بقلم وليد البلطي
دخلت تونس في طور جديد في مجال حقوق الإنسان بعد سقوط النظام السياسي في 14 جانفي 2011 ،وقد انعكس ذلك على المستوى التشريعي من خلال إصدار المرسوم عدد 3 لسنة 2011 مؤرخ في 19 فيفري 2011 يتعلق بالموافقة على انضمام الجمهورية التونسية إلى البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.
ويخول العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية من خلال البروتوكول الاختياري الأول الملحق بالعهد الدولي ، للأفراد (المواطنين )بتقديم شكاوي في انتهاك حقوق الإنسان المرتبطة مباشرة بالحقوق المدنية و السياسية للجنة حقوق الإنسان التابعة لمنظمة الأمم المتحدة ،ضد البلد المصادق على البروتوكول ،لغاية التدخل لإيقاف هاته الانتهاكات إن ثبتت صحتها ،وقد اعتبر الملاحظون للشأن الدولي،أن تونس الجديدة قد تخطو خطوات جبارة في باب حقوق الإنسان ،لا سيما بعد أن تمت إماطة اللثام عن جملة الانتهاكات لحقوق الإنسان في الفترة الموالية لاستقلال تونس من قبل أجهزة الدولة في تلك الفترة .
تونس اليوم ،في تكرس المبادي الكونية لحقوق الإنسان ضمن دستور جانفي 2014 ،تولي عناية سياسية لحقوق الإنسان من خلال الإصرار على إحداث مؤسسات دستورية معنية بالعدالة الانتقالية و وزارات حكومية خاصة بحقوق الإنسان لكن المتأمل للوضع السياسي العام منذ 14 جانفي 2011 و المتفحص لترسانة التشاريع الصادرة ، ، من شأنه أن يخلص أن يستنتج أن تونس لا تزال في مرحلة التأسيس في باب ضمان الحريات الفردية و توفير القدر الأدنى من الضمانات للمواطنين .
و لعل خير دليل على ما سبق بيانه ،هو إعتماد مرسوم عدد 13 لسنة 2011 مؤرخ في 14 مارس 2011 يتعلق بمصادرة أموال وممتلكات منقولة وعقارية، و الذي تم بموجبه تمت مصادرة لفائدة جميع الأموال المنقولة والعقارية والحقوق المكتسبة بعد 7 نوفمبر 1987 والراجعة للرئيس السابق للجمهورية التونسية علي وزوجته لفائدة الدولة التونسية و علاوة على قائمة تضم أشخاصا تربطهم علاقة دموية أحياء و أموات و قصر و أخرون قد لعبوا دور الرموز السياسية فترة رئاسة بن علي.
قائمة تضم 112 شخصا ،زج بهم في قائمة ملحق بمرسوم ،تمت مصادرة ممتلكاتهم ،دون الإشارة إلى المعايير المعتمدة في إدراج زيد و إعفاء عمر أو ذكر السبب ،لكن علينا أن نفهم ضمنيا في باب ربط التشريع بالسياق الثوري ،أن الدولة التونسية قد صادرت هاته الممتلكات و الاموال لقناعة موكدة دون إقامة الحجة في شهر مارس 2011 على ارتباط هاته الأسماء بمنظومة فساد الأنظمة السياسية و الإثراء الغير مبرر و لا يزال الى تاريخ الساعة تحاول الدولة التونسية بمختلف سلطتها القضائية و التشريعية و التنفيذية ،السعي قدما نحو تاريخ غير معلوم تطويع الأفعال للإثبات فساد المصدر و التصريح بأحكام قضائية سالبة للحرية و تضخيمها إعلاميا وتبرير المصادرة.
قائمة تضم 112 شخصا متمتعين بالجنسية التونسية لكنهم مميزون عن باقي المواطنين سواءا من خلال قرابتهم الدموية أو على خلفية خططتهم صلب منظومة الحكم، يجردون من ممتلكاتهم ويحرمون من التظلم في غياب جهاز قضائي مختص، كل هذا يترجم في باب المواد المنصوص عليها بالبروتوكول الاختياري على اساس انتهاكات للحقوق المدنية و السياسية وقد يتضح أن أهمها هو عدم امكانية هذه الأفراد اعتماد سبل الانتصاف المحلي وهو استكمال اللجوء محليا من خلال ،القيام بجميع اجراءات التظلم في ظل غياب المحكمة الدستورية وعدم أهلية القضاء الإداري في التصريح بدستورية المرسوم من عدمه.
وفي غياب المحكمة الدستورية يتواصل الإقرار ضمنيا بانتهاك مواد البروتوكول الاختياري الملحق بالعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية و السياسية ،في أغلبية مواده على غرار عدم التمتيع بقرينة البراءة ،الحرمان من العيش ضمن كرامة الأفراد ،حضر حرية التنقل بموجب قرارات تحجير السفر ،تحريك دعاوي قضائية على اساس تهم موجهة تقتضي دراية و خبرة قانونية عالية في مجال تبييض الأموال ،لاتزال بعهدة قضاة التحقيق الى تاريخ الساعة ،تمييز افراد عن بعضهم البعض و في المقابل تواصل الدولة التونسية التفويت في هاته الممتلكات دون مبالاة في تقصيرها التشريعي على مستوى تفعيل آلية المحكمة الدستورية، ذارة الرماد على العيون من خلال هيئة الحقيقة و الكرامة و آلية العدالة الانتقالية الذي تحرم منه هاته الفئة من 112 شخصا لأن جميع الاتفاقيات الدولية المصادق عليها من قبل الجمهورية التونسية و جملة الحقوق المنصوص عليها بدستور جانفي 2014 و قانون العدالة الانتقالية ،لا يمكنها أن تتغافل على أن مرسوم المصادرة يعتبر انتهاكا للحقوق الكونية المشمول بأحكام الفصل الثالث من قانون أساسي عدد 53 لسنة 2013 مؤرخ في 24 ديسمبر 2013 يتعلق بإرساء العدالة الانتقالية وتنظيمه , و الذي يعرف الانتهاك على معنى القانون المذكور على اساس انه كل اعتداء جسيم أو ممنهج على حق من حقوق الإنسان صادر عن أجهزة الدولة أو مجموعات أو أفراد تصرفوا باسمها أو تحت حمايتها وإن لم تكن لهم الصفة أو الصلاحية التي تخول لهم ذلك.
وقد يعود بناء التاريخ الى تلك القوانين التي صدرت إبان الاستقلال و المتعلقة بمصادرة ممتلكات عائلة الأمين باي بحيث لا تزال تلك النصوص بمثابة وصمة عار في تاريخ تونس وغيرها من القوانين الأخرى التي تتصدى لها حاليا منظمة الأمم المتحدة ،ضد الجزائر الشقيق على اثر المحاولة التشريعية التي قامت بها بالفصل 21 من قانون المالية الجزائري لسنة 2010 لتأميم ممتلكات المغاربة المطرودين و المصادرة ممتلكاتهم من الجزائر من قبل الرئيس الراحل هواري بومدين ليلة العيد سنة 1976 على خلفية قضية البوليساريو، و الغريب في الأمر ،انه بالرغم من احداث العديد من الجمعيات و المنظمات المعنية بحقوق الإنسان بتونس بعد أن تم تفعيل المرسوم 88 لسنة 2011 المتعلق بتنظيم الجمعيات ،لم تتلتجأ أي جمعية أو منظمة حقوقية للجنة الأممية لحقوق الإنسان لإيقاف جملة الانتهاكات، وهو الدليل القاطع على أن تونس بمختلف فضائلها السياسية و مكونات مجتمعها المدني لم تبلغ مرحلة النضج و الوعي التام بمنظومة حقوق الإنسان ،لأنها تستثني أشخاصا من هاته الحقوق وتقصي أغلبهم من العدالة الانتقالية ،ولعل السيد وزير حقوق الإنسان قد يعي في المستقبل القريب بخطورة الوضعية لو أحالت لجنة حقوق الإنسان بجنيف شكاية من أحد الأطراف المعنيين بمصادرة ممتلكاتهم على تونس للإجابة أو اتخذت إجراءا استعجاليا ملزما لتونس يقضي بإيقاف أعمال التفويت في ممتلكات المصادرة.
*وليد البلطي : خبير في الحوكمة و مقاومة الفساد
** المواقف والأفكار التي تنشر في قسم “أفكار” لا تلزم إلا أصحابها ولا يعني نشرها من قبلنا تبنينا لها بأي صفة من الصفات .
شارك رأيك