صدر مؤخرا عن “الجمعية التونسية للحوكمة”، التقرير السنوي حول “حوكمة المنظومة الأمنية في تونس”، الذي عرض بالنظر لواقع المؤسسة الأمنية بعد الثورة، والنقابات الأمنية، وتحديات تطبيق الحوكمة وسبل إرسائها صلب هذا القطاع.
وتطرق التقرير إلى أهم التحديات والرهانات التي تواجه المسار الديمقراطي في تونس، لا سيما في ظل التجاذبات السياسية التي تشهدها البلاد اليوم، والتأثيرات السلبية لظواهر الإرهاب والفساد والجريمة المنظمة والتهريب والاتجار بالبشر، اضافة إلى الاضطرابات الاجتماعية.
وأكد التقرير على ضرورة إدخال إصلاحات جذرية على التنظيم الهيكلي للأجهزة الأمنية بتونس، لتلافي النقائص المسجلة، على غرار ضعف الامكانات البشرية والمادية، وغياب التنسيق، والتداخل في المصالح والمشمولات، مثلما هو الحال بالنسبة لفرقتي مكافحة الارهاب الموجودة لدى الشرطة والحرس الوطني وقطب مكافحة الارهاب والجريمة المنظمة.
إلى ذلك، سلطت الوثيقة الضوء على الصعوبات التي تواجهها المؤسسة الأمنية بخصوص التعاطي مع الأشكال الجديدة للجرائم، كتبييض الأموال والإرهاب وتجارة السلاح وجرائم الانترنات… فضلا عن صعوبة التعامل مع ظواهر التنظيمات والخلايا الإرهابية وشبكات التسفير لبؤر التوتر.
وتم في جانب آخر، تناول الاضطرابات السياسية التي تشهدها تونس، “بما أعاق”، وفق ذات التقرير، “عميلة إصلاح المؤسسة الأمنية، وساهم في بروز انقسامات صلب وزارة الداخلية، جراء الولاءات السياسية والحزبية، مما أدى الى تصدع المنظومة بأكملها”. وأكد التقرير على ضرورة التعجيل بالإصلاح، وتشريك الأمنيين في المسار الديمقراطي، وإرساء منظومة حوكمة وفق للمعايير الدولية التي تراعي مبدأ النجاعة ومبادئ حقوق الانسان الكونية.
وعن النقابات الأمنية في تونس، تحدث التقرير ، الذي نشرته وكالة تونس افريقيا للأنباء، عن مرحلة التأسيس انطلاقا من البيان التاسيسي الصادر في 17 فيفري 2011 ، الذي يهدف بمقتضى فحواه، إلى تحييد المؤسسة الأمنية، وإرساء أمن جمهوري ضد انحرافات الهيمنة والسيطرة وتوظيف الجهاز الأمني.
وتطرق أيضا إلى “تأزم الوضعية النقابية الأمنية اليوم، في ظل تشتت النقابات وانقسامها ووقوعها في لعبة المصالح والحسابات الضيقة وانحرافها عن أهدافها، بما أفقد العمل النقابي مصداقيته إزاء تموضع رجل الأمن كأداة للحزب الحاكم، كما كان في السابق”، وفق نص التقرير.
كما لفت التقرير إلى تحديات تطبيق الحوكمة داخل القطاع الأمني في تونس، جراء اهتزاز الثقة بين الأمني والمواطن، بما استوجب ترميم العلاقة بين الطرفين، عبر إنفاذ القانون، وتنظيم الدورات التكوينية حول حماية حقوق الانسان، وتأمين الصحفيين من قبل وزارة الداخلية.
وتحتاج المنظومة الأمنية، في نظر معدي التقرير، كذلك إلى مراجعة جذرية وإصلاح شامل على المستويات القانونية والمؤسساتية والعملياتية، نظرا لأهمية الأمن في تحقيق الاستقرار الاجتماعي والسياسي والنمو الاقتصادي.
واستعرض التقرير، في هذا الإطار، أهم المقترحات لإرساء الحوكمة الرشيدة داخل القطاع الأمني، والتي تتمثل بالخصوص، في مراجعة التنظيم الهيكلي للأجهزة الأمنية، وإيلاء الأولوية المطلقة لإشكالية الموارد والإمكانيات البشرية وإيجاد حل لضعفها.
وتمحورت المقترحات أيضا حول إرساء منظومة قانونية تحمي المواطن والأمني، من خلال مراجعة النصوص القانونية، والعمل على ضمان حيادية المؤسسة الأمنية.
وأشار التقرير إلى أهمية وضع استراتيجية أمنية ودفاعية من قبل الدولة للحفاظ على أمنها القومي، وتدعيم التصرف الديمقراطي وحقوق الإنسان في القطاع الأمني، وتدعيم آليات الحوكمة الرشيدة، بما تقتضيه من مساءلة وشفافية واحترام القانون. كما أكدت الوثيقة على ضرورة المراجعة الجذرية لقطاع الاستخبارات والاستعلامات، وحماية الأرشيف الوطني والمعطيات السرية للدولة من أي محاولة انتزاع أو تدمير أو إتلاف، بالإضافة إلى تنظيم استشارات وطنية حول إصلاح المنظومة الأمنية.
شارك رأيك