعت رئيس الحكومة في منزلة الوزير الاول الذي ياتمر باوامر من اختاره و كلفه و سماه و التي جمعت كل الاطراف الفاعلة في سفينة واحدة تسير بمن فيها نحو شاطئ السلام بقيادة ربان مضمون اسناده و دعمه.
وجدي مساعد
شارك رأيك