بقلم : د. الصحبي العامري
بعد محطة القيادة النهضوية في الهجرة القسرية في الجزائر توجّه في البداية اكثر من المائتين من النهضويين الى السودان بعد أن هربوا من العدالة في تونس حين كان حسن الترابي رئيس البرلمان السوداني. وكان من أشهر أنذال الحركة محسن الجندوبي، عامر العريض وعبد الحميد العداسي الذين كانوا يمثلون عناصر الارتباط مع المخابرات السودانية الترابية – البشيرية قبل الانشقاق والخلاف بين رئيس البرلمان حسن الترابي والرئيس عمر البشير.
كان المرحوم الجنرال عبد الحميد بالشيخ سفيرا لتونس بالخرطوم معززا بكوادر أمنية في هيئته الديبلوماسية من عناصر مصالح أمن الدولة ومن بينهم إبراهيم السباعي المكلف بمتابعة شبكات واخطبوط النشاطات المشبوهة للنهضويين في الخارج ..
كان الهارب من العدالة في تونس والمتورط في التحضير لتفجير ماخور عبد الله قش بالعاصمة النهضوي محسن الجندوبي مكلفا بالتحقيقات الامنية مع خصوم راشد الغنوشي داخل التنظيم النهضوي في المهجر بالتعاون مع ضابط الصف التقي المتديّن جدددداااا الإنقلابي عبد الحميد العداسي وعامر العريض وأحمد الحجري وكمال العيفي بالتنسيق السياسي بغية تنصيبه خلفا لراشد لغنوشي الذي إستحوذ على الأصل التجاري النهضوي ..
كان العدد الجملي للنهضويين الذين مروا بالخرطوم وأم درمان يتحاوز الــ 500 نفرا قبل أن يتم تفريقهم وتوزيعهم على دول اللجوء السياسي في أوروبا بعد ما طارت سكرة الجولة الإسلامية الترابية في السودان وتولى الرئيس عمر البشير زمام الامور في بلده ..
كانت هناك طبقتين من النهضويين تعيش بالخرطوم في تناقض تام حيث كانت العناصر القيادية تحظى بالسكن في الحي الديبلوماسي في فيلات فاخرة وسيارات ورفاه أسطوري تغدقه المخابرات الترابية – البشيرية على مرتزقة راشد الغنوشي .. وفي المقابل كانت هنالك ايضا طبقة ثانية من القواعد المتكدّسين بدار القصدير في أحد الأحياء الفقيرة التي تعيش ظروفا صعبة ومن بينهم القتيل محمد الزواري الذي كان يحقد على ممارسات التفرقة الطبقية المفروضة على شريحة من النهضويين دون موجب ..
وفي المقابل وقع تكوين لجنة الترقيات التي تشرف عليها محموعة من المجرمين النهضويين المذكورين أساسا آنفا .. حيث وقع توظيف البعض من مرتزقة راشد الغنوشي للخدمة في مصالح الدولة الترابية – البشيرية ومنهم جمال الدلالي “الجزيرة و”ت.ن.ن” الآن وفي التلفزيون السوداني، مثلا ..
كان القيادي النهضوي والوزير الفاسد للفلاحة سابقا محمد بن سالم مكلفا باختراق رجل الأعمال وتاجر الأسلحة التونسي الدولي رمضان المحرزي (مدير أعماله المُبعد من حركة النهضة بعد الثورة المتحيل منار سكندراني) حيث وقع اغتيال رمضان المحرزي فيما بعد في باريس عن طريق تلفيق قضية خيانة وتحريض زوجته التي قتلته في قضية غريبة الأطوار فسخها القضاء الفرنسي ولم يوليها أي إهتمام ..
وبين الخرطوم وأم درمان وقع توجيه جانبا من النهضويين للمساهمة في تحرير الجنوب السوداني من الكفار بتحريض من حسن الترابي وبقيادة الشق السياسي او بالأخرى المُتتونس لحركة النهضة في المهجر وأما البعض الأخر فقد تم توجيههم في صفقة بيع “كارلوس” أو “إيليتش راميراز صانشاز” الى وزير الداخلية الفرنسي سابقا شارل باسكوا ليتحولوا لاحقا الى أئمة لدى القوات الأمريكية في افغانستان بعد المرور يفترة نقاهة في لندن ..
إلتحق بالمجموعة النهضوية الهاربة في السودان محمد الزواري قادما من ليبيا سنة 1991 بعد أن قام بإيواء عبد الكريم المثلوثي العميل النهضوي المزدوج لدى وزارة الداخلية في تونس والذي كان متورطا في عملية باب سويقة وبقي هاربا في صفاقس لدى محمد الزواري أكثر من أربعة أشهر الا انه حالما خرج من السرية إلتحق بمجموعة باب سويقة للمحاكمة والسجن الذي غادره بعد عشر سنوات تحت إسم جديد “كريم عبد السلام” ويتحول بعد الثورة إلى مناضل وناشط حقوقي في إطار جمعياتي لتختفي نهائيا علاقته المشبوهة بوزارة الداخلية وامين عام الحزب الحاكم المنحل عبد الرحيم الزواري الذي كان سندا ماديا لكريم عبد السلام بعد فترة السجن في تمويل بعض المشاريع التجارية واقتناء بعض المحلات والعقارات التي تجعله مستقلا بذاته ماديا خلافا لما وقع لباقي المتورطين في عملية باب سويقة الارهابية ..
منذ بداية حملة الاستئصال البوليسي في اوائل تسعينات القرن الماضي كان القتيل محمد الزواري وسيطا في تهريب عديد القيادات من الاسلاميين نحو القطر الجزائري والليبي الى حدود تهريب باقي المتورطين الأصليين في قضية باب سويقة وهما المنجي الرعاش وعماد المغيربي .. وحتى لا ينكشف الخط الرابط في عمليات تهريب النهضويين لاذ محمد الزواري بالفرار إلى ليبيا وإختفى صاحب الإسم الحركي وكنية “نوفل” من الصورة ليندمج لاحقا مع رفاق دربه في الخرطوم تحت إسم جديد “مراد” في أنشطة ذات علاقة بالقاعدة والمكونات الاسلامية المقاتلة ..
ما إن تدخلت الهيئة العليا لشؤون اللاجئين حتى وقع نقل اللاجئين التونسيين من السودان وقتيا الى سوريا .. بما أنّ القتيل محمد الزواري كان قد تزوج من سورية فقد تعذّر عليه لاحقا قبول الإستقرار في دولة أروبية وبقي في سوريا بعد أن صدر ضده حكما غيابيا في تونس يقضي بحبسه مدة عشر سنوات ..
بقي في سوريا وتوطدت علاقاته مع بعض التنظيمات الإسلامية المقاتلة ومنها حماس وحزب الله ليدخل مرحلة جديدة في حياته جعلته يبتعد عن الاحتكاك بنشاط القيادة النهضوية في المهجر دون قطع علاقاته مع بعض أصدقائه في حركة النهضة .. إلا انه بعد الثورة وبعد حصوله على العفو التشريعي العام إلتحق بسالف مهنته في اطار خطة تقني بمدرسة المهندسين بصفاقس وأشرف على النادي العلمي وتأطير طلبة الجامعة في بعض الانشطة والابتكارات في مجال الطيران برعاية أساتذة واطارات هذه المدرسة الجامعية .. لكنه وجد في استعادة علاقاته مع تيارات اسلامية الخرجة عن الهيمنة الغنوشية منفذا في التواصل والتعاطف مع الجهاديين الاسلاميين في سوريا والمصيبة الكبرى التي حلت بهذا البلد من تداعيات الربيع العربي ..
ويبدو من خلال بعض المعلومات أنّ القتيل محمد الزواري كان وسيطا في عقد بعض الصفقات السرية لتهريب السلاح في دعم مجاهدي حماس وحزب الله وإسناد الجهاديين في سوريا مما جعله يتردد على تركيا وسوريا ولبنان عديد المرات بعد الثورة في معابر لا يمكن إلى غير المعروفين المرور منها إلى الشام .. لكن يبدو أيضا أنّ إغتياله يوم 15 ديسمبر 2016 يدخل في إطار عملية إستباقية لما عساه أن يحدث حين يتقلد “دونالد ترومب” مقاليد السلطة في الولايات المتحدة الامريكية في 20 جانفي 2016 بعد أن صرّح بكل وضوح أنّه ضد الإرهاب ولا يناهض ممارسات التعذيب لفرض الأمن والإستقرار ولكن دون أن يحدد مجال تنفيذ قراره “داخل امريكا او خارجها ..
لذلك فقد قررت أطراف أخوانية التخلص من الحلقة الضعيفة والهامة من مخزون معلومات قد تكشف رموزا من الاسلاميين في العالم على علاقة وطيدة مع دواليب نشاط القتيل محمد الزواري ولا يُستبعد ان تكون حركة النهضة متورطة بجهازها الخاص في التخلص من شخص منفلت عن دائرتها يمتلك معلومات رهيبة في تخندق بعض عناصر من المعبد الأزرق في “مون بليزير” في الارهاب الدولي ومصادر التمويلات الرهيبة التي تساهم في الفوارق الاجتماعية بين رفقاء الدرب في نضالهم ضد دكتاتورية البوليس النوفمبري وتغذية التوترات القائمة في بؤر المشاحنانات بيت التيارات الإسلامية ..
إنتهى دور محمد الزواري وتخلصت منه الجماعة لتبدأ مرحلة جديدة في التصفيات الجسدية التي تهدد كيان القيادة النهضوية التي تبرأت في تصريحاتها من إنتماء محمد الزواري للحركة وخدماته السابقة في نضاله لكنها عجزت عن تمرير الحربوشة الى قواعدها الذين لم يتنكروا لرفيق دربهم .. لتتعدد الروايات الهوليودية في تجريم الموساد في حين أنّ القيادات النهضوية تحتفظ عبد الثورة بعلاقات متميّزة مع رموز الصهيونية العالمية ولا ترى مانعا في التواصل والتطبيع مع الكيان الصهيوني رغم أنّ القانون الأساسي للحركة ينفي ذلك .. في إنتظار المصادقة الأممية على منع تنفيذ حكم الإعدام في سوريا ضد الإرهابيين الأجانب الذين ينتظرون المحاكمات القاسية بعد إستقرار الوضع في حلب الجريحة ..ليقع التفاوض لاحقا في مصير الجهاديين من أبناء المجرم بوجلغة الذي يُسند المهمات القذرة إلى من هو أكثر قذارة في الشبكات الاجرامية لمرتزقة التنظيم الاخواني دون أن يفلح في دفع أصابع الإتهام نحوه في هذه الجريمة الجريمة النكراء ليصبح راشد الغنوشي صاحب شبهة واضحة في إغتيال محمد الزواري رغم أنّ الأبحات والتحريات لن تصله بحكم نفوذه وموقعه في المشهد السياسي في تونس .. ليقع تصنيف هذه الجريمة في رفوف قضايا شكري بالعيد ومحمد البراهمي .. دون معرفة الجاني الحقيقي .. رغم البروبقندا المصطنعة في إتهام جهاز الموساد في إقترافها .. زكأن هذا الجهاز قد سبق له أن إعتراف سابقا بإغتيال المبحوح في الامارات وغنية في سزريا .. فرجاءا لمرتزقة المعبد الأزرق في “مون بليزير” وأبواقهم المافيوزية أن يحترموا ذكاء المواطن التونسي الذي كره الرهوط المتقلبة ومحاولاتهم الرخيصة في التمويه والايهام بالبراءة .. البارحة جاء دور محمد الزواري .. وغدا يأتي الدور على البقية .. وتلك الأيام نداولها بين الناس .. يزم إليك .. ويوم عليك ..
رحم الله القتيل محمد الزواري وأسكنه فراديس جنانه ورزق أهله جميل الصبر والسلوان ..
إنّا لله وإنّا إليه راجعون .. تعددت الأسباب والموت واحد .. وتلك هي حكاية أخرى .. وللحديث بقية ..
……………………………………………………………………………………………..
*د. الصحبي العمري، من مؤسسي حركة الاتجاه الاسلامي .ناشط سياسي
……………………………………………………………………………………………
المقال جاء في تدوينة نشرت على حساب الصحبي العمري الشخصي على الفايسبوك الأحد 18 ديسمبر
…………………………………………………………………………………………
** المواقف والأفكار التي تنشر في قسم “أفكار” لا تلزم إلا أصحابها ولا يعني نشرها من قبلنا تبنينا لها بأي صفة من الصفات .
شارك رأيك