محمد فوزي معاوية
منذ 2011 والسؤال المتداول على الدوام لدى النخب التونسية و خاصة منها السياسية دون ان يجد أجوبة مقنعة يتعلقبتحديد موقعنا في مسارنا التاريخي للانتقال الديمقراطي واستمرت الأجوبة تتراوح بين”قطبين”.
الأول يبدو حاسما يدعو تفعيل مكتمل لآليات الحكم الديمقراطي على أساس أحقية اعتماد نتائج الفرز الانتخابي و ما
أخرجته صناديق الاقتراع وضرورة تأكيد الدورالحاسم للحكومات وأحقية تطبيقها لاختيارتها حتى لا تبدو مترددة ضعيفة
وهو ما تم التداول في التعبير عنه بحكومات ” الأيدي المرتعشة”؟
الثاني يبدو ساعيا على الدوام الى البحث عن التوافقات واكتساب أغلبية تتجاوز الأغلبية البرلمانية و التدرج في معالجة
قضايا الاصلاحات الكبرى مؤكدا على هشاشة البناء الديمقراطي وعلى ضرورة الاتفاقات الواسعة لضمان قابلية الانجاز.
السياسة ،الزمن و نجاعة التقديرات
ككل معادلة صعبة وهي تزداد تعقيدا في مراحل الانتقال الديمقراطي نجد حلها يرتبط ارتباطا وثيقا بتقديرات “الزمن”و
الزمن هنا يقترن طبعا بجاهزية القوى المرشحة للفعل و الانجاز كما تقترن بالآليات المتاحة .
ولا يخفى على أحد أن بناء النظام الجمهوري على أسس ديمقراطية تكرس سيادة الشعوب و دولة القانون و التداول السلمي
على السلطة لا يمكن له أن يتحقق الافي نطاق مسار بناء تارخي فهووليد تجربة المجتمع بخصوصياته، بما له وما عليه،
بما له من رصيد وقابلية مجتمعية وخاصة من قدرة لنخبه على الاجتهاد المقترن بالفعل واستعداد أوسع شرائحه الاجتماعية لتبنيالمشروع والمشاركة في بنائه .
كل ذلك يجرنا للتأكيد على أحقية الصعوبات التي تحف بهذا المسار والمحطات الصعبة التي سيمر بها و التعقيدات المنجرة
عن تداخل الشؤون المحلية بالملابسات الاقليمية و العالمية وأن كتابة دستور جديد ما هي الا البدايات بلا ضمانات ممنوحة من
الأقدار لتوافقات الصعبة وحكومات الفعل و الحسم
و اذا كانت الديمقراطية تسمح بل وتمكن و تشجع الأفراد و المجموعات و الجماعات و القطاعات مهما كان وزنها و كانت
خصوصياتها على الدفاع عن مصالحها مهما كانت فئوية وضيقة فان ذلك مشروط بوجود أعلى سقف ممكن للتوافقات
الوطنية الكبرى الحامية لكيان الدولة والمجتمع وان ذلك يتجاوز حتما “شكليات” الآليات التطبيقية للديمقراطية والانتخابات على
أهميتها وهي التى لا تخضع لمنوال بعينه أولقالب جاهز وان قام جانب أساسي منها على ثوابت ومرجعيات أثبتت عالميا جدواها
على أن الاشارة الى هذه الخصوصيات المتعلقة بالديمقراطية كانت مدخلا لنسف الديمقراطية من طرف النزعات الكليانية المدنية
منها و التيوقراطية . لهذه الاعتبارات علينا ان نسعى بلا خلفيات ضيقة الى بناء تأليف يتجاوز التناقض الظاهري للمقولتين المذكورتين أعلاه
ويعني ذلك أن الحكومات في مراحل الانتقال لايكفيها حصولها على الأغلبية البرلمانية حتي وان كانت مستقرة
بل هي باعتبار استمرارية الطابع التأسيسي للمرحلة في أوكد الحاجة لتوافقات كبرى تتجاوز السياسي لتشمل الاختيارات الوطنية
ا والاصلاحات الهيكلية “الثقيلة” في المجالات الاقتصادية و الاجتماعية و المالية والتربوية و الثقافية … وان أكبر المغالطات
في حالة غياب ذلك يتمثل في تكبيل أياديها و تعجيزها و مطالبتها بما لا تقدر أي قوة سياسية أو اجتماعية علي انجازه.
لقد رأينا كيف اضطرت أقدم الديمقراطيات وأعتاها تجربة في أيام الأزمات الى الاحتماء بأوسع التوافقات في اطار “وحدة وطنية”
تتجاوز تقسيمات اليمين و اليسار ، الليبرالي و الاجتماعي المحافظ و التقدمي …الى غيرها من تصنيفات لا بد لها أن تترك
جانبا حتى لا نقول أن تضمحل عندما يكون البناء الوطني برمته في الميزان و هو الحال بفائق التأكيد في مرحلة تأسيس الجمهوريات
الجديدة القائمة على الديمقراطية و دولة المؤسسات ومما لاش كفيه أن هذه التوافقات الكبرى التى تتعلق عندنا بخيارلت مصيرية
لابد لها أن تتنزل ضمن منهجية تشاركية حقيقية تمكن من اثرائها المتواصل وأن تصاغ في برنامج مدقق بما يضمن قابلية التفعيل
و الانجاز وأن لا تقف كما هو الحال بالنسبة “لوثيقة قرطاج”في حدود العموميات و اعلان المبادئ و حسن النوايا ومنها جرأو
اقتياد الشركاء السياسيين و الاجتماعيين الى تمرير ما لم يصاغ بصورة مشتركة فنجني التصدعات واختلال التوازنات وتزداد
“فواتير” السياسي المرتجل ثقلا على حساب اختناق لم يعد مقبولاعلى المستويات الاقتصادية و الاجتماعية و المالية…ونجده
اليوم يهدد التجربة برمتها.
الوحدة الوطنية الضامنة للحريةو للتعدد والمنافسة
في مسارنا الجديد لم يعد “للوحدة الوطنية” في ثوبها القديم مكانا وهي اليوم ليست شعارا أجوفا أو تكتيكا سياسيا لبراغماتية
تبرر اهتزازاتها بالواقية السياسية بل هي القضية الجوهرية بالا منازع وليس لهذه الوحدة الوطنية اليوم أن تفضي بالضرورة لئتلافات
حزبية أو لئتلافات حكومية اذ هي بالأساس مرجعية تضاف الى الدستور بوصفها مكملة له تساهم في تعبيد الطريق لكل الحكومات
لتجتهد انطلاقا منها في و ضع برامجها برامجا ستكون عرضة للتأييد وللرفض قد تتبناها الأحزاب والمنظمات وقد ستعارضها و
و قدتتشكل حولها الاغلبيات الممكنة وبذلك يتم الفرز الواضح بين ماهومحل اجماع تام وما هو محل خلاف ونازع.
تلك هي حسب اعتقادنا الاشكالية الجوهرية و الالتباس القائم حواها هو في الحقيقة و ليد عدم وضوح الرؤية أو قصرها لدى البعض
و هي مقصودة ومعلومة لدى البعض الآخر فارتباكات المرحلة واستفحال ضعف الدولة واتساع نطاق الأزمة يغذي في الداخل
وفي الخارج مطامعهم على حساب مصالح شعبنا وسيادة دولتنا و نجاح تجربتنا الريادية.
محمد فوزي معاوية : قيادي في نداء تونس
*المواقف والأفكار التي تنشر في قسم “أفكار” لا تلزم إلا أصحابها ولا يعني نشرها من قبلنا تبنينا لها بأي صفة من الصفات .
شارك رأيك