و أخيرا اختتم المؤتمر الدولي للاستثمار بعد يومين من الاشغال التي تراوحت بين الخطب الرسمية المشحونة بالوعود والتعهدات و الالتزامات وبين جملة من المحاور المدرجة بجدول الاعمال.
المشاركون تناولوا بالدرس و التحليل عددا من المحاور الاقتصادية من اجل الظفر بالحلول الكفيلة بمساعدة تونس على تخطي صعابها و التوجه نحو المستقبل برؤية جديدة، رؤية الوطن الذي يريد ان ينفض عنه براثن التجاذبات العقيمة و ما ترتب عنها من تقهقر في المنظومة الاقتصادية و من اختلال في المناخ الاجتماعي بما كان له التأثير السلبي المقيت على المقدرة الشرائية للمواطن و لا سيما على حالته النفسية التي شارفت الإحباط، يشهد على ذلك الاقبال المزايد على عيادات الامراض العصبية و النفسية بالمستشفيات العمومية و المصحات الخاصة.
و لقد ذهب الكثيرون الى تشبيه هذا اللقاء الاستثنائي ب”التليتون” اذ ظلوا يتساءلون عن حصيلة الأموال التي أمكن جمعها بفضل الهبات و المساعدات و القروض الميسرة التي تم الإفصاح عنها و التعهد بها من قبل الملوك و رؤساء الدول و الحكومات و الهيئات المالية الإقليمية و الدولية و التي قدرت بما يناهز34 مليار دينار أي ما يفوق ميزانية الدولة لسنة كاملة المقدرة ب32،7 مليار دينار، وهي مبالغ لا يستهان بها، فهي من الأهمية بحيث تدعو إلى حسن التهيئ لها و توظيفها التوظيف الأمثل و بأسرع الأوقات لأن وضع البلاد لا يحتمل التأخير أيا كانت الأسباب.
ومهما كان حجم هذه الاموال و خلفياتها و مراميها فإن ما يبعث على الارتياح هو- على الرغم من بعض الحركات الاحتجاجية التي أقدمت عليها بعض الأطراف النقابية و الهيئات المهنية متزامنة مع موعد المؤتمر- النجاح الدي سجلته البلاد على مستوى التنظيم المحكم لهذا المؤتمر و حسن تسيير الاشغال وتوفير الظروف الطيبة لإقامة الضيوف وكذلك على مستوى القدرة على استقطاب الاستثمارات الخارجية و إعادة البريق لصورة تونس في فضائها الخارجي الواسع باعتبارها بلدا واعدا يتوفر على إمكانيات استثمارية كبيرة و على موارد بشرية فائقة الكفاءة و الخبرة و حسن التصرف و التدبر بما يمكن من توجيه الأموال نحو المشاريع المنتجة للخيرات و المولدة لمواطن الشغل التي ينتظرها الجميع لمعالجة معضلة البطالة و تأثيراتها السلبية على العائلة التونسية ولاسيما على الشباب و لتحقيق التمييز الإيجابي بين الجهات الداخلية بالخصوص وفق ما ينص عليه دستور البلاد في نسخته الجديدة.
و كل هذه النجاحات كان لها التأثير النفساني الإيجابي الكبير على نفوس التونسيين و التونسيات سيما و انها تزامنت مع نزول الغيث النافع بما عزز رصيد التفاؤل لديهم ونزع عنهم كابوس اليأس و القنوط و مكن من شحذ العزائم استعدادا لمرحلة قادمة قوامها العمل و الكد و الجد و نكرات الذات بعيدا عن كل الحسابات السياسوية الضيقة التي لم تجن منها البلاد إلا المصاعب و الأزمات.
و ينبغي ان ندرك جميعا – ونحن نستعد لهذه المرحلة المصيرية من مسيرتنا التنموية الاستعداد الكامل حتى نكون في مستوى الثقة التي وضعها فينا الأشقاء و الأصدقاء الذين عبروا عن استعدادهم للوقوف الى جانب تونس للخروج من عنق الزجاجة كما يحلو لرئيس الجمهورية الباجي قائد السبسي توصيف الأوضاع – قلت ينبغي أن ندرك أن تلك الأموال -على اهميتها – سوف لن يتم ضخها مباشرة في خزينة الدولة لتصرف في ما قد ينعش للتو نمط الحياة اليومي للمواطن و يزيل عن طريقه كل الصعوبات و العراقيل.
ولنكن متفائلين و لنقل بان كل هذه التعهدات سيتم تجسيمها بالفعل و سوف لن تذهب هباء منثورا على غرار ما حصل في قمة الثمانية في دوفيل (فرنسا – ماي 2011 )، لكن إدخال تلك الاستثمارات حيز الإنجاز سوف يتطلب مهلة زمنية لا تقل عن سنتين حسب رأي الخبراء و هي الفترة المطلوبة لعودة المسؤولين الى مؤسسات بلدانهم وعرض الأمر على أنظارها للدراسة و المصادقة إذا ما توفرت في هذه البلدان المؤسسات الدستورية أما إذا كانت من صنف الأنظمة الملكية غير الدستورية فإن الموضوع يبقى خاضعا لأهواء صاحب السلطة. و تلك الأهواء قد لا تكون مستقرة بالمرة بل هي تتغير بحسب الملابسات التي يحكمها مدى الامتثال من قبل البلد المستفيد لتوجهات البلد المانح.
و إذ نؤمن باستمرارية الدولة في الأنظمة الديمقراطية و باحترام التعهدات فإن الاستثناء للقاعدة يبقى واردا. فقد لا نستغرب تغير المواقف في فرنسا مثلا وهي المقبلة -على أغلب الظن- على الانتقال من حكم اليسار الى حكم اليمين بما احرزه مرشح هذا الأخير من نتائج عالية في الانتخابات الأولية.
و عليه فإننا بقدر تعبيرنا عن شعور الاعتزاز بالسمعة الطيبة التي تتمتع بها تونس في فضائها الخارجي الواسع – حتى و إن غابت عن حضور المؤتمر بعض بلدان الشرق الأقصى و أمريكا اللاتينية – فإننا نؤكد التقدير لكل البلدان و المنظمات المانحة كما نؤكد اعتقادنا بأن أحسن و اكبر و أنجع استثمار نحققه للبلاد هو الاستثمار في الموارد البشرية و في الذكاء التونسي القادر على الخلق و الابتكار و الإضافة بما يفتح الأفق واسعا لجعل تونس منصة اقتصادية تشع على العالم من خلال همزة الوصل التي تقيمها بين بلدان البحر الأبيض المتوسط شمالها و جنوبها و بلدان القارة الافريقية بأكملها.
بقي ان نشير في الختام إلى العمل الإصلاحي الكبير الذي ينتظر ادارتنا بكامل فروعها و اختصاصاتها لتكون مؤهلة لتحقيق ذلكم الكم الهائل من الاستثمارات و متابعة انجاز المشاريع المتعلقة بها حتى لا يقلق أصحابها ويفرون من البلاد بعد ان سجلوا عودتهم القوية إليها.
وجدي مساعد
شارك رأيك