*بقلم الأستاذ و القاضي والمحامي سابقا الشاذلي خليل.
كثر الحديث و الجدال و التعليق، حول قيام الثورة من عدمها حسب المعنى و المدلول الحقيقي لهذه الكلمة و انقسمت الآراء و اختلفت في شانها، فذهب شق اعتبارها مجرد انتفاضة في حين أكد شق ثاني إلى كونها عبارة عن “انقلاب”، و انتهج شق ثالث على اعتبارها مجرد “أكذوبة و مسرحية” بعنوان “الربيع العربي” حين انتحى شق رابع مؤكدا بأنها “ثورة حقيقية”، بأتم معنى الكلمة لثقته في قدرة شباب تونس و في طبقته المثقفة خاصة ذلك الشباب و تلك الطبقة المثقفة التي لم يعمل لها حساب، رغم القبضة الحديدية التي كان يمسك بها النظام البائد، كل دواليب البلاد و الدولة و لما كرسه من حكم البلاد و العباد بشتى و سائل “الحديد و النار”، تلك الوسائل التي تفنن قي إتيانها و استعمالها، و صرف عليها الغالي و النفيس بقصد إحكام قبضته على هذا الشعب الذي كان يسوقه كقطيع الغنم، و الذي لم يكن له لا حول و لا قوة، لما كان يمارس عليه من ظلم و قهر و استبداد و جور و ظلم و تسلط و تعذيب و عنف و استبداد و مصادرة للأحلام و الآمال و الأفاق و التطلعات و الاستحقاقات والانتظارات و استئثار بالمكاسب و المكتسبات و نهب للثروات و تبديد للأموال و المجهود العام و حتى الخاص. كل تلك الممارسات و السلوكيات، سرعان ما ذهبت في مهب الرياح العاتية للثورة و لتلك الهبة الشعبية، التي شهدتها بلادنا منذ عام و نيف و ما يقارب تقريبا عن العامين كاملين عامين كاملين شهدت خلالها بلادنا، أصنافا و أصنافا من الغرائب و الأراجيف و الأكاذيب و المسرحيات، و الجدلات و السجلات و الترهات و السيناريوهات و الخرافات و الصراعات الفكرية و المذهبية الاديوليجية و التصارعات و المدّ و الجزر، لمختلف الإطراف الفاعلة على الساحة السياسية و الفكرية، متخذة الإعلام و الأحزاب و حتى الساحات و الفضاءات العامة حلبة لها و مسرحا، بقصد تسويقها و الإشهار و الترويج لها، كما شهدت بلادنا إقبالا منقطع النظير، لفئات غربية من أبنائها، كانوا يعيشون و يعتصمون بما سمي من طرفهم، بالمهجر و الغربة على حدّ ادعائهم، و ينشطون بذلك المهجر، الذين التجئوا إليه بقصد تشكيل منطلقات لمعارضة النظام السابق، و لكن لتدرب على فنون و أصناف من الخيانات لأوطانهم و أبناء جلدتهم، و قد تمرسوا على تلك الفنون لسنوات و سنوات إلى حدّ امتهانها و اكتساب الخبرة، فيها لتكريسها بأوطانهم بعد عودنهم إليها بعد الثورة، و فتح المجالات و الأبواب لهم، من طرف أولياء نعمهم و نعمتهم ببلدان إيوائهم و غربتهم، و لذلك و لما خلى الجو و أفرغت الساحة السياسية من المستبد بها و المنفرد و المتحكم فيها، اقبل هؤلاء بنية التحوز بها و الانفراد بأسبابها، و بالتالي تكريس و تنفيذ تلك المخططات و السيناريوهات التي تمرنوا و تدربوا على خباياها و خفاياها بكل دقة و مهنية، تحت غطاء “حماية الإسلام” أو “الدعوة لنشر تعاليم الإسلام” أو” نشر العقيدة الإسلامية” أو “نشر الشريعة الإسلامية” أو “نشر تعاليم السلف الصالح” أو “نصرة القرآن الكريم” أو تحت أي شعار أو غطاء أو عنوان من تلك التي ترفعها تلك الفئات حاليا، و التي روجت جزافا و افتراءا بعدم ارتباطها ببعضها البعض و الحال أنها كلها و مهما اختلفت و تلونت مشاربها فهي تصب في خانة واحدة، رغم تعدد ألويتها و فصائلها و فرقها، فقد قامت تلك الفئات بتوزيع ادوار شتى بينهما، كل واحدة منها تلعب دورها بكل جدية و مهنية في عزلة عن نظيرتها في الظاهر، و لكنها تتحد كلها في الغايات و الأسباب و الأهداف و النتائج التي تريد تحقيقها و حتى في مصادر تمويلها و تأسيسها و قرارها و سياساتها و منهجياتها و سيناريوهاتها و حتى طرق عملها. و إن خير دليل على صدق تحليلنا هذا، ما تشهده الساحة التونسية حاليا من ممارسات اولائك الذين في سلطة القرار بالبلاد بدعوى “الشرعية” و مدافعتهم على” الثورة المباركة”، و الحال إن ذلك الأمر مرشح في نظرنا و تصورنا إلى جدالات مستفيضة على مستوى القانون الدستوري و مقتضاياته على حدّ ذلك الباب، و لا يحلو المجال للتطرق لمثله في هذا السياق، لكنه جدال جدي و له قناعته و مسبباته و فوائده و نتائجه، و إن الثورة في براءة منهم أصلا، ذلك لثبوت عدم مشاركتهم فيها أصلا و لإقبالهم على ارض الوطن بعد حصولها و تحقيقها، و لا يستطيع هؤلاء إنكار ذلك أصلا جملة و تفصيلا. ذلك أن ما شاهدناه مما أتوه من ممارسات، بعد الثورة و اعتلائهم لسدة الحكم ينم عن شئ كثير، و لينبئ على ترشح بلادنا لانزلاقات خطيرة و أزمات كارثية و قلق اجتماعي مستمر و متواصل، و نحن نسوق على وجه المثال البعض منها، بقصد التدليل على ما نحن مقبلون عليه حقيقة و واقعا من مفاجآت، لا يحمد عقباها، من ذلك :
1) توجه بيع القصور الرئاسية و الحال أن تلك القصور ملك من الأملاك العامة و لا الخاصة و لا يحق لأي كان و مهما كانت درجة تموقعه في سلم السلطة أو هرم الحكم أن يتخذ أي قرار في شانها أو حتى أن تحدثه نفسه للتصرف فيها على تلك الشاكلة أصلا و لكونها و بتلك الصفة ملك مشاع بين كل التونسيين إضافة إلى انتمائها إلى الملك العقاري العمومي، إضافة إلى أسئلة كثيرة تطرح نفسها على بساط النقاش، و مختلفة و متعددة، من ذلك من سيتولى شرائها و أن كان ذلك من طرف أجنبي فما يا ترى ستكون عليه و ضعيته القانونية و حتى السياسية بعد عملية التفويت اليه، و لذلك فان تلك العقارات لا تكون بحكم طبيعتها و الاشكالات التي تثيرها و ستثيرها مستقبلا، قابلة لأي تصرف فيها باي شكل من الاشكال، و هو رأي قد يجد من يعارضه لكن حقيقة الامور التي تفترض نفسها، أن تلك القصور ستظل في كل الحالات ملك من أملاك هذا الشعب بدون منازع، و أن من سيحل بها سيظل و سيعد ضيفا من ضيوف هذا الشعب مهما كانت مدة حكمه و سلطته ، وهذه مسألة ينبغي على الشعب ان يتخذ فيها قراره الفصل، لتفادي الاستئثار بالرأي في شأنها.
2) توجه الوحدة مع الشقيقة ليبيا، ذلك التوجه الذي يدخل في صلب البرنامج الخفي و الحقيقي لهؤلاء الذين يوجدون بالسلطة حاليا ، فالتنظيمات السياسيّة الإسلاميّة تخطّط دائما إلى تحقيق ولو بصفة تدريجيّة و على مراحل، الوحدة بين مختلف الأنظمة الإسلامية لكل دولة أو الدول المتحررة ، و التي طالتها الثورات العربية أو ما سمي “بربيع الثورات العربية” و ذلك لتشكيل في النهاية وحدة تربط بين تلك الدول جمعاء، تأسيسا في النهاية إلى “الخلافة” المأمول تحقيقها بأي شكل من الإشكال ، لكون هؤلاء المناصرين لهذه الفكرة ، يعتقدون إن تلك الأنظمة لا يمكن لها أن تعيش إلا في كنف ما عاشه العالم الإسلامي سابقا و تاريخيا، في كنف الخلافة بمفهومها الشامل على أن يكون مركزها “القدس الشريف” أو ثاني القبلتين و ثالث الحرمين
3) توجه الخلافة، و لو أنّه في الحقيقة و الواقع توجه غير معلن حاليا، لكنه تم التلميح إليه، كزلة لسان، و الحال أن ذلك حقيقة الأمور و التوجهات و الاختيارات الفعلية، لتعلق هذه الأنظمة السياسية بنفس الأهداف و الغايات و الاختيارات و التوجهات و هي توحيد العالم الإسلامي و استرجاع قوته على الصعيد الإقليمي و العالمي و الدولي، و التصور الوحيد لهم يتمثل في الخلافة لا غير لكونه يمثل التصور السياسي الوحيد الذي شهد العالم الإسلامي على امتداد تاريخه، و هذا و لربما ستشهد “الخلافة السادسة” حسب ما جاء بزلة اللسان… و في صورة تحقق ذلك، فالتساؤل الذي يفترض نفسه يتمثل في ما سيكون مصير هؤلاء بتونس من الخلافة عامة…، و تموضع عاصمتها بالقدس الشريف و لذلك فإننا بصدد مشاهدة أن الممثلين لهذا التنظيم ببلادنا، قد انهمكوا بعد في تسمية أتباعهم بأهم المسؤوليات و المناصب بالدولة مرورا بالوزارات و الولايات و المعتمديات و النيابات الخصوصية و الجان الثورية و غيرها من المفاصل الهامة بهرم السلطة.
4) توجه “السلفية” و التعامل الحكومي معها، و هي فرقة استفحل تواجدها ببلادنا و الحق يقال، و كثر تدخلها في الشأن العام، و كانت الحكومة قد تبرأت في هده الفرقة على اختلاف توجهاتها و اختصاصاتها، و لكن هده الكذبة لن و لم تنطلي على احد، لكونها تشكل الذراع العسكري حقيقة و واقعا لحركة دينية إسلامية، فهي تضع الميليشيات و المحاربين و المدربين على السلاح، و معروف أن هذه الفرق المختلفة التوجه و الأهداف لها ارتباط وثيق بما يسمى “القاعدة” ذلك التنظيم المشهور على الصعيد الدولي و العالمي، و ستثبت لاحقا صدق ما نحن بصدد الإشارة إليه.
5) توجه قطع العلاقات مع الشقيقة سوريا، إن هذا النوع من التنظيمات لا يؤمن أصلا بالوحدة العربية و لا بالقومية العربية مطلقا، و ما ادعائتها بإعادة تفعيل اتحاد المغرب العربي إلا لكونها في نظرها تشكل، على كل حال، مرحلة من مراحل الوحدة الإسلامية و ذلك لتشابه ما حدث في تونس و ليبيا و المغرب من اعتلاء حكومات ذات التوجهات الإسلامية لسدة الحكم، و كذا الشأن بالنسبة للشقيقة موريطانيا لكونها جمهورية إسلامية التوجه و السياسة، هذا المناخ هو الذي سيؤسس، اظافة الى مصر و اعتلاء الاخوان بها للحكم الى تشكل تلك النواة المنتظرة، لتحقيق حكم الوحدة ثم الخلافة في هذه الربوع التي تحتل مكانا متميزا و جيو استراتجيا في العالم وبجنوب اروبا، وشمال القارة الافريقية، ذلك المناخ و الموقع سيشكل كذلك آلية الاستقطاب الاستثمار الاجنبي و بالتالي ابتزاز الدول الغربية بقصد تحقيق الكسب و المال، تحت غطاء الاستثمار قصد تحقيق البرامج الانمائية و التنموية للشعوب المتواجدة تحت سلطتها و حكمها، فقطع العلاقات مع الشقيقة سوريا يشكل في حد ذاته، من قبيل الخطأ الديبلوماسي الغير المغتفر، فسوريا، و بغض النظر عن تصرفات قادتها مع شعبهم الذي يعد شانا داخليا سيظل دائما السد المنيع ضد التوسع الاسرائلي الصهيوني على حساب الرقعة العربية، و هي تعد بذلك امتدادا استراتيجيا في القضية الفلسطينية، تلك القضية التي تمثل قضية مصيرية في العالم العربي أساسا و بصفة مطلقة فسوريا تمثل بلدا و ركيزة من بلدان الممانعة داخل منظمة جامعة الدول العربية، تلك الدول (الجزائر و ليبيا و سوريا و العراق و فلسطين) المعروفة “بجبهة الصمود و التصدي” للمخططات الامبريالية و الصهونية داخل الجامعة، و التي خطط للقضاء عليها الواحدة تلو الأخرى بصفة ممنهجة و ممرحلة، و إنما يحدث حاليا بالشقيقة سوريا، ليعد تكريسا لهذا المنهج و ذلك البرنامج و تلك الإستراتيجية و تلك السياسة و التي استعانت تلك القوى لتنفيذها و تفعيلها و تكريسها بإعانة أنظمة ذات التوجه الإسلامي، كالحالي بتونس و قطر و الدول الخليجية على بكرة أبيها…، تلك الدول التي كرست تأييدها بمختلف المنظمات الدولية للإطاحة بالنظام السوري و تشجيع و إعانة بما يسمى بالمقاومة السورية، و لو بتسليحها و تمكينها بأي نوع من الإعانة و المساندة، هذا الاختيار و التوجه لم يكن صائبا في نظرنا لما له من انعكاسات على أواصر التعاون و الروابط بين البلدين عامة، و للمصالح بين الجاليتين السورية بتونس و التونسية بسوريا الشقيقة.
6) قمع التظاهر و المعارضة عامة، و في خصوص هذه المسالة بالذات ظهر الوجه الحقيقي لمن يشغل الحكم حاليا، فالدعوة إلى تطبيق القانون و حفظ النظام و منع التظاهر بالشارع الرئيسي للعاصمة و تجنيد عناصر الداخلية و ثكثيف القوى الأمنية و تسليحها بأحدث الأسلحة و الآليات الخاصة لمقاومة المظاهرات بتعلة تقوية هيبة الدولة، لتشكل كلها تعلات انكشف آمرها، و بانت حقيقتها، و أظهرت ان هذا النظام لا يؤمن و لا يحترم الحريات العامة و لا الديمقراطية التي أسست لإتيانه بالحكم و “للشرعية” التي يتمسك بها و يتوارى وراءها أصلا و أن ما وقع في عيد الشهداء لينهض خير دليل على ما أسلفنا بيانه، و أن الأيام القادمة ستؤكد صحة هذا الرأي.
7) توجه التغرب مع الجالية اليهودية بتونس، و تلك كانت تشكل مسالة شائكة في السياسة التونسية منذ الاستقلال، و ان ننسى فلا ننسى مطلقا القصف الذي حصل في “حمام الشط” من طرف الطائرات الإسرائيلية الصهيونية، اين تمازجت الدماء الفلسطينية بالدماء التونسية، و رغم ذلك، فقد قام الرئيس المؤقت بزيارة “الغريبة” ذلك الكنيس الإسرائيلي الصهيوني المتواجد بجربة، اين تقوم غالبية الجالية اليهودية، تحضيرا للسواح اليهوديين الذين سيقومون في الآونة الأخيرة بطقوس الحج و شعائر ديانتهم، و قد تزامن هذا الحدث بزيارة رسمية لتلك المنطقة من طرف رئيس الوزراء الذي اكد من جهته ما جاء بتلك الرسالة القوية المعلنة رسميا من الساسة التونسيين الى اليهود بكامل أصقاع العالم و خاصة بإسرائيل و الساسة الصهاينة بها و الماسكين بأسباب حكمها، هذا التوجه لم يكن في نظرنا لازما و ضروريا الا اذا كانت الإدارة الحالية مطالبة بتمريره في الاونة الحالية بناء على تعليمات خاصة قد تلقتها لتنفيدها بغاية السرعة و في مقابل فوائد لا يعلم قيمتها الا الله تعالى، على ان ما نلاحظه كذلك ان منطقة “جربة” لم تعد غالبية اراضيها على ملك بلدنا بشراء معظم عقاراتها من طرف تلك الجالية سواء مباشرة أو بصفة غير مباشرة، و هذا تلميح لمسالة يطول شرحها، لكنها لا تخلو من خطورة و قلق، فالتوجه الحالي و مهما كانت تعلاته من تفعيل السياحة و بث الاطمئنان في الجالية اليهودية، أو جلب المزيد من الاستثمار، لم يكن صائبا و لا يفيدنا أصلا بل انه ينم على إرادة خاصة و غاية تندرج في اختيارات سياسية و أجنداتها يتبناها الحكام الحاليين تحت طائلة تأثير أولياء نعمتهم البريطانيين خاصة، أولئك الذين يكنون الكراهية للعالم العربي، و الذين و على امتداد التاريخ المظلم لهم ما فتئوا يكرسون سياستهم و مخططاتهم المعلنة و الخفية، بقصد تفتيت العالم العربي و إضعاف قوته، حبا و كرامة لإسرائيل و الصهيونية عامة، و التاريخ غني بما يثبت الحماية و الرعاية البريطانية لليهود في العالم و للمصالح الإسرائيلية الصهيونية و بتقويتها في المنطقة و بدعمها و تسليحها و إعانتها خلال الحروب العربية الإسرائيلية (سنوات 1948 و 1967 و 1973 و حرب غزة الأخيرة و حتى المقبلة…)، و لذلك فانه و من غير المفاجئ ان يكون التوجه في خصوص هذه المسالة بالذات يندرج في الاطار العام لتصورنا، و يزيد في تاكيد هذا التحليل التقارب بين قطر و اسرائيل و دعوات التطبيع المتواصلة…، و لا نستغرب ان يكون ذلك واردا من بين التوجهات السياسية للحكام الحاليين، و ما قام به كل من الرئيس المؤقت و رئيس الحكومة المؤقتة، ليعد تمهيدا و فاتحة لما سلف بيانه و لهذا التطبيع المرتقب، و نحن لا نستغرب ذلك ان حصل فعلا و مهما يكن من امر فان تلك الجالية لم تكن جالية بالمعنى الحقيقي لهذه الكلمة، طالما ان عناصرها يحملون الجنسية التونسية و لذلك فان تونس قد أعتبرتهم و منذ “عهد الامان” يتمتعون بنفس حقوق التونسيين العامة و الخاصة و لهذا فان تناول هذا الموضوع بالأهمية التي وضع في اطارها بصفة رسمية، يعد من الاختيارات و التوجهات التي لا تهم الشعب في شئ بقدر ما تهم و تفيد اصحابها و الأجندات التي يكرسون لها، و مهما يكون من أمر فان الرأي عندنا ان لا تطبيع ولا تمثيل لإسرائيل على ترابنا مهما كانت قيمته و مستواه، و لعدم الخروج من الصف العربي بل اننا لنؤيد القضية الفلسطينية الشرعية و العادلة دون قيد أو شرط.
8) توجه خوصصة الإعلام، ذلك ان بعض اقطاب الساسة الحاليين قد اطلوا علينا، و حتى ان كان ذلك من باب جسّ النبض باقتراح خوصصة الإعلام، ذلك التوجه الذي يمثل حقيقة اختيارات اصحابها و استراتجياتهم و سياستهم، ليمثل في ظننا اختيار خاطئا تماما و كمالا، و هو حق أريد به باطلا، في واقع امره، فهو في نظرنا يعد ضربا من ضروب التحكم في الإعلام، و الغاية منها واقعا و فعلا، الاستحواذ بأي كيفية كانت على دواليب ذلك الاعلام، لتطويعه حسب ارادة و توجهات اصحابها، الذين وامام عدم التحكم و ترويض الاعلام، سيلجئون الى شراء اصحابه، بغاية تكريس الرأي الواحد والاختيار الواحد و التوجه الواحد بل الانفراد به و التحكم في اسبابه و آلياته و اصحابه، و هو لعمري يعد توجها خطيرا، ذلك ان تلك الخوصصة ستكرس المنافسة في مرحلة اولى و تحويل الراي العام لذلك الاعلام الخاص بفضل الإمكانيات التي ستوفر له ماليا و فنيا، ثم في مرحلة ثانية ابتلاع ما تبقى من الاعلام العام و العمومي، بعد اضعاف قدراته و تهجير المتعاطفين معه من حوله، لكي يصبح الاعلام كاملا بيد الساسة أصلا و بدون منازع و من هذا جاءت الخطورة المتوقعة من هذا التوجه الذي يؤسس له بصفة جادة و وحثيثة.
9) توجه التعيينات الاخيرة بمختلف دواليب الدولة و مفاصلها الاساسية و الهامة و الرسمية ذلك التوجه الذي اخذ في جلب الانظار اليه و يتعرض في حد ذاته لعديد التساؤلات الصائبة و المحيرة و في نظرنا ان كل هذا الحراك يرشح الى التمهيد لاحكام القبضة على السلطة و مرافقها، بغاية التحضير لمرحلة الانتخابات المقبلة على جميع الأصعدة، المحلية و الجهوية و حتى الوطنية، فالانتخابات البلدية و التشريعية و الرئيسية باتت وشيكة، و رغم المؤشرات لم ترشح التاريخ الرسمي لها (مارس 2012 او جوان 2012)، فان الاستعداد بات لدى حزب النهضة مهمة هامة و متاكدة و آنية اضافة الى انها تفكر في اعادة التقسيم الترابي الانتخابي على ضوء تموقع انصارها على الخارطة الجغرافية لبلادنا، وهي في الحقيقة و الواقع ممارسات كثيرا ما يلجأ اليها الساسة لغاية التخطيط لكسب انتخابات المراحل المقبلة و بغاية ضمان الفوز بتلك الانتخابات، و يراجع في ذلك ما يعتمد عليه في هدا المجال بمقتضيات القانون الدستوري، و لدينا الامثلة العديدة لمثل هذه التصرفات عبر تاريخ ذلك القانون، فبقدر ما يعمد الساسة الحاليين الى تغييب المواعيد الرسمية لهذه الانتخابات بقدر ما يحرصون على تنفيذ مخططاتهم اعدادا لتلك الانتخابات للفوز بها كلفهم ذلك ما كلفهم، تكريسا لمبدأ البقاء لاطول فترة ممكنة بالسلطة و الحكم، تنفيذا لما اجمعوا على اتيانه و تنفيذه بهذه البلاد العزيزة.
10) توجه الاستثراء على حساب الشعب و تقديم المصالح الخاصة على المصالح العامة، ذلك انه و منذ فرار رئيس “المافيا”، و بعض معاونيه من اقاربه و اصهاره و حتى مشاركيه و اتباعه، تعرضت خزائن الدولة الى النهب و تبدبد الاموال، سواء خلال الحكومات السابقة او حتى الحكومة الحالية، و من ذلك العدد الهائل من المستشارين لرئيس الجمهورية المؤقت و العدد الهائل من الوزراء و كتاب الدولة و المستشارين لرئيس الحكومة و لكبار الموظفين المعينين حديثا و للولات و المعتمدين، كلفة ما كانت تقوى عليا الخزينة و الميزانية التونسية و الحال انه و على اثر الثورة كان من الضروري التقشف في النفقات العمومية و حسن التصرف في المال العام، فقد حصلت انفلاتات كثيرة، ما انزل الله بها من سلطان الى جانب ما تم توفيره من بذخ العيش و شظفه لهاته الطغمة الجديدة حتى تنعم بدورها بنعم هذا البلد الآمن و هذا الشعب المسكين، و بذلك تكفلت الخزينة بمصاريف طائلة زادت في اثقال كاهلها، أدى الى تفاقم عجزها عن تسديد متطلبات مالية ضرورية و ذات اهمية قصوى و مستعجلة و حيوية بل حياتية للبلاد و العباد، فالتمتع بالنعم على تلك الشاكلة لا يحق له و رفع لواء التقشف في الضروريات أو الدفع بعدم تواجد اموال لتسديدها يعد ضربا من ضروب الخداع و عدم الشفافية و يصل الحد الى مستوى الخيانة الوطنية و الاستكراش على حساب الطاقة الوطنية و الاستئثار بالمال العام لغايات خاصة و الحال اننا في حاجة ملحة لسياسة تقشفية جادة و جدية، تحسبا للانزلاق في الممارسات السابقة للطغمة الحاكمة السابقة، التي كانت تعيش عيشة البذخ في حين تترك الشعب في الجوع و الاحتياج و الاهمال و العراء، و تلك ممارسات تكررت مشاهدها حاليا مع الساسة الحاليين مع الأسف الشديد و اضحينا نشاهد نفس السيناريوهات و الافلام السابقة في ثوب هؤلاء الجدد لا غير مع تغيير الأشخاص و الشخصيات لا غير.
و امام ماأاوردناه من تحاليل و انطباعات، ينتهي بنا المنطق الى عدة تساؤلات لا تخلو من الاهمية البالغة، و من اهمها على الاطلاق، عن مدى صدق هؤلاء السياسيين الجدد لهذا الوطن و مدى حبهم لهذا البلد و مدى اخلاصهم لهذا الشعب و مدى تفانيهم لتحقيق اهداف ثورتنا المباركة، و التي يدعون انهم ولدوا من رحمها و سيكرسون لتحقيق غاياتها و مراميها ؟، تساؤلات عدة و محيرة لا تجد وقعها و عداها و أجوبة لها حقيقة على ارض الواقع، بالنظر لما يمارس على أرض هذا الواقع، ذلك ان ما نشهده لا يعدو ان يكون الا قولا لا يتطابق مع الفعل، و وعودا ترتقي الى الكذب و الهراء، و نوايا لا تترجم بصلة فعلية، و تصورات لا تعدو ان تكون او تمثل الا خيالا مدقعا و اجوفا، و تخمينات غير فاعلة و لا جادة و من قبيل الحبر على الورق، و ما هو ادهى و امر، ان اصحابها مواصلون في ممارساتهم و غيهم، غير عابئين بالشعب و تطلعاته و استحقاقاته، بل انهم يعتبرونه بالغباوة بما كان، و لا يفقه شيئا في تصرفاتهم، بل لا يفقه شيئا في ممارساتهم أصلا، ألا انهم هم الأغبياء و الحمقى و ربّ العزة.
و إذا رأيت أنياب الليث بارزة فلا تظنن أن الليث يبتسم
و اللبيب بالاشارة يفهم.
*المواقف والأفكار التي تنشر في قسم “أفكار” لا تلزم إلا أصحابها ولا يعني نشرها من قبلنا تبنينا لها بأي صفة من الصفات .
شارك رأيك