حذر المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان من تنامي الانتهاكات داخل السجون ومراكز الإيقاف في تونس, الأمر الذي أدى لتحولها من مراكز إصلاحية وتأهيلية إلى أماكن عقابية بشكل مطلق, إضافة لأوضاع الوحدات والغرف داخل السجون والتي تعتبر كارثية جدا، ولا تخضع للمعايير الدولية.
وأكد الأورومتوسطي (منظمة حقوقية أوروبية مقرها جنيف) في تقرير نشره على موقعه الالكتروني, بأن السجون في تونس تعاني من اكتظاظ شديد في عدد السجناء, بالتزامن مع غياب الفصل بين من صدرت بحقهم أحكام تنفيذية والمتهمين بقضايا إرهابية وبين الموقوفين على ذمة قضايا لم تفصل فيها المحاكم بعد, الأمر الذي يمثل خطرا كبيرا, بسبب توافر العوامل البيئية التي تؤدي لإعادة إنتاج المجرمين والإرهابيين, بعيدا عن أساس عمل السجن كمركز إصلاحي.
وأشار المرصد الحقوقي إلى أن عدد السجناء في تونس يزيد عن 25 ألف سجين, موزعين على 27 سجناً من بينهم 19 مركز إيقاف تحفظي و8 سجون تنفيذ, مشيراً إلى أن مجموع السجناء يفوق الطاقة الاستيعابية للسجون التي تستوعب في الظروف الطبيعية 16 ألف سرير.
وبين الأورومتوسطي أن غالبية السجون في تونس ذات بنى تحتية مهترئة وتفتقر لشروط حفظ الصحة، عدا عن أن غرف السجون ضيقة؛ ما أدى لارتفاع الرطوبة بسبب قلة مساحات التهوية والإضاءة والزحام الشديد فيها ووجود “دورات المياه” داخل الغرف التي قلما يتم صيانتها, ما يتسبب بانتشار الأوساخ والحشرات داخلها.
وأشار أيضا إلى أن نسبة الاكتظاظ داخل السجون بلغت 150% وتصل أحيانا في البعض منها إلى نسبة 200%, ما يعني نقص في عدد الأسرة بالنسبة لعدد السجناء, بحيث يكون نصيب كل سجينين سرير واحد, فيضطر الكثير من المساجين لافتراش الأرض, الأمر الذي بات يثير إشكالات بين السجناء, ويسهل من انتشار الأمراض المعدية والجلدية بأنواعها, فالاكتظاظ, يسبب العنف والسرقة بين المساجين وتداول المواد المخدرة بينهم, خاصة وأن 53% من عدد المساجين تتعلق قضاياهم بحيازة أو ترويج مادة مخدرة, هذه الأوضاع تشي بأن السجون في تونس ليست بخير وأن هناك خروق وتجاوزات كبيرة تنعدم معها الظروف الإنسانية أوصلت حالة السجون لأوضاع مريرة تعتبر انتهاكاً صارخاً للمعايير الدولية.
وأوضح الأورومتوسطي بأن حالة الاكتظاظ داخل السجون أوصلت تونس للمركز الرابع عربياً, بنسبة 212 سجين لكل 100 ألف مواطن وهي نسبة مرتفعة, وفق ما أعلن عنه المركز الدولي لأبحاث السياسات الجنائية 2016, النسبة الأكبر (60%) من عدد المساجين يصنفون كموقوفين على ذمة القضاء في انتظار محاكمتهم، فيما بلغت نسبة من صدرت بحقهم أحكام نهائية بالسجن 40% فقط من عدد المساجين, هذه النسبة المرتفعة من عدد الموقوفين هي ما سببت حالة الاكتظاظ وما نتج عنها من حالة صعبة أثرت على حقوق وصحة المساجين وطريقة التعامل معهم تمهيداً لإعادة تأهيلهم وإصلاحهم.
وأشار المرصد إلى أن النسبة الكبيرة في عدد الموقوفين تستنزف 80% من الموارد البشرية والمادية, والتي كانت من المفترض أن توجه إلى البرامج التأهيلية, وإلى تهيئة السجناء للإفراج عنهم وعملية إدماجهم من جديد في المجتمع, فيما بلغت أعداد السجناء في العام الماضي 26 ألف بنسبة اكتظاظ 170% , في الوقت الذي تجاوزت فيه أعداد الإيداعات الجديدة بالسجون التونسية 53300 نزيلا.
وأوضح بأن هذه السياسة تسببت في ارتفاع نسبة الاكتظاظ, مشيراً إلى نسبة العودة للسجون التونسية التي بلغت 45% وهو رقم يؤكد أن السجون التونسية تفتقد لكل آليات تأهيل السجناء, وغياب إستراتيجية التدريب والتكوين من أجل الإصلاح والإدماج الاجتماعي.
من جانب آخر، ظهرت احصائيات جديدة تفيد بوجود 2000 سجين مدانين بقضايا إرهابية من بين السجناء, مما يستدعي تزايد المخاوف والتحذير من اتساع دائرة التطرف والتشدد داخل السجون, الناتجة عن عمليات الاستقطاب التي تحدث بفعل الاختلاط بينهم وبين الموقوفين من قضايا الحق العام, فالمتهمين في قضايا إرهابية يتم إيواؤهم بالوحدات السجنية مع بقية السجناء العاديين, الأمر الذي يتطلب من السلطات التونسية, إعداد زنزانات خاصة لإيواء هؤلاء المتهمين, بعيدا عن السجناء الآخرين, لضمان سلوكهم غير المتطرف عند خروجهم من السجن.
وفي السياق ذاته، أعرب الأورومتوسطي عن قلقه البالغ جراء التمديد المتكرر لقانون الطوارئ في تونس, الذي يشي بتداعيات سلبية تتعلق بأعداد الاستدعاءات الكبيرة, فلم يتوقف قانون الطوارئ من السريان منذ 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2015 ويجري تمديده حالياً ابتداءً من تاريخ 19سبتمبر/أيلول2016 لتدخل بذلك تونس شهرها 11 من حالة الطوارئ, هذه الإعلانات المتكررة تتزايد معها المخاوف من هيمنة الصبغة الأمنية والأداة القمعية على حقوق المدنيين.
ولفت الأورومتوسطي إلى أن الإعلان عن حالة الطوارئ جاء في ظل تزايد الاعتقالات في صفوف المدنيين واستمرار التعذيب داخل السجون تحت غطاء مكافحة الإرهاب, مشدداً على أن التهديدات المتزايدة التي تواجه تونس في المجال الأمني، ينبغي ألا تكون ذريعة للعودة إلى الأساليب الوحشية التي كانت تمارس في الماضي, ويجب ألا تكون مكافحة الإرهاب ذريعة بأي حال من الأحوال، لممارسة التعذيب، مطالباً بالعمل على تخصيص قوانين محددة تمنع اعتداء المؤسسات الأمنية على المدنيين بناءً على حجج الأخطار الأمنية.
ونوه الأورومتوسطي إلى حالات الاعتداءات المبلغ عنها منذ بداية العام 2016 والتي وصلت إلى 420 حالة تتوزع بين سوء المعاملة والتعذيب, فالكثير من الموقوفين يتعرضون للتعذيب والضرب وسوء المعاملة خلال فترة اعتقالهم وإن كانت هذه الاعتداءات بصورة غير ممنهجة, إضافة للتعذيب الذي يحصل للموقوفين بشبهة الإرهاب, واستمرار ورود حالات وفيات لموقوفين وسجناء بصورة غامضة.
و قال المرصد الحقوقي ” رغم أن السلطات التونسية شرعت في تطبيق القانون الجديد الذي أقرته وزارة العدل والمتعلق بمرافقة المحامي للمتهم خلال التحقيق, الأمر الذي أدى لتراجع عدد حالات التعذيب, إلا أن ذلك لا يكفي, فينبغي البناء على هذا القانون بإيجاد تشريعات جديدة تحترم في معالجتها الأمنية الحقوق والحريات المكتسبة بالطرق العادلة والتي تحفظ معها حقوق الإنسان, أثناء فترات التوقيف والسجن ودوافع الاستدعاء, فقانون الإرهاب الجديد يحتوى على فصول فضفاضة تفتح الباب إلى عودة ممارسة الانتهاكات التي كانت ترتكب في الماضي من جديد, لذلك ينبغي عدم تشويه التقدم الذي تم إحرازه في مجال حقوق الإنسان في السنوات الأخيرة”.
وطالب الأورومتوسطي السلطات التونسية بضرورة العمل للحد من الاكتظاظ داخل السجون, من خلال تفعيل العقوبات البديلة للسجن والعمل على استيعابها من خلال القانون التونسي الذي أشار إليها ضمن نصوصه, كالعمل للمصلحة العامة والغرامات المالية، أو إبقاء المتهم حرا إلى حين محاكمته، أو إصدار أحكام بالسجن مع تأجيل تنفيذها, كذلك للحد من هذه الظاهرة ينبغي ترشيد السلوك القضائي من خلال التقليل من إصدار بطاقات الإيداع, فهذه العقوبات كافية لردع المذنبين وتجنيبهم تجربة السجن التي يمكن أن تقودهم إلى جرائم أخرى بعد خروجهم, فيعودوا للسجن من جديد.
ودعا الأورومتوسطي للإسراع في تحسين الأوضاع داخل السجون ومراكز الإيقاف, من خلال احترام الموقوفين داخل السجون وحفظ كرامتهم البشرية, والتعجيل في إصلاح منظومة التأديب ونظام العقوبات المعمول به وتفعيل نظام شكاوى السجناء والموقوفين داخل السجون, فضلا عن الاعتناء بالبنية التحتية المهترئة للسجون, والعمل على إصلاح منظومة الرعاية الصحية والنفسية في أسرع وقت؛ نظرا لوضع الإهمال الذي يعانيه مئات السجناء والموقوفين وتوفير إطار طبي يكون تحت إشراف وزارة الصحة بشكل منظم.
وطالب المرصد الحقوقي أيضاً بضرورة الفصل بين الفئات داخل السجون, كما نص عليها القانون الجنائي في فصليه الثالث والسادس, فهناك سجون توقيف تؤوي الأشخاص الموقوفين تحفظيا، وسجون تنفيذ تؤوي الأشخاص المحكوم عليهم بعقوبات كسلب الحرية أو أشد، وسجون شبه مفتوحة تؤوي الأشخاص المحكوم عليهم على خلفية جنح, وينبغي تصنيفهم عند توقيفهم على أساس الجنس والسن ونوع الجريمة والحالة الجزائية, وهذا خلاف ما يحدث في أكبر سجون تونس “سجن المرناقية” على سبيل المثال, الذي يعاني من مشاكل كبيرة كالاكتظاظ والعزل والفصل بين المساجين.
وأشار المرصد إلى أن الاكتظاظ الحاصل داخل السجون يمنع تطبيق هذا التصنيف, الأمر الذي يؤدي لوجود الكثير من الأخطار بفعل اختلاطهم, لذلك ينبغي التسريع في عملية البت في ملفات السجناء والموقوفين لتلافي الاكتظاظ المسجل وتوفير أكثر من قاضٍ في كل دائرة قضائية.
ودعا المرصد الأورومتوسطي القضاء في تونس, بتحمل مسؤولياته في عملية الرقابة على الوحدات السجنية وما يحدث داخلها, والتي تكون من صلاحيات قاضي تنفيذ العقوبات, ولجنة الإشراف القضائي على السجون, التي أشارت لها مجلة الإجراءات الجزائية, كذلك معاينة آثار التعذيب وفتح تحقيقات بشأنها, ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات التي لا يجب السكوت عنها, وذلك بتتبع مقترفيها إدارياً وقضائياً للقضاء عليها نهائياً, ووضع عقوبات رادعة لها, فالسجون ينبغي أن تكون مؤسسات إصلاحية تأهيلية أكثر من كونها مؤسسات عقابية تمارس داخلها الانتهاكات.
شارك رأيك