و اخيرا تمت المصادقة على مجلة الاستثمار في صيغتها الجديدة بعد عمل ماراتوني طويل على الصعيدين الاداري و التشريعي, عمل عمق مناخ الحيرة في ظل ازمة خانقة عاشت على وقعها البلاد منذ قرابة الست سنوات, هي سنوات عجاف غير مسبوقة في تاريخ بلادنا.
تلك مرحلة تراجع فيها الاستثمار بصنفيه الداخلي و الخارجي و شحت فيه مصادر الخيرات و تعطل نسق التشغيل بل ازدادت معضلة البطالة حدة و تازما.
و اذ ان العمل الفعلي بهذا القانون الجديد ينطلق في مطلع السنة القادمة 2017 فان اصداره ولو بالكثير من التاخير, اكتسى طابع الحدث المميز لما له من تاثير ايجابي مباشر على الراغبين في الاستثمار في تونس من ابناء البلاد ومن الاجانب الذين طال انتظارهم لهذه الوثيقة و ما تتضمنه من توجهات ومن حوافز و امتيازات ستكون حتما واعزا كبيرا لدفع الاستثمار و تنشيط الحركة الاقتصادية باختلاف مجالاتها بعد ركود كاد ياتي على الاخضر و اليابس, ناهيك و ان سنة 2017 تنذر بصعوبات جمة و تحديات كبرى قد لا تقدر البلاد على مجابهتها اذا ما ظلت الامور على ما هي عليه بفعل تعطل اجهزة الانتاج و بفعل المناخ الاجتماعي المضطرب و المتشنج اضافة الى المناخ السياسي الذي لا يساعد البتة على ضمان الاستقرار المامول لانطلاقة جديدة تذكي في النفوس الاطمئنان على المستقبل بعيدا عن شبح التقشف الذي بات معششا في العقول دافعا اياها الى الياس و الخوف و التشاؤم الى حد القنوط.
فمع الثقة التي منحها نواب الشعب لحكومة الوحدة الوطنية بزعامة يوسف الشاهد و ما عبروا عنه من استعداد كامل لمساندتها و دعمها لانجاز برنامج العمل المتفق عليه, كان لزاما على هؤلاء ان يسرعوا الخطى في اعداد النصوص اللازمة.
لقد ظلت البلاد في حاجة ماسة الى القانون المتعلق بمجال الاستثمار كما هي بحاجة متاكدة الى قانون اخر لا يقل اهمية وهو المتعلق بالمصادقة النهائية على وثيقة المخطط التنموي الخماسي 2016 -2020.
ان الاستعدادات الجارية لتنظيم الندوة الدولية حول الاستثمار “تونس 2020 “التي ستحتضنها البلاد يومي 29 و30 نوفمبر القادم تحتاج في مضامينها الى هذين الوثيقتين اللتين سيتم الاعتماد عليهما من قبل المستثمرين لتحديد خياراتهم و التاكد من مدى النجاعة في الاقبال على الوجهة التونسية.
و ستكون هذه التظاهرة الكبرى التي من المنتظر ان يشارك فيها المئات من الساسة و اصحاب القرار و من رجال الاعمال و مالكي رؤوس الاموال من شتى انحاء العالم, ستكون اذن نبراسا و مختبرا لمدى تفاعل كل هؤلاء مع المعطيات الجديدة التي تتوفر بالبلاد بفعل تلك القوانين و بفعل غيرها من الملابسات و الخصائص المشجعة .
عندها يمكن القول بان كل ما كان يقدم من تعلات لتبرير التردد و الانكماش في الاقبال على الاستثمارلم يعد له اي مبرر وان المجال يبقى مفتوحا لمبادرات خلاقة كفيلة باعطاء دفع جديد لمنظومة اقتصادية انهكتها سنوات متتالية من القلاقل لم ير فيها شعبنا سوى الانقسامات العقيمة و المعارك الضارية حول اقتسام الكعكة الوطنية التي بذهابها غرقت البلاد في بحر الديون و لم يعد لها من مخرج سوى التعويل على عطاء ابنائها و دعم سخي ياتى من اشقائها و اصدقائها.
و صفوة القول ان البلاد- الى جانب ما تتوفر عليه من زاد تشريعي- تبقى في امس الحاجة الى استفاقة كبيرة من كل الطاقات والكفاءات المدعوة الى التغاضي عن كل الغايات الشخصية الضيقة و التفرغ الكامل لخدمة الراية الوطنية بدون تردد ولا تاخير و لا انتظار.
وجدي مساعد
شارك رأيك