إن ما اصطلح على تسميته في تونس بثورة الياسمين المنتجة للربيع العربي ليس لها من رائحة الياسمين الفواحة ولا من أزهار الربيع المنعشة شيء سوى ما يمكن أن نمني به النفس من تلك الفسحة من حرية التعبير التي لم نحسن- للأسف – استغلالها بما يفيد البلاد و العباد.
ناهيك وأن أغلب المادة الإعلامية تصب في المسائل الهامشية إلا ما رحم ربك بفضل ما تسعى إليه بعض المواقع الالكترونية من تكريس لإعلام أقرب ما يكون للموضوعية المنيرة للرأي العام و المثيرة للقضايا الحساسة و المصيرية.
هذا الخضم من الزخم الذي اختلط فيه الحابل بالنابل زاد في تأجيج الأحداث التي ظلت تعيش عليها بلادنا منذ ست سنوات بما جعلها مسرحا لعديد الخروقات و الصدامات التي ما اتى الله بها من سلطان ولقمة سائغة في أفواه من يتربصون بها شرا و من يسعون إلى خرابها بكل الوسائل و بث الفوضى في صفوف أبنائها لكسر وحدتهم و إشعال نار الفتنة بينهم.
و لعل آخر ما جادت به قرائح المتربصين بأمن تونس و استقرارها هو ذلك الاعتداء على الطلبة الأفارقة الدارسين بين ظهرانينا و الذين كانوا و ما يزالون محل ترحاب و تبجيل في بلاد عرفت – عبر تاريخها الطويل – بالتفتح و التنوع و التسامح و التلاقح بين الحضارات و الثقافات و الأديان.
فكيف لبلد تتوفر فيه هذه المواصفات أن يصبح بين عشية و ضحاها مسرحا للميز العنصري .و كيف لوطن خمس سكانه تقريبا هم من أصحاب البشرة السوداء، أن يتنكر لهؤلاء و أن يستنكف منهم و أن يحقد على أمثالهم من الضيوف القادمين إليه للفسحة و السياحة أو للتعلم و العمل ( في غياب المعطيات الرسمية المدققة، تفيد بعض الاحصائيات بأن أصحاب البشرة السمراء لا تزيد نسبتهم عن 15 بالمائة من العدد الجملي لسكان البلاد).
ليس من عاداتنا و لا من تقاليدنا ولا حتى من أخلاقنا و عرفنا الديني أن نعامل المواطن الأسمر البشرة معاملة السوء و لا ان ننظر أليه على أنه مواطن من درجة ثانية بل إن القوانين السارية في البلاد و السلوكيات المعتمدة من قبل سائر البشر تساوي بين الجميع في الحقوق و الواجبات. فنحن لم نترب قط على الميز العنصري و لا هو في ثقافتنا و لا وجود لرفض للأسمر حتى في لاوعينا . أليست بلادنا هي من أول البلدان في العالم التي أقدمت على إلغاء الرق منذ سنة 1846 على يد عاشر البايات الحسينيين احمد باشا باي الذي كان شديد التأثر بمبادئ الثورة الفرنسية و الذي أنصف السود من براثن العبودية. ثم ألا ينص دستور البلاد في نسختيه القديمة و الجديدة على التسامح و قبول الاختلاف وهي المبادئ التي تتضمنها المعاهدات الدولية التي أمضت عليها بلادنا دون استثناء.
هل يصح القول باننا بحاجة لحملات توعوية تحسيسية لدعوة شبابنا إلى تجنب الممارسات العنصرية و الامتثال لتلك المبادئ الإنسانية النبيلة التي تسوي بين أبناء البشر و لا تميز بينهم على أساس لون بشرتهم.
أعتقد جازم الاعتقاد أن شبابنا لا تخطر بباله البتة مثل هذه الأفكار السوداء و لا هو بحاجة إلى حملات تملي عليه ما هو ليس بحاجة إليه لأنه جبل على الخلق السليم الذي غرس فيه حب البشر دونما اصطباغ بلون. ولنقل بان ما حدث انما هو من ضرب النشاز و من قبيل العمليات المعزولة من تدبير خطة محكمة و حلقة من استراتيجية كاملة يتلذذ أصحابها في تجسيمها مرحلة تلو الأخرى. و الغاية في ذلك هي ضرب المسار الديمقراطي الذي بدأ يشق طريقه في تونس ليجعل منها المثال في محيطها العربي و الإسلامي، هذا المسار الذي لايريد له أعداؤه النجاح ولا التعمير حتى لا يزعجهم في المستقبل لأنهم أصحاب فكر رجعي قروسطي لا يعترف بالفكر التنويري مبدأ و لا بالمنهج التحديثي مسلكا لإقامة مجتمع متطور يتسع للجميع مهما اختلفت ألوانهم و أديانهم و مشاربهم الفكرية و السياسية.
ولنهمس في أذن رئيس جمعية الطلبة الأفارقة بتونس، رشيد أحمد سليمان لندعوه إلى تنسيب الأمور و إلى عدم التضخيم من حجمها بقوله إن عدد هؤلاء الطلبة قد انحدر من 13.000 سنة 2009-2010 إلى 6.000 حاليا، و لنسأله إن هو تعمق في أسباب هذا التراجع إن وجد و التأكد من أن عمليات الاعتداء المعزولة هي السبب الرئيسي في ذلك.
إن علاقة تونس بكافة أقطار القارة الافريقية عريقة و متجذرة تشهد على ذلك العلاقات المتينة التي كانت تربط بين الزعيم الحبيب بورقيبة و كبار الزعماء الأفارقة أمثال نلسن مانديبلا و هفوات بوانيي و غيرهما . و تشهد على ذلك أيضا المبادئ الأساسية التي تقوم عليها سياستنا الخارجية في تأكيدها على أبعادها الإفريقية و ما نقوم به من جهد متواصل لدعم هذا التوجه و لتعزيز أواصر التعاون مع تلك الاقطار ناهيك و أن الأسواق الافريقية أصبحت قبلة لتصدير منتوجاتنا و خدماتنا و ذكائنا وهو ما قد يثير ازعاج بعض البلدان حتى المتقدمة التي تعتبر الاسواق الافريقية حكرا عليها ولا حق لغيرها في دخولها. .
وجدي مساعد
شارك رأيك