بقلم احمد الرحموني*
يبدو جليا أن اقحام القضاء العسكري هذه المرة (في علاقة الحكومة بحزب التحرير) يرسخ الاعتقاد بأن الالتجاء من قبل السلطة الى المحاكم العسكرية لفض النزاعات المدنية لم يعد مجرد سوابق معزولة بل اضحى توجها مستقرا يهدد الحريات العامة و الفردية .
وحتى لا ننسى يظهر ان الحكومات لم تتعظ من التداعيات التي يخلفها في كل مرة مرور الاشخاص المدنيين أمام القضاء العسكري أو جر القضاة العسكريين الى محاكمات السياسة والرأي و الصحافة أو وقوف النشطاء بعد الثورة -ويا للفداحة – امام محكمة الجرائم العسكرية (قضايا فرحات الراجحي – ايوب المسعودي – حكيم الغانمي – ياسين العياري -رؤوف العيادي – نجاة العبيدي …الخ).
قضية حزب التحرير لن تكون استثناء ويبدو ان السيد رئيس الجمهورية “مغرم “بالقضاء العسكري حتى ان اهالي الشهداء و جرحى الثورة لا زالوا الى الان يتجرعون “عذابات العدالة” منذ احالة قضاياهم مبكرا الى المحاكم العسكرية وترسيخ اختصاصها بعد صدور المرسوم المؤرخ في 29 جويلية 2011 المتعلق بتنظيم القضاء العسكري و ضبط النظام الاساسي للقضاة العسكريين في ظل الحكومة المؤقتة للسيد الباجي قائد السبسي.
قد لا يشعر الكثير بمبلغ الحرج الذي يعانيه زملاؤنا من القضاة العسكريين او المدنيين الملحقين بالمحاكم العسكرية في معالجة امثال تلك القضايا التي قد تجعل من استقلالهم محل تساؤل لكن الامر الذي يجب توضيحه هو ان الالتجاء الى القضاء العسكري في قضايا السياسة والرأي والصحافة المرتبطة بحرية التعبير قد وجد له مجالا واسعا بسبب معطيين اثنين على الاقل :
- اولهما واقعي ويتعلق بتوجهات شريحة غير قليلة من المواطنين – ومن ضمنهم بعض النخبة -التي تعتقد في حزم المحاكم العسكرية وتدعو الى تدخلها في كافة النزاعات والانتهاكات ظنا منها بان الطبيعة العسكرية لتلك المحاكم المتأثرة بانضباط المؤسسة العسكرية من شانها ان ترجح حقوق الدولة على ضمانات الافراد ومقتضيات المحاكمة العادلة .وربما على هذا المنوال من التفكير رغبت السلطة في اقحام القضاء العسكري للنظر في مسائل تتعلق بحرية الاجتماع والحقوق الاساسية المكفولة للأحزاب.
- ثانيهما قانوني ويتعلق بعدم تحمس السلطة لإعادة هيكلة المحاكم العسكرية طبق مبادئ النظام الديمقراطي و الاحكام الواردة بالدستور الذي اقتضى منذ جانفي 2014 اعادة النظر في صلاحيات المحاكم العسكرية واعتبارها مختصة فقط في الجرائم العسكرية(الفصلان110و 149).
وفي ضوء ذلك – وحتى لا نعيد الحديث عن دور القضاء في حماية حق الاجتماع وعن المبادئ الجوهرية في تنظيم الاحزاب السياسية و حماية نشاطها( راجع مقالنا المنشور في 9 جوان الفارط تحت عنوان “مؤتمر الخلافة و الكلام المر حول ازدراء القضاء”) – يبقى التأكيد ونحن على ابواب محاكمة مثيرة للجدل ان “الهروب” الى القضاء العسكري في قضية حزب التحرير سيكون مؤثرا لا فقط على المبادئ بل على تجربتنا “الديمقراطية “و استقرارنا وعلى ما تحقق لنا -بعض خيبات- على مستوى حماية الحقوق الاساسية والحريات!! .
……………………………………………………………………………..
* رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء
………………………………………………………………………………..
** المواقف والأفكار التي تنشر في قسم “أفكار” لا تلزم إلا أصحابها ولا يعني نشرها من قبلنا تبنينا لها بأي صفة من الصفات .
شارك رأيك