الرئيسية » جمنة : الطريق الى الجحيم مفروشٌ بالنوايا الطيبة

جمنة : الطريق الى الجحيم مفروشٌ بالنوايا الطيبة

%d8%b9%d9%85%d8%a7%d9%84-%d9%88%d8%a7%d8%ad%d8%a9-%d8%ac%d9%85%d9%86%d8%a9

كعادته دائما ، كان النائب الصحبي بن فرج متابعا لما حدث في واحة جمنة وقدم في تدوينة نشرها أمس قراءة عميقة وثرية لما حدث..

وفي ما يلي نص تدوينة نائب كتلة الحرة:

” من الموضوعية أن نقرَّ بأن المشهد فعلا ورديّ وجذابٌ ومغرٍ: هنشير يديره الاهالي بينهم بكل تحضر، يحسنون استثماره، يحقق في سنوات ارباحًا مضاعفة، يشغل 120 عامل عِوَضًا عن تسعة وتعود أرباحه نفعًا على الجهة: مستوصف وملعب ومدرسة وسوق أسبوعية بما “يبشّر” بمنوال تنموي تونسي جديد في مقابل الوجه المفلس لمنوال التنمية التقليدي والمنتهي الصلوحية حيث يتم التفويت في مقدرات الدولة مقابل ملاليم وحيث المحسوبية والمافيا واللوبيات والفساد والرشوة وحيث انعدام المحاسبة والرقابة والتقييم والعائد الإجتماعي والتنموي المُجدي.

ولكن، للحقيقة دائما أوجه عديدة، منها ما نحاول أن نبرزه حتى تبدو الصورة مشرقة ومنها ما نحرصُ على إخفائه حتى لا نشوّش على الأصل وعلى المشهد كاملاً بكل وقائعه.

اولا، هذا الهنشير استولت عليه لجنة حماية الثورة بالقوة قبل ان ينتقل التصرف فيها الى جمعية محلية بعد منع الروابط.

ثانيا، ما وقع في جمنة هو استيلاء بوضع اليد على ملك عام للدولة بتعلة حق تاريخي للاهالي في الارض (وهو ما بنطبق على ملايين الهكتارات وملايين من المواطنين: تخيلوا ما قد يحدث إذا سلّمنا بذلك).

ثالثا، حكومتا الترويكا تعاملتا مع الوضع القائم بصفة طبيعية، بقطع النظر عن صبغتها غير القانونية…..الى درجة انها سلِّمت الجمعية رخصة حفر “سونداج”، ما يعني انها ساهمت في جعلها أمرا واقعًا…..بينما تم التغاضي عنها خلال حكومة الصيد.

رابعا، الحكومة الحالية، عرضت على الجمعية تسوية الوضعية القانونية للبتة بجعلها تحت سلطتها، مع خلاص المصاريف ووعد بصرف الأموال الى المجلس المحلي لجمنة ليقوم بإنجاز ما سبق الاتفاق عليه من مشاريع تنموية وعرضت تسوية وضعية العمال نهائيا، وعرضت على الاهالي تكوين شركة وتسويغ الهنشير رسميا وقانونيا من الدولة. (تماما كما وقع في مناطق مجاورة، ومع وضعيات مشابهة).

ورفض من كان لهم حق إصدار الفيتو كل هذه العروض.

خامسًا،البتة تم منعها بحكم القضاء، ولكنها وقعت بحضور نواب الشعب ، الذين يسنّون القوانين والمكلفين أصلاً بالسهر على احترام القانون.

سادسًا، حزب يساري راديكالي في المعارضة يعقد مجلسه الوطني تحت شعار: جمنة، الارض لمن يَفلحها، بينما يصرح رئيس حزب يميني ليبيرالي زار المنطقة و مشارك في الحكومة ب”أننا نؤمن بأن الأرض لمن يزرعها”!!!! وبشّرت نائبة حزب “ثوري” بتصدير المنوال الى مناطق القصرين وفرسانه وتالة،

وفعلا بدأت الدعوات هنا وهناك “لاسترجاع” المزارع والهناشر لتسييرها حسب “المنوال” المعجزة.

راجعوا الصفحات الثورية والثورجية لتعلموا مدى ما يعدّون لإطلاق “ثورة المنوال المبشر بالتنمية” معوّلين على شرارة جمنة وخاصة على ما ستقوم به الدولة في جمنة.

ومن يدري، قد يستولي العمال يوما على مصانعهم وقد يسترجع الثوريون شركاتنا العمومية ليجعلوا من تونس سويسرا جديدة،…عفوًا ليببا ثانية.

سادسًا،”المنوال التنموي” الذي تم اكتشافه في جمنة والذي يراد تقنينه وشرعنته بالقوة وتصديره وتعميمه بالغمّة ليس بكل هذه الوردية والرومانسية التي يراد لنا الا نرى سواها:

  • نفس القصة وقع في مناطق اخرى(توزر مثلا)……ولكن لم تنتج سوى خراب المشاريع التي كانت قائمة، ومنتجة ومشغِّلة،
  • نفس ذلك “المنوال” الثوري أدى الى افلاس الاتحاد السوفياتي وأوروبا الشرقية،
  • نفس المنوال الشعبوي والثورجي أدى الى تخلّف وانهيار دولة غنية مثل ليبيا التي انقسمت الى شعوبٍ وقبائل متناحرة،
  • نفس التجربة “الرائدة” جربناها في تونس خلال سنوات التعاضد وأدت الى الجوع والمجاعة والانتحار الجماعي والافلاس الاقتصادي،

وأخيرًا،…..وهذا هو المهم: عندما تجرأ رجل دولة شجاع (السيد سفيان ڤربوج المعتمد الاول المعزول للقصرين) على وضع منوال تنموي عملي، بسيط ومشابه لتجربة جمنة ولكن تحت سقف الدولة وإشرافها، قائم على التشاركية والتضامن والتأطير والشفافية مع تمويل معقول ومتوفّر ومردودية تشغيلية عالية وتنمية مستديمة واستغلال ديموقراطي لثروات القصرين من الغابات والرخام والحلفاء والفلاحة وتربية الماشية……عندما فعل ذلك، قامت نفس الاحزاب الراديكالية واليسارية والثورية بتشويهه وترهيبه وطرده وتلفيق تهم الفساد والسرقة والرشوة……فقط بعد ثلاث أشهر من مباشرته لعمله..

بالمناسبة، بعد طرده مباشرةً، خاطبه الكاتب العام الجهوي لأحد هذه الاحزاب قائلا: ألم ننصحك بالابتعاد عن التنمية ؟؟(إسألوا أهل القصرين عن هذه الحادثة الموثّقة ان كُنتُم لا تعلمون)..

نعم، منوال تنميتنا مفلس، وإدارة الشأن العام عندنا متخلفة، والتصرف في ثروات دولتنا ووطننا يطغى عليه الفساد والمحسوبية………لا ينكر ذلك الا جاهل، أو متعصِّب أو غير موضوعي،

ومع ذلك لا خيار لدينا الا إصلاح كل ذلك، ولما لا الاستفادة من تجربة جمنة في حسن التصرف والتضامن والتكافل ولكن تحت سقف الدولة والقانون.

….واعتبارها إستثناءً للعبرة والدراسة.

لن نهرب من الفساد الى الفوضى ، ومن القانون القاصر الى قانون الغاب ومن الادارة الناقصة الى الإدارة الغائبة ومن الدولة المتخلفة الى اللا دولة……كما يحلم بعضهم.

ملاحظة :مع المقال نسخة لمحضر جلسة بين الدولة وجمعية مشابهة لجمعية واحات جمنة، مما يؤكد استعداد الدولة لتسوية مثل هذه الوضعيات الاستثنائية واللا قانونية (وهو ما عُرض على جمعية جمنة)..

14650592_1406500626056828_8263638598681040514_n

14670713_1406500629390161_1731462939819818463_n

شارك رأيك

Your email address will not be published.

error: لا يمكن نسخ هذا المحتوى.