أصدر البنك الدولي تقريرا جديدا عن الاقتصاد التونسي أكد ضمنه على أن الشفافية والمساءلة هي مفاتيح نجاح اللامركزية في تونس مشددا على ضرورة ضمان تمكين الحكومات المحلية في استخدام وتنفيذ سلطة اتخاذ القرار من خلال التحويلات المالية المنتظمة من موارد الاستثمار السنوية من الدولة.
وفيما يلي كامل التقرير الذي أصدره البنك الدولي:
منذ ثورة جانفي 2011، قررت تونس التقريب بين الحكومة ومواطنيها. وسعيا لتحقيق هذا الهدف، قرر التونسيون استحداث تغيير كبير في السياسة بعيدا عن النظام شديد المركزية السابق. ويتضمن دستور 2014 الالتزام بإنشاء بلديات مستقلة تماما (الحكومات المحلية) ضمن هياكل الحكامة المحلية السليمة التي من شأنها أن تؤدي إلى خلق عقود اجتماعية موثوقة ودائمة بين المجالس وناخبيها. وتعتبر الحكومة هذه الإصلاحات عنصراً أساسياً في بناء الدولة، مما يسهم في تحقيق الاستقرار السياسي والتنمية العادلة.
تمكين الحكومات المحلية
يعيش حوالي 70 في المائة من سكان تونس في البلدات والمدن، ولذا أدركت الحكومة أن تحقيق مشاركة المواطنين بفعالية يتطلب المزيد من التشاور. وفي عملية تباعد كبرى عن الماضي (هيكل “القيادة والسيطرة” شديد المركزية)، تقوم الحكومة بتأسيس نظام تصبح بموجبه الحكومات المحلية مستقلة عن السيطرة المركزية لاتخاذ القرارات المحلية، لا سيما وأنها تؤثر على اختيار الاستثمارات في الخدمات المحلية – وهو عنصر أساسي لإقامة مبدأ مساءلة الحكومات المحلية أمام مواطنيها. ويجب ضمان تمكين الحكومات المحلية في استخدام وتنفيذ سلطة اتخاذ القرار من خلال التحويلات المالية المنتظمة من موارد الاستثمار السنوية من الدولة، ضمن ميزانية تقديرية يمكن الاعتماد عليها لمدة 5 سنوات، وذلك للسماح بوضع برامج استثمار موثوقة ولتعزيز قدرة المجلس على تغيير الاستثمارات حسب أولويتها فيما بين السنوات. وبالإضافة إلى ذلك، أصدرت الحكومة توجيهات بإنشاء نظام لتخصيص أموال المنح بحيث يتسم بالشفافية والموضوعية لتجنب التلاعب السياسي في المخصصات وتوفير الشعور بالموضوعية والعدالة والإنصاف.
ولتعزيز الشفافية، أرادت الحكومة تقييم أداء الحكومات المحلية على أساس مؤشرات تفصيلية محددة مسبقا تغطي نطاقاً واسعاً من ثلاثة مجالات رئيسية هي: الحكامة والاستدامة والتدبير، وسيتم قياس هذا الأداء وتقييمه سنوياً بإجراء مراجعة مستقلة. وأهداف الحكومة هي: أولاً جعل النتائج السنوية لتقييم الأداء متاحة للجمهور في وقته، وذلك ليتسنى للمواطنين معرفة مستوى أداء حكوماتهم المحلية، والمقارنة مع الحكومات المحلية الأخرى؛ وثانيا تحفيز الأداء الجيد للحكومات المحلية من خلال الربط بين درجة كل من الحكومات المحلية في ظل التقييم العام لحجم المخصص من المنح السنوية.
اللامركزية والنتائج
سعت الحكومة بمساعدة من البنك لإنشاء برنامج التطوير الحضري والحكامة المحلية وهو البرنامج الأول القائم على تحقيق نتائج والتي يمولها البنك في تونس. ويعتزم البرنامج إصلاح النظام القائم للضوابط والتوازنات السابقة إلى نظام للمتابعة والتقييم اللاحق لأداء الحكومات المحلية. وتشمل السمات الرئيسية:
– إدخال نظام تخصيص المنح والذي يضم معايير موضوعية قابلة للقياس بما يضمن عملية شفافة تسمح بتدفقات منتظمة من الموارد.
– تحفيز الحكومات المحلية لتحقق أداء جيداً من خلال ربط حصولها على المنح بنتيجة التقييم العام وعن طريق نشر معدلات أدائها وتأثير نتائجها على المنح التي ترد اليها على البوابة الإلكترونية في الوقت نفسه (بما في ذلك الأداء مقارنة بأداء الحكومات المحلية الأخرى)؛
– إبلاغ الحكومات المحلية بتخصيص منح تقديرية لمدة خمس سنوات بحيث يمكن أن تضع خططا أكثر فعالية واستجابة بصورة أكثر واقعية تعكس أولويات المواطن.
– إدخال نظام بناء القدرات القائم على الطلب والذي يركز على تقديم المساعدة التقنية في الوقت المناسب تماما للحصول على الدعم أثناء العمل لتمكين الحكومات المحلية من معالجة أدائها في المجالات الرئيسية المستهدفة.
وخصص البرنامج السنة الأولى للقيام بالإصلاحات المؤسسية والمالية المطلوبة والأحكام القانونية والتنظيمية ذات الصلة، وهي ضرورية لعمل النظام المذكور أعلاه. وشمل ذلك تطوير وتفعيل ثلاثة مراسيم – الأول حل محل المرسوم القديم الذي يحكم توزيع المنح الرأسمالية للحكومات المحلية. و الثاني إنشاء معادلة تخصيص المنح، و الثالث اعتماد دليل مفصل للحكومات المحلية.
التحام الحكومات المحلية والثقة في الحكومة
البرنامج في منتصف المدة في السنة الثانية، وشهد تقدماً كبيراً. إذ تم إطلاق النظام الجديد للمنح على أساس الأداء، ويتقدم على نحو مرض للغاية. ومقابل استهداف تلبية 70٪ من الحكومات المحلية الشروط الإلزامية الدنيا لتكون مؤهلة لتلقي أموال المنح، استوفى أكثر من 90٪ منها هذه الشروط، بما في ذلك القيام بإجراءات تشاورية سليمة مع المواطن، وإعداد الميزانيات في الوقت المناسب لتضم خطط استثمارية مفصلة لسنة 2016. وهذا ما دفع وزارة المالية للإفراج عن أموال المنح لسنة 2016 للحكومات المحلية للسماح لها بتنفيذ الجدول الزمني لخططها الاستثمارية.
خلال هذه المرحلة الثانية يجري تطبيق عنصرين من عناصر النظام الثلاثة: الإطار التنظيمي المؤسسي والمالي، ونظام تقييم الأداء. أما العنصر الثالث فلا يزال قيد العمل: وهو إتاحة نتائج تقييم أداء الحكومات المحلية للجمهور، محكوماً بالشروط الدنيا الإلزامية والتقييم العام، مقابل التزامات الحكومات المحلية الخاصة وبالمقارنة بالحكومات المحلية الأخرى. الأداة الرئيسية في ذلك هي البوابة الإلكترونية، والتي أصبحت جاهزة، ومن المتوقع أن تعمل في الوقت المناسب من دورة التخطيط لميزانية عام 2017، والتي تتضمن إتاحة النتائج التجريبية للتقييم العام.
م.غ
شارك رأيك