بقلم القاضي احمد الرحموني رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء
يوم 29 ديسمبر الجاري اكتشفنا ان الانقلابات يمكن ان تحصل في “الثورات ” وان يتم تنفيذها من اجل “البناء الديمقراطي” ! ومهما كان فليست هذه المفارقة الوحيدة بل هي واحدة من جملة مفارقات اخرى
1- قائمة الحضور لأعضاء المجلس الاعلى للقضاء في “الاجتماع الانقلابي ” تبرزان القضاة – وهم المعنيون مباشرة بالقرارات التي يصدرها المجلس – لم يكونوا اغلبية وان الثلثين من القضاة (20) هم خارج المجلس المزعوم وهو ما ادى الى ان 3 فقط من غير القضاة (2 من المحامين واستاذة جامعي) هم الذين قاطعوا ذلك الاجتماع !.
وزيادة على ذلك فان غير القضاة من المستقلين (هكذا يسميهم الدستور) وجدوا انفسهم -عوض المساعدة على حماية القضاة – ينفذون انقلابا ضدهم ! .
2- القضاة – كما هو معلوم – صنفان: منتخبون ومعينون بصفاتهم. وعلى مقتضى هذا التقسيم اعتقد الجميع ان المنتخبين “لا ينقلبون “وان المعينين هم مظنة “الموالاة “لقرابتهم بالإدارة !
لكن واقع ما حصل هو ان اقلية فقط من القضاة المعينين بصفاتهم (الهادي القديري – احمد صواب – محمد الهادي الزرمديني – فرج كشو) هم الذين حضروا الى جانب اغلبية من المنتخبين (6 من القضاة -11 من غير القضاة ). وعلى هذا الاعتبار يمكن القول ان هذا الانقلاب بالذات قد قاده المنتخبون!
3- قضاة المحكمة الادارية المنتمون الى مجلس القضاء الاداري غاب جميعهم تقريبا باستثناء السيد احمد صواب الذي وجد نفسه وحيدا! .
فهل فكر الاعضاء الحاضرون في الغاء مجلس القضاء الاداري!. الم يتساءل السيد احمد صواب لماذا قاطع زملاؤه (9 من 10) هذا الاجتماع ؟.
4- القضاة – وان كانوا ثلاثة اصناف – هم في اغلبهم من القضاة العدليين. وفي هذا الصدد يشار ان العدد الجملي لكافة القضاة يصل الى 2506 من بينهم 2168 قاضيا من الصنف العدلي و 163 من الصنف الاداري و175 من الصنف المالي. ومؤدى ذلك ان مجموع قضاة الرتبة الثالثة (698) مثلا يتجاوز ضعف القضاة الاداريين و الماليين (336) ومع ذلك تتساوى المجالس الخاصة بالاصناف الثلاثة في عدد الاعضاء من القضاة او غيرهم (15 لكل مجلس قطاعي)!.
وفي ضوء ذلك يلاحظ ان اربعة فقط من القضاة العدليين( الهادي القديري – مليكة المزاري – خالد عباس – فوزية القمري ويرتبط جميعهم بنقابة القضاة التونسيين) قد حضروا “الاجتماع الانقلابي” ولم يحظ احد منهم بأي نصيب من الوظائف التي وزعت على” الاخوة الزملاء”.!
5- من المفارقة – حسبما اعلن في هذا الصدد وبناء على ما سبق – ان يسند الى القاضي المالي السيد محمد الهادي الزرمديني رئاسة المجلس والى المحامية السيدة اسماء بن عربية نيابة الرئيس(وليس هذا قدحا في المحامين) والى القاضي الاداري السيد احمد صواب (الذي حضر وحده) خطة “الناطق الرسمي ” لنفس المجلس التي لا ينص عليها قانونه الاساسي ! .
فهل كان ذلك تجنبا لدفع السيد خالد عباس الى الواجهة بالنظر الى ماضيه “الانقلابي”!؟. علما وان التاريخ قد حفظ له من – جملة مآثره – رئاسته “لهيئة وقتية” منصبة من السلطة على جمعية القضاة التونسيين وقيادة الانقلاب على المكتب التنفيذي سنة 2005 على عهد الوزير “طيب الذكر “البشير التكاري! .
ام ان ذلك كان بقصد تكريم السيد محمد الهادي الزرمديني الذي انضم اخيرا لهذا الفريق (بعد ان غادر”كتلة المستقلين”! ) وهو ينتظر احالته قريبا على التقاعد (بمعية السيد احمد صواب) وربما تسميته – حسبما يشاع – رئيسا اول لدائرة المحاسبات بعد شغور المنصب؟.
ام ان ذلك كان هروبا من ابراز السيد الهادي القديري الرئيس الاول لمحكمة الاستئناف بتونس في هذه المرحلة على الاقل بسبب انتشار خبر صداقته للسيد نور الدين البحيري رئيس كتلة حركة النهضة بمجلس نواب الشعب والوزير السابق للعدل والمهندس الحقيقي لقانون المجلس الاعلى للقضاء !؟.
ام ان ذلك كان اختيارا من اعضاء المجلس الذين ارتأوا تقديم السيد احمد صواب بسبب حضوره الاعلامي وحتى يكون في اتصال دائم مع صديقه وزير العدل السيد غازي الجريبي!؟.
وفي كل حال يبدو ان كثافة الحضور من جانب زملائنا المحامين يمكن ان تبرر اسناد نيابة الرئيس – باستحقاق – للأستاذة اسماء بن عربية! .
ومهما كان “فلِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ” وهو اعلم بذات الصدور!
** المواقف والأفكار التي تنشر في قسم “أفكار” لا تلزم إلا أصحابها ولا يعني نشرها من قبلنا تبنينا لها بأي صفة من الصفات .
شارك رأيك