بقلم احمد الرحموني*
شخصيا اعتقد ان صيغة الهيئة الوقتية للقضاء العدلي كانت اكثر تفوقا من بناء المجلس الأعلى للقضاء الذي جاء مفرغا من اية صلاحيات تتعلق بادارة الشان القضائي فضلا عن تعارضه مع الدستور و المعايير الدولية .
واضافة لذلك فان مسارعة الهياكل القضائية الى المشاركة في انتخابات المجلس يعود الى واقع التجاذبات فيما بينها ورغبتها في التموقع داخل المؤسسة الجديدة رغم تناقض موقفها ذاك مع تحركاتها السابقة وعدم المشروعية البارزة لمشروع القانون المحدث للمجلس الذي اكدته الهيئة الدستورية المؤقتة.
والى جانب ذلك فان موقف المحامين – ممثلين في هيئتهم الوطنية على عهد محمد الفاضل محفوظ – كان مدفوعا برغبة غير مفهومة في التموقع داخل المجلس واضعاف صلاحياته (على خلفية تجاذبات “تاريخية “مع القضاة )واقصاء غيرهم من مكونات المنظومة القضائية بحجة عدم استقلالهم .
كما ان موقف الاحزاب المهيمنة (وخصوصا حزبي حركة النهضة و نداء تونس)التي لاتؤمن باستقلال القضاء يرتبط بمصالحها التي تدعو الى توسيع منافذ “التسرب “الى داخل مؤسسات الدولة .ولعل تركيز المجلس الاعلى للقضاء يمثل بالنسبة لجميع الاحزاب مرحلة ضرورية لوضع يدها على المحكمة الدستورية ذات الطبيعة السياسية البارزة .
ورغم الخطاب المعتاد الذي اصبح يدعو الى “التغيير من الداخل” والقبول بالمرحلية واتهام المنتقدين بالتطرف فان جملة من العوائق (بالولادة )تجعل من المجلس هيكلا محدودا و غير مؤثر ان لم يكن هامشيا : من ذلك على سبيل الذكر،
– التركيبة الاقصائية التي” تطرد “من المجلس اغلبية المهن القضائية المكونة لمنظومة العدالة رغم ان الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين قد اكدت على تعارض ذلك مع احكام الدستور. ومن الواضح ان اشكالات عدة ستعترض المجلس (ذا التركيبته “القطاعية “) في علاقته ببقية مكونات المنظومة القضائية.
-الاختصاص “المهني “الذي يمثل جوهر العمل الموكول للمجلس الاعلى للقضاء وتحديدا النظر في المسارات المهنية للقضاة حسب اصنافهم (ترقية – نقلة – تاديب )وهو ما يجعل المجلس معزولا عن مهمته الاصلية وهي “ضمان حسن سير القضاء و احترام استقلاله “طبق ما يقتضيه الدستور (الفصل 114).ولذلك يبدو من الاكيد ان احداث المجلس لن يغير من واقع الاختلال في علاقة القضاء بالسلطتين التنفيذية و التشريعية فضلا عن عدم ادعاء المجلس تمثيله لما يسمى بالسلطة القضائية .
– اقتصار المجلس الأعلى للقضاء على الاختصاصات الوظيفية واستبعاد ولايته الشاملة على الشان القضائي (انتداب – تكوين – تفقد – اشراف على المحاكم …الخ) يبقى على وضعية الخلط بين القضاء و السلطة التنفيذية ويحول – واقعا و قانونا – دون نشاة السلطة القضائية بمكوناتها والياتها المستقلة .وهو ما يقصي الزعم الموهوم باستقلال السلطة القضائية او انتفاء اشكالية “استقلال القضاء”. -عدم تفرغ اعضاء المجلس الاعلى للقضاء – سواء كانوا منتخبين او معينين بصفاتهم – توافقا مع الاختصاصات المحدودة للمجلس نفسه وهو خيار مقصود يجعل من هذا المجلس اطارا شبيها باللجان الاستشارية للمؤسسات الادارية او الصناعية و ينزع عنه صفات ومقومات واليات الكيان المجسم لوجود سلطة مستقلة . – الابقاء على محاذير التسيس وتضارب المصالح وذلك في علاقة مع بعض اعضاء المجلس من غير القضاة (كالمحامين وعدول التنفيذ و الخبراء المحاسبين …)الذين اصبحوا ينظرون في ترقية القضاة و نقلتهم وحتى تاديبهم.ومن شان ذلك ان يفتح الباب للتاثير المتبادل بين القضاة والمحامين و مساعدي القضاء في غياب الاحكام الخاصة بالتوقي من تضارب المصالح .ولايخفى زيادة على ذلك ما يرافق انتخابات المحامين من تجاذبات سياسية يمكن ان تؤثر على حياد المجلس ازاء الاحزاب السياسية او الهيئات المهنية (خصوصا بالنظر الى عدد المحامين المكونين لمختلف المجالس القضائية )…..الخ .
……………………………………………………………………………
*أحمد الرحموني هو قاض و رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء
………………………………………………………………………………….
** المواقف والأفكار التي تنشر في قسم “أفكار” لا تلزم إلا أصحابها ولا يعني نشرها من قبلنا تبنينا لها بأي صفة من الصفات .
شارك رأيك