عندما يطرح موضوع الحوكمة في التصرف في الجمعيات فإن الامر يحيل بالضرورة إلى التمعن في كل ما يحيط بعالم هذه الجمعيات في بلادنا من حيث الجوانب القانونية و الإجرائية و التطبيقية و المالية و حتى من حيث كينونتها و وجودها الفعلي على ارض الواقع.بمثل هذه الملابسات طرح الموضوع للدرس و النقاش بدار المؤسسة، مؤخرا في إطار الندوة التي بادر بتنظيمها المركز التونسي لحوكمة المؤسسات التابع للمعهد العربي لرؤساء المؤسسات تحت عنوان “حوكمة الجمعيات = التطبيق السليم و الشفافية و الابتعاد عن تضارب المصالح”.
غياب الرقابة
و بحضور أحمد بوزقندة رئيس المعهد و يوسف القرطبي رئيس المركز تولى مجدي حسن المستشار التنفيذي للمعهد تقديم الدليل الذي تم اعداده حول االطرق السليمة الواجب اعتمادها في حوكمة الجمعيات. و تقديم هذا الدليل انما هو ركن من البرنامج الذي تضمن، إلى جانب الخطب الرسمية، ثلاث ورشات عمل تطرقت الأولى الى موضوع هيكلة الجمعيات وتضارب المصالح داخلها في حين اهتمت الثانية بالاستقلالية و الشفافية و الاتصال في الطرق المعتمدة في تسييرها اما الورشة الثالثة و الأخيرة فقد خصصت للتداول في شأن الحوكمة في الجمعيات الرياضية بحضور وزيرة شؤون الشباب و الرياضة ماجدولين الشارني و عدد من اهل الاختصاص في دنيا الرياضة.
و باستحضارنا لما تم تقديمه من بيانات خلال هذه الورشات الثلاثة و ما اثير من نقاش حول مختلف المحاور المدرجة بجدول الاعمال تأكد ان قضية الرقابة المالية هي الأساس في كل الإشكاليات التي تعيشها الجمعيات. فهذه الرقابة غائبة بالمرة في متابعة ما تقوم به الجمعيات من أنشطة و ما تنفقه من أموال بحيث توضع النصوص القانونية و الإجراءات التطبيقية دون الحرص على السهر على احترامها وتنفيذها.
و في هذا السياق يؤكد الخبير الاقتصادي و رئيس الجمعية التونسية للحوكمة معز الجودي ان البلاد تعد حوالي 18 الف جمعية و لايحترم الضوابط القانونية منها الا 20 جمعية فقط و ذلك وفق دراسة أعدتها جمعيته حول هذا الموضوع.
بعيدا عن السياسة
“الامر مؤسف للغاية بل هو المأساة بعينها” يقول الجودي مضيفا ان ضمان الحوكمة صعب المنال في ظل غياب الثقافة المؤسسة لذلك، و ان الجمعيات ليست في الواقع مؤسسات لإنتاج الثروة و لكن العديد منها أضحت فضاءات يستغلها المهربون لتبييض أموالهم. لذلك اقترح بعضهم إقامة هيئة للرقابة خاصة بالجمعيات تجبر على اعتماد التقرير المالي الذي تفترض المصادقة عليه من قبل مراقب للحسابات مع الامتثال لمقتضيات الفصل 41 من قانون الجمعيات الذي ينص على ابراز مصدر الأموال الاجنبية و توضيح تفاصيلها بالنشر على أجهزة الاعلام.
و اذ يؤكد الجودي ضرورة الرفض القطعي للتعاطي السياسي صلب العمل الجمعياتي، فإن سناء غنيمة نائبة رئيسة “جمعية المرأة و القيادة” ان العديد من الجمعيات تميل الى الاقتراب من التحرك السياسي النشيط الذي غالبا ما يكون مصدرا لتضارب المصالح.
“المفروض ان نحدد الأهداف ووسائل العمل و طرق التسيير مع الإبلاغ عن كل ما نفعل و ما ننفق”، تقول سناء غنيمة .اما أمينة يحياوي المؤسسة لجمعية “بوصلة” فانها تحصر مشاكل الجمعيات في ثلاثة أبواب كبرى هي أولا الأموال التي تدخل الجمعيات لتمويل الإرهاب و ثانيا الأحزاب السياسية التي تسعى الى تكوين جمعيات مجانبة تستفيد من خدماتها و لا سيما على مستوى التمويل. “هنا تكمن الكارثة، تقول أميرة يحياوي، لان قانون الأحزاب يفترض التمويل الوطني لا غير، و هكذا يكون التمويل المجانب سببا في تضارب المصالح”.
لامركزية الادارة
و يتعلق الباب الثالث و الأخير بالإدارة التونسية التي أضحت أداة لتعطيل الأمور لا لتسهيلها، حسب أميرة يحياوي التي تقر بان التمويل الذي تنتفع به جمعية “بوصلة” متأت بنسية 95 بالمائة من موارد أجنبية و ان البرامج و الأنشطة التي تقدمها اغلب الجمعيات مملاة من الأحزاب التي تحتضنها و تمولها.
و في هذا السياق يرى شوقي الطبيب رئيس الهيئة الوطنية لمقاومة الفساد ان الضرورة تقتضي تنزيل احكام الفصل 65 من الدستور و اصدار القانون الأساسي المتعلق بالتمويل داعيا الى وضع نظام جبائي خاص بالجمعيات سيما و ان بعض الجمعيات الأجنبية معفاة من الضرائب دون سواها من الجمعيات التونسية. و دعا ايضا الى اعتماد مقاييس الشفافية على التمويل الأجنبي للجمعيات من قبل الهيكل المعني صلب البنك المركزي التونسي.
و لتكثيف العناية بالقطاع الجمعياتي في تونس اقترح شوقي الطبيب دعم إدارة الجمعيات التايعة لرئاسة الحكومة بالامكانيات المادية و البشرية و اخضاعها لقاعدة اللامركزية باحداث قروع جهوية لها في كامل ولايات الجمهورية.
وجدي مساعد
شارك رأيك