بقلم احمد الرحموني *
أنا على يقين – ومعي في هذا الاعتقاد الكثير من زملائي – ان اجتماع “كتلة الموالين” من أعضاء المجلس الأعلى للقضاء خارج أي إطار قانوني لم يكن ليحصل في مناسبتين (20 و29 ديسمبر 2016) بغير الدعم والتغطية السياسية من جانب السلطة لجملة من الاسباب .
ومن هذه الأسباب :
1- الاسماء التي دفعت الى “الانقلاب” والأطراف التي تقف وراءها لا علاقة لها باستقلال القضاء (اعتقادا وممارسة) إن لم يكن بعضهم – بشهادة النزهاء – من بين الضالعين في “انقلابات” سابقة أو في ممارسات مسيئة لسمعة القضاء.
وعلى هذا الاعتبار فليس من عادتهم الاصطفاف إلا وراء السلطة أو معها أو الى جانبها ولا يتصور مطلقا ان يقدموا على خطوات “جريئة” و “خطيرة” بمثل تلك الفداحة إلا بموافقة مباشرة أو غير مباشرة من السلطة السياسية.
2- الحكومة التي تلتزم الان الصمت بشأن أزمة المجلس الاعلى للقضاء – انتظارا للنتائج التي ستسفر عنها الاجتماعات الموازية لكتلة الموالين – قد مهدت لهذه الاجتماعات إن لم تكن شجعتها وذلك على الاقل من خلال “الفعل” أو “الامتناع “المرتبطين بتحركات هؤلاء، من ذلك اساسا :
أ- تجميد رئيس الحكومة لقرارات الترشيح المحالة عليه منذ نوفمبر الفارط من الهيئة الوقتية للقضاء العدلي ومن بينها تسمية الرئيس الاول لمحكمة التعقيب الذي يملك الاختصاص لدعوة المجلس الاعلى للقضاء الى الانعقاد. ومن الواضح ان تنسيقا ضمنيا يكون قد حصل لتمكين “كتلة الموالين” من اسقاط التسميات المقترحة (بيد عمرو لا بيدي) وبالأساس – على ما يبدو – تسمية السيدة فوزية علية بتعلة سيادة المجلس وتوسيعا “لقاعدة الموالاة” للسلطة (وللاحزاب المكونة لها).
ب- دعوة رئيس الدولة لأعضاء المجلس الاعلى للقضاء لأداء اليمين امامه بقصر قرطاج قبل استكمال تركيبته خصوصا وهو يعلم علم اليقين ان على رئيس الحكومة المصادقة على تسميات سابقة عرضت عليه .
وقد كان من النتائج المباشرة لهذه الدعوة تمسك “كتلة الموالين” بان الهيئة الوقتية للقضاء العدلي لم يعد لها وجود بمجرد اداء اليمين وان التئام المجلس بدعوة من الرئيس الاول لمحكمة التعقيب بصفته رئيسا للهيئة الوقتية للقضاء العدلي لم تعد ممكنة وهو ما يفتح الباب لإجراءات غير قانونية من ضمنها دعوة ذلك المجلس في جلسته الاولى من قبل ثلث اعضائه .
ج- مبادرة وزير العدل بتمكين “كتلة الموالين”من الاجتماع بمقر محكمة التعقيب بعد استكمال اداء اليمين وذلك بحكم اشرافه المادي على المحاكم وفي غياب الرئيس الاول لمحكمة التعقيب ووكيلها العام اللذين ينتظران المصادقة على تسميتهما من قبل رئيس الحكومة.
ولا يخفى على الكثير ارتباط بعض اعضاء المجلس بوزير العدل وخصوصا أحد الاطراف الفاعلة بكتلة الموالين. ورغم تشجيع الوزير لخطة الحكومة – مضافا الى ذلك صفته كرئيس سابق للمحكمة الادارية – يلاحظ ان اعضاء مجلس القضاء الاداري في مجملهم قد قاطعوا الاجتماعات الموازية لكتلة الموالين(باستثناء السيد احمد صواب).
3- الاطراف الحزبية التي تقف وراء اضعاف المجلس الاعلى للقضاء و”اللعب “على تناقضات القضاة و”التلاعب” بالتعيينات القضائية هي نفسها التي عملت منذ البداية على تجريد المجلس من صلاحياته الحقيقية – في طور صياغة قانونه الاساسي – واستهداف القضاء المستقل والحيلولة دون نشاة “السلطة القضائية”.
وليس غريبا ان تشير الاصابع الى حزبي حركة النهضة و نداء تونس وأساسا الى “مهندس” ذلك المجلس السيد نور الدين البحيري الذي سبق ان تولى وزارة العدل واشرف بعد ذلك في اطار لجنة التشريع العام على صياغة القانون الاساسي للمجلس الاعلى للقضاء – خلافا للمشروع الحكومي والتصور الدستوري- فضلا عن هجومه السابق ضد الهيئة الوقتية للقضاء العدلي والهيئة الوقتية لمراقبة دستورية مشاريع القوانين.
ويشار في هذا الصدد الى بعض الدوافع “الحقيقية “التي فجرت الأزمة الأخيرة للمجلس الاعلى للقضاء وهي نقلة السيد الهادي القديري الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف بتونس واقتراح تسميته في خطة وكيل الدولة العام مدير المصالح العدلية بوزارة العدل حسب ما قررته الهيئة الوقتية للقضاء العدلي وهو ما يؤدي الى اقصائه من تركيبة المجلس الاعلى للقضاء المرتقب.
ومن الثابت لدى عموم القضاة و المتابعين للشأن القضائي ان السيد الهادي القديري هو صديق شخصي وزميل دراسة للسيد نور الدين البحيري فضلا عن توليه رئاسة ديوان وزير العدل السابق نذير بن عمو.
4- ان مواقف بعض الاطراف المهنية كالهيئة الوطنية للمحامين حيال استقلالية المجلس الاعلى للقضاء لم تتغير ولوحظ بشان هذه الازمة دعم غير مباشر من قبل الهيئة الحالية (وعلى رأسها السيد عامر المحرزي) لحضور اغلبية المحامين المنتخبين ( 7 من 8 حسب اخر المعلومات) في الاجتماعات الموازية ومعارضتها لمصادقة رئيس الحكومة على القرارات الصادرة طبق القانون من الهيئة الوقتية للقضاء العدلي وهو ما يطرح من جديد ازمة العلاقات بين القضاة و المحامين.
……………………………………………………………..
*أحمد الرحموني : قاض ورئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء
………………………………………………………………………………..
** المواقف والأفكار التي تنشر في قسم “أفكار” لا تلزم إلا أصحابها ولا يعني نشرها من قبلنا تبنينا لها بأي صفة من الصفات .
شارك رأيك